مجلة وفاء wafaamagazine
صارت الصورة أقرب إلى الوضوح حكومياً. بعدما استنفد سعد الحريري كل التبريرات والحجج لكي لا يؤلّف الحكومة، يبدو أنه صار أقرب من أيّ وقت مضى إلى الاعتذار، حتى من دون الاتفاق على البديل. وفيما يعزّز ذلك الوصاية الدولية التي صارت أكثر وقاحة، حدّد الفرنسيون نهاية الشهر موعداً لفرض العقوبات الأوروبية على المعرقلينأمس، بدا اعتذار الرئيس سعد الحريري أقرب من أي وقت مضى. كل المؤشرات تذهب إلى احتمال أن تكون المقابلة التلفزيونية المرتقب أن يجريها مع قناة «الجديد»، منصّته لإعلان الاعتذار. أما مسألة تقديم تشكيلة أخيرة يتوقّع أن لا يوافق عليها رئيس الجمهورية وتكون بمثابة الخطوة الأخيرة قبل الاعتذار، فلم يحسم أمرها. علماً أن معلومات ترددت ليل أمس عن أنه قد بزور بعبدا اليوم لـ«إخراج» الاعتذار.
إلى ذلك، أشارت مصادر مطلعة إلى أن الحريري عقد اجتماعاً أمس مع رؤساء الحكومات السابقين للتباحث في خطوة الاعتذار، وسط معلومات عن إصراره على أن يكون البديل واحداً من «النادي»، لكن إذا كان نجيب ميقاتي الأوفر حظاً لتولي المهمة، فقد أشارت المعلومات إلى أنه طلب التعهد سلفاً بتنفيذ سلسلة طلبات وُصفت بالتعجيزية.
وفي السياق نفسه، أكد النائب السابق مصطفى علوش أنّ الحريري «سيعتذر أواخر الأسبوع الجاري، مفسحاً المجال لاستشارات نيابية لتشكيل حكومة جديدة»، معتبراً أنّ «الأزمة القائمة لن تنتهي إلا بوضع لبنان تحت الوصاية الدولية بانتظار الحلول».
المؤشرات لهذه الوصاية بدأت تصبح أكثر فجاجة، إن كان على صعيد حركة السفراء، أو على صعيد حركة الموفدين الغربيين. وفي هذا السياق، كان واضحاً أن الفرنسيين بدأوا بتصعيد خطواتهم. وبعد التهديد لأشهر بالعقوبات، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان من بروكسل أن «اجتماعاً أوروبياً سيعقد لاتخاذ عقوبات ضد أطراف لبنانية قبل نهاية الشهر»، متحدثاً عن «إجماع أوروبي لفرض العقوبات». وقال، بحسب بيان وزّعته السفارة الفرنسية، إن «فرنسا توصلت إلى اتفاق سياسي لتشكيل إطار قانوني تفرض بموجبه عقوبات على أطراف لبنانية»، مؤكداً أن «الإطار القانوني لفرض العقوبات سيكون جاهزاً قبل ذكرى انفجار مرفأ بيروت».
في الأثناء، وصل إلى لبنان، أمس، الوزير الفرنسي المنتدب المكلّف بشؤون التجارة الخارجية والاستقطاب لدى وزير أوروبا والشؤون الخارجية، فرانك رياستر لمعاينة «الإنجازات الفرنسية» عن قرب. وقال إنه سيزور مرفأ بيروت لـ«معاينة ما حققته المساعدات الفرنسية ونتائج التدخل الفرنسي، بطلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لأبرهن أنه تم الإيفاء بالالتزامات». واتهم رياستر المسؤولين اللبنانيين بأنهم «لا يفون بتعهداتهم»، لافتاً إلى أنه سيقول لرئيس الجمهورية (اليوم) «إن مصالح لبنان على المحك».
أما السفيرتان الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو، فاستكملتا «مهمتهما» السعودية، بإبلاغ نائبة رئيس مجلس الوزراء زينة عكر بنتائج زيارتهما. وأفاد بيان وزعه المكتب الإعلامي لعكر أنهما أطلعتاها على «نتائج لقاءاتهما مع المسؤولين السعوديين، وعرضتا الاستراتيجية المتبعة في لبنان لجهة تسلم المساعدات وتوزيعها بطريقة عادلة، إضافة الى متابعتها على ضوء الحاجات المستجدة».
إلى ذلك، كانت معراب أمس المحطة الثانية للسفير وليد البخاري بعد بكركي. في الحالتين، بدا كمن يثبّت حدود الحديقة السعودية في لبنان، وإن حاول إعطاء الزيارتين طابعاً تقنياً. لكن إذا كان حضور حفل إطلاق كتاب عن علاقة بكركي مع السعودية مبرراً بالشكل، فقد بدا إدراج الزيارة أمس في إطار «المراجعة التي تقوم بها السفارة لما قام به لبنان من إجراءات لمنع التهريب بعد ثلاثة أشهر على صدور قرار الحظر وما هو مطلوب في هذا الصدد» فكاهياً. وإن كان لم يعرف ما هو موقع سمير جعجع من هذه المراجعة، فقد حدد البخاري، في مؤتمر صحافيّ مشترك مع قائد القوات بعنوان «لبنان ــــ السعوديّة إعادة تصدير الأمل»، ثلاثة شروط لاستئناف التصدير إلى السعودية، هي: توفّر الإجراءات الأمنية المناسبة والإرادة السياسية الجادة لإيجاد الحل، والقضاء النزيه الذي يقوم على استكمال الإجراءات الأمنية.
من جهته، أعلن جعجع أنّ البعض «دأب على مدى الأعوام المنصرمة على محاولة جرّ لبنان إلى خارج فلكه العربي ومحيطه الطبيعي»، مشيراً إلى أن «المملكة عادت خطوة إلى الوراء وأخذت مسافة ملحوظة». وأضاف: «نحن نتمسّك حتى الموت باستقلالنا، ولن نرضى بأيّ احتلال أو وصاية أو تبعيّة، معلنة كانت أو مُضمرة. نتمسّك بسيادة الدولة اللبنانية كاملة على أراضيها، ولن نرضى شريكاً لها في القرار الاستراتيجي».
إلى ذلك استمرت مسألة رفع الحصانة عن النواب الوزراء السابقين الذين ادعى عليهم المحقق العدلي القاضي طارق البيطار بالتفاعل، فاعتصم عدد من أهالي شهداء انفجار مرفأ بيروت أمام منزل الوزير السابق نهاد المشنوق في قريطم، وأطلقوا هتافات مناهضة له وللحصانات النيابية.
ورداً على طلب هيئة مكتب مجلس النواب تزويدها بأي مستندات إضافية تتعلق بالنواب نهاد المشنوق وغازي زعيتر وعلي حسن خليل، لرفع الحصانة عنهم واستجوابهم كمدّعى عليهم في الملف، أكدت المعلومات أمس أن البيطار رفض تسليم أي معلومات إضافية، معتبراً أنه غير ملزم بتسليمها.
في سياق متصل، أكد الرئيس نبيه بري في بيان أنه «من موقعنا السياسي والبرلماني، نؤكد لذوي الشهداء والجرحى والمتضررين أن جريمة انفجار مرفأ بيروت هي جريمة وطنية أصابت اللبنانيين في الصميم، ولن نقبل تحت أي ظرف من الظروف أقل من معرفة الحقيقة كاملة بكل تفاصيلها ومعاقبة كل من تسبّب بها في أي موقع كان، وأن أقصر الطرق إلى الحقيقة تطبيق القانون بعيداً عن التحريض والتجييش والسموّ بقضية الشهداء وقدسيّتها فوق أي اعتبارات سياسية أو انتخابية أو شعبوية. ونؤكد بكل شفافية وهدوء أن لا حصانة على أي متورط في أي موقع كان، وأن المجلس النيابي سيكون مع القضاء إلى أقصى الحدود تحت سقف القانون والدستور، فالحصانة فقط هي لدماء الشهداء وللوطن وكرامة الإنسان وللدستور والقانون وليست لشريعة الغاب».
كذلك، غرّد النائب جبران باسيل على حسابه عبر «تويتر» قائلاً «أبشع شيء الظلم، ومن الظلم أن تمر جريمة من دون عقاب!»، مشيراً إلى أن “فاجعة مرفأ بيروت أكبر من جريمة وأكثر من ظلم. وطالب برفع الحصانة حتى تأخذ العدالة مجراها، ويعاقب المرتكب ويبرّأ المظلوم”.
وأضاف “من المؤكد أن هناك أشخاصاً، ومنهم مسؤولون، يعلمون بموضوع نيترات الأمونيوم وباستعمالها، وسكتوا، ومن الظلم ألا تتم محاكمتهم. ولكن أيضاً من الظلم أن تتم محاكمة من علموا وقاموا بعملهم ولم يسكتوا!». وختم “يجب الاستماع إلى كل المطلوبين، ومن كان مذنباً ومرتكباً، يتم توقيفه ومحاكمته، ومن كان بريئاً وقام بعمله يتمّ إخلاء سبيله. هكذا تكون العدالة”.
الأخبار