مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
“أوصيكم وأوصي نفسي بما حثت الأحاديث الشريفة عليه من إحياء يوم عرفة، يوم الموقف في عرفات الذي دعا الله فيه عباده إلى طاعته وعبادته وبسط لهم فيه موائد إحسانه وجوده، والشيطان فيه ذليل حقير طريد غضبان أكثر من أي وقت سواه..”. وقد روي أن الإمام زين العابدين يوم عرفة كان يدعو الناس إلى أن لا يدعو أحدا غير الله في هذا اليوم، لذا عندما سمع سائلا يسأل الناس قال له: ويلك أتسأل غير الله في هذا اليوم وهو يوم يرجى فيه للأجنة في الأرحام..”. فلنحي هذا اليوم الذي ورد فيه الغسل والدعاء والصلاة المستحبة الواردة فيه، والاستغفار والتوبة إلى الله، فلا تفوتنا فرصة الاستفادة من بركات هذا اليوم حتى نحظى بنتائجه لنكون أقرب إلى الله تعالى وأقدر على مواجهة التحديات”.
أضاف: “البداية من لبنان الذي كان ينتظر فيه اللبنانيون أن تؤدي المشاورات التي جرت حول التشكيلة التي قدمها رئيس الحكومة المكلف إلى التوافق على صيغة حكومية تفرمل حالة الانهيار التي يعيشها البلد على كل الصعد وتخرجهم من معاناتهم اليومية، ولكنهم فوجئوا بما آلت إليه الأمور باعتذار رئيس الحكومة المكلف، والذي رأينا تبعاته على الصعيد الاقتصادي والمعيشي والأمني والذي ظهر بتجاوز سعر الدولار عتبة العشرين ألف أو ما جرى في الشارع، وما سيحدثه من انسداد على الصعيد الحكومي، بعد أن أصبح واضحا صعوبة تأمين بديل في ظل الاحتقان الحاصل بين الأطراف السياسية والذي يأخذ أبعادا طائفية ومذهبية”.
وتابع: “لقد كنا نريد مع كل اللبنانيين أن يكون من يتولون إدارة دفة هذا البلد أكثر رأفة باللبنانيين، وحرصا عليهم بأن يجدوا المخارج لأزماته لا أن يوصلوا البلد إلى ما وصل من الطريق المسدود على كل الصعد، وأن يكونوا واعين بأن المرحلة الآن ليست مرحلة تحقيق مكاسب ولا بلوغ طموحات شخصية وأحلام خاصة بقدر ما هي مرحلة إنقاذ بلد يتداعى ولأجله تقدم التنازلات والتضحيات”، مؤكدا ان “البلد هو أحوج ما يكون إلى من يتنازلون لحساب وطنهم وإنسانه لا الذين يضحون به لحسابات مصالحهم”.
واردف: “إننا نقولها لكل الذين بات الهاجس الانتخابي يحرك مواقفهم، أن غالبية اللبنانيين باتوا يملكون قرارهم الحر في الانتخابات المقبلة ولن يسامحوا من أداروا ظهورهم لهم في هذه الأزمة الخانقة ولن يعطوهم قيادهم، هم سيكونون أوفياء للذين لا يعدمون وسيلة من أجل فتح أبواب الحل لكل ما يخرجهم مما هم فيه من مآس لإنقاذهم وانتشال الوطن من المصير المشؤوم”.
وقال: “اننا رغم كل هذا الواقع، سنبقى نرى في الأفق بوادر حل ستأتي من الداخل من الذين لا يزالون يعيشون هم هذا البلد وإنسانه.. ومن الخارج ممن لا يريدون لهذا البلد أن يسقط، وإن كان ذلك لحسابهم، وقد تعلمنا من دروس الماضي والحاضر أن الحلول تأتي غالبا بعد انسداد الأفق، فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا. وهنا، لا بد أن نحذر وأمام كل هذا الواقع المأزوم من إثارة الغرائز الطائفية والمذهبية والتي نتوقع أن تتفاقم تحت عنوان الصلاحيات هنا وهناك أملا باستعادة ما فقدوه من رصيد شعبي يريدون توظيفه انتخابيا، مما نخشى أن يؤدي إلى توتير الشارع بما ينعكس سلبا على أمن البلد واستقراره، والذي إن تحرك لن يستطيع أحد توقي تداعياته وهو سيسمح للعابثين بهذا البلد أن يجدوا مجالا رحبا لهم، وهو لن يخدم أحدا بل سيحرق بناره الجميع”.
وعلى صعيد كارثة المرفأ، قال: “كنا نربأ بمن هم في مواقع المسؤولية أن يتم التعامل مع أهالي الضحايا بالأسلوب الذي تم التعامل به معهم والذي أوحى لهم باللامبالاة بمشاعرهم وبالدماء التي سالت، أو بمن أصيبوا أو الذين خافوا ولا يزالون خائفين من أن يتكرر ما جرى. إننا نقف مع أهالي الضحايا والمصابين وكل اللبنانيين في سعيهم للوصول إلى الحقيقة، وندعو أن يتم التعامل مع هذه القضية بكل جدية، وأن ترفع كل العوائق التي لا تزال تقف أمام تحقيق العدالة التي ينبغي أن تكون هي هدف هذه القضية.. وإذا كان البعض لديه علامات استفهام أو عدم ثقة بوصول التحقيق إلى الحقيقة، أو أنه يحيد عن الحقيقة ويدخلها في الصراع السياسي الجاري، فليكن ذلك على مسامع أهالي الضحايا والمصابين واللبنانيين، لا أن يتم التعامل معها بمنطق أمني أو بالإساءة إلى القوى الأمنية أو العبث بالممتلكات الخاصة والعامة”.
وعن ذكرى حرب تموز، قال: “في هذا الوقت نستعيد مع كل اللبنانيين الحرب التي شنها العدو الصهيوني على لبنان بحجة أسر جنوده، والتي كان من الواضح أن أهدافها أبعد من ذلك، بل كان الهدف فيها هو أكبر وهو ما أعلن عنه وقتها ببناء شرق أوسط جديد، ولكن صمود المقاومة وتضحياتها وتضحيات الجيش اللبناني وصموده وصبر اللبنانيين وتعاونهم فوت على هذا العدو الفرصة..إننا أمام ما يجري، نعيد التأكيد على أهمية إبقاء كل عناصر القوة التي أدت إلى منع العدو من تحقيق أهدافه، لأن العدو لن يكل ويمل لاستعادة زمام المبادرة التي أفلتت من يده في هذا البلد، وبعدما بدا أمام العالم أنه سرعان ما يقهر إن تحققت الجدية برد عدوانه، وهو مستمر في عدم إخفاء نواياه العدوانية من خلال ما ظهر على لسان قادته السياسيين والعسكريين التي صدرت أخيرا.. وإن كنا نرى أن الهدف من وراء ذلك رد الاعتبار إلى كيانه وجيشه، والإيحاء بأنه استعاد قدراته، إننا نجدد دعوتنا إلى الحذر والجهوزية الدائمة وإلى ترميم الساحة الداخلية لتكون قادرة على مواجهة أي مغامرة يقدم عليها”.
اضاف: “وأخيرا، نلتقي بعد أيام بعيد الأضحى المبارك الذي سيكون يوم الثلاثاء، أعاده الله على الجميع وجعله يوم عيد وبركة وأن يكون مستقبل أيامنا أفضل من ماضيها. ويبقى علينا أن نشدد على ضرورة إبقاء الحذر من تفشي وباء الكورونا بعدما بدأت الأعداد تزداد والأخذ بإجراءات الوقاية كاملة وعدم الاستخفاف بها تحت أي اعتبار”.