مجلة وفاء wafaamagazine
أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة التي استهلها بقوله تعالى: (ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون).
وقال: “تتعرض هذه الآية المباركة لثلاثة مفاهيم: الاسراف والافساد والإصلاح، ويصف تعالى المسرفين بأنهم يفسدون وينفي عنهم صفة الاصلاح وينهى عن اتباعهم والائتمار بأوامرهم، وهو بذلك يحدد احدى المواصفات التي ينزع عمن توفرت فيه اهلية الإمرة والاتباع اي حق بالطاعة، وبعبارة اخرى اهلية القيادة، وهي صفة الاسراف لأن المسرف مفسد في الارض. والمفروض أن وظيفة من يتولى أمر القيادة هو أن يأخذ بأيدي الناس الى ما فيه صلاح اجتماعهم واستقرارهم، وهذا ما لا يتحقق على ايدي من وصفهم القرآن الكريم بالمسرفين”.
اضاف: “وهنا لا بد من تحديد مصطلحات المسرفين والمفسدين والمصلحين. فما هو المقصود بالمسرفين؟ المسرفون هم الذين يمارسون فعل الاسراف في أمورهم ويتجاوزون الحدود المقبولة في تصرفاتهم المالية حسب ما يعرف المصطلح أهل الفن وهم الفقهاء وان كان يمكن تعميمه ليشمل سائر التصرفات غير المالية، فكل تصرف يتجاوز الانسان فيه الحدود المقبولة لدى العرف سواء كان تصرفا في المال او غيره ينطبق عليه عنوان المسرف، وبالتالي فهو مصداق للإفساد في الارض الذي يعد من اخطر القضايا والارتكابات والجرائم التي استحق فاعلها في الاسلام اعظم عقوبة يمكن تصورها على جريمة من الجرائم قال تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا او يصلبوا أو تقطع ايديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض)”.
وتابع: “أما الافساد، فهو خلاف الاصلاح وحيث أن الاصلاح من المفاهيم الواضحة المعنى وهو جعل الشيء يؤدي الغاية التي فيها صلاح الاجتماع الانساني وتحقيق ما فيه منفعة الناس وسعادتهم واستقرارهم ويحقق الغاية من خلقهم ووجودهم، وهو في الاسلام عبوديتهم لله ومعرفتهم له والقيام بما تقتضيه هذه المعرفة من الشكر له تعالى، وإشاعة الامن والسلام والعدل والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الظلم والظالمين ومعاونة الضعيف وإدراك اللهيف، كما التعبير الوارد في بعض أدعية الامام علي بن الحسين زين العابدين وتصحيح المفاهيم وتوضيحها وتعليم الجاهل وتقديم المعرفة والقيام بكل ما من شأنه خدمة الانسان، وعليه فكل تصرف يناقض هذا الهدف وهذه الغاية فهو افساد في الارض وصاحبه مسرف فاقد لأهلية القيادة لا يجوز اتباعه ويحرم الانقياد له واطاعته وتوليته واعانته، فهو من الاعانة على الظلم أيا كان مقدارها قال رسول الله (من أعان ظالما على ظلمه جاء يوم القيامة مكتوب على جبهته: آيس من رحمة الله)”.
وقال: “لهذا، فإن مسألة القيادة والولاية من المسائل الحساسة في الإسلام، إذ تشدد في الشروط التي يجب توفرها في من يحق له ان يقوم بها، بل لم يدع للناس الامر في اختياره وانما جعله امرا يختص به في عقيدتنا، كما هو الحق إن شاء الله تعالى بالعنوان الاولي وهو ليس محل كلامنا، ولكن أتينا على ذكره كشاهد على شدة تحفظ الاسلام عليه والاهتمام به لما له من تأثير على بلوغ الاهداف التي وظف لأجلها وما انيط به من مسؤوليات خطيرة ترتبط بغاية الخلق والايجاد كما أسلفنا. وحتى مع تجاوزنا لهذا المعنى بمفهومه الديني ومع اعطائه البعد الاجتماعي العام والغاية المتعارفة للعدالة يبقى شرط الصلاح وعدم الاسراف والفساد شرطا ضروريا لتستقيم الحياة ولتحقيق الحد المقبول من العدالة لا يمكن تجاوزه او اغفاله، وكان مطلبا انسانيا دائما وغاية اجتماعية مستمرة وسببا وجيها ومهما من اسباب الثورات الاجتماعية الساعية لتحقيق مطالبها الثابتة وغير القابلة للتغيير بتغير الازمنة والامكنة واختلاف الشعوب التي تجد في ذلك سببا كافيا ومبررا لبذل الانفس في سبيل تحقيقها، فالحرية والعدالة ومواجهة الفساد والظلم اهداف انسانية ترخص في سبيلها الأرواح”.
واعتبر الخطيب ان “النظام اللبناني شكل النموذج الصارخ للفساد على مستويات متعددة، سيما بفسحه المجال امام تكون طبقة فاسدة امنت المحاسبة والعقاب وشكلت لها سورا من الحماية تتذرع بها كلما احست بالخطر عند اي تحرك اجتماعي يسعى للتصحيح ولو جزئيا، وما نشهده اليوم من سقوط مدو للواقع الاجتماعي اللبناني على خطورته فإن النظام مع كل ذلك يبقى عصيا على التغيير او التعديل او التصحيح، وحتى ان المتضررين منه حينما يشعرون بأنه مهدد سرعان ما يقفون دفاعا عنه بحجة الدفاع عن الطائفة والمذهب .الامر الذي يدفعهم للارتباط بالخارج واستدعائه حتى لتأخذ وجهة الصراع بين اللبنانيين كأنها بين شعوب متعددة بتعدد طوائف لبنان وتصبح الاستعانة بالخارج امرا مشروعا لا حرج منه وتتبخر ادعاءات السيادة والاستقلال وتختلط المفاهيم وتبرر العمالة حتى للعدو المحتل للأرض الذي يتحول الى حليف في مواجهة الاخر من ابناء الوطن”.
وقال: “لقد كانت قمة المهزلة ما آل اليه أمر التكليف بتأليف الحكومة والوطن ينازع والمواطن يحتضر، وهو يفتش عن لقمة العيش المفقودة وعن حبة الدواء المدعومة ويقف في صفوف الذل على محطات البنزين، ولم يشفع لهم كل ذلك ان يدفع المسؤولين عن التأليف وعن التكليف الى الشعور بخطورة الاوضاع ووجوب التنازل لصالح المواطن والبلد، وإذا بنا نرى هذا المشهد المريب الذي يدفع البلاد الى الهاوية وتخرج التظاهرات ليكتمل المشهد بإقفال الطرقات زيادة في تعذيب المواطنين وإيلامهم. فيا للصورة المتخلفة فأي وطن نستحق واي مستقبل نرسم؟”.
اضاف: “آن لهؤلاء أن يصحوا وأن يخرجوا من كهوفهم الطائفية، فليس المسؤول عن حرمانكم الا من يدعون تمثيلكم والدفاع عن حقوقكم، وأنتم لا تمثلون لهم سوى متاريس يحتمون بكم لنهب المزيد من اموالكم، وابناء الطوائف الاخرى هم مثلكم يعانون مثلما تعانون، فلتتحد قبضاتكم وقلوبكم لإجبار الفاسدين المتحكمين بمصائركم على الرجوع الى جادة الصواب قبل أن يفوت الوقت ولات حين مندم”.
وتابع: “أما وقد اعتذر الرئيس المكلف عن تشكيل الحكومة، فإن السياسيين مطالبون ببذل جهود مكثفة للتوافق على انجاز الاستحقاق الحكومي بما يحد من الانهيار الاقتصادي، فيتفقوا على اسم جديد لتأليف الحكومة الانقاذية الوطنية القادرة على انجاز الإصلاحات وتوفير الاستقرار السياسي ولجم التدهور الاقتصادي بحيث تحظى بثقة اللبنانيين والعالم”.
وحذر الخطيب “من قطع الطرقات وتعريض المارة للخطر وتهديد الامن والاستقرار”، وقال: “الحل لا يمكن انجازه في الشارع، فلعبة الشارع تستحضر المآسي والنكبات التي تزيد المشاكل تعقيدا، فضلا عن افساح المجال امام المندسين والمأجورين لبث الفتن وتخريب البلد، ولا مناص امام اللبنانيين الا الحوار والتعاون على حفظ وطنهم مما يحتم ان يتواصل اقطاب السياسة ويتحاوروا ويتشاوروا لتجنيب البلد ازمات جديدة نحن بالغنى عنها”.
ودعا “في هذه الأيام المباركة من شهر ذي الحجة، المؤمنين واللبنانيين الى التنافس في فعل الخير والتزام العمل الصالح الذي يتقرب به العبد الى ربه ليكون بابا من أبواب مرضاته عز وجل”، وقال: “نحن في لبنان بأمس الحاجة إلى سلوك نهج البذل والعطاء في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور والازمة المعيشية الخانقة، ومقتضى الاخوة الإنسانية ان يتضامن ابناء الوطن الواحد ويتكافلوا ويتعاونوا على البر والتقوى فلا يتوانوا عن مساعدة الفقراء والمساكين ومد يد العون للمرضى والمحتاجين، وعليهم ان يشكلوا شبكة امان اجتماعي على مستوى الأحياء والقرى والمناطق، للحؤول دون الانزلاق في مهاوي الفوضى والاضطرابات، وأولى واجباتنا الوطنية ان نعزز استقرارنا الاجتماعي فنكون عونا للأجهزة الرقابية التي يجب تفعيلها في كشف المحتكرين للدواء والغذاء والمشتقات النفطية، فالاحتكار عمل محرم وماله حرام، ولا يجوز باي شكل من الاشكال استغلال حاجات الناس، فما شهدناه من مآس بسبب احتكار الدواء امر مشين ومستنكر لا يقبله عقل ولا يقره دين. أما الاتجار بالمواد المدعومة من دواء ونفط على حساب حرمان المواطنين فهو امر محرم وسرقة موصوفة لحقوق المواطنين. ونطالب القضاء اللبناني بالقيام بمسؤولياته في محاكمة المحتكرين وسارقي دواء اللبنانيين ولقمة عيشهم، وألا يكون أداة بيد السياسيين تستخدم للانتقام من الخصوم، وعدم التهاون في محاسبة المسؤولين عن المتاجرة غير المشروعة في السلع المدعومة”.