مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار” تقول: إذا صحت المعلومات التي تحدثت عن تقدم جدي تحقق في توزيع الحقائب الوزارية ضمن المسودة الحكومية التي نوقشت أمس في اللقاء الثامن بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، فإن هذه المعلومات، على دلالاتها الإيجابية، حجبتها المهزلة السلطوية الجديدة التي تفجّرت امس على أيدي رموز السلطة في أسوأ مهرجان للخداع الذي تمارسه هذه السلطة حول ملف رفع الدعم عن المحروقات.
معظم المراقبين السياسيين والماليين المستقلين تحدثوا عن فضيحة مخزية في مجريات الساعات الأخيرة التي بدت في ظاهرها إنفجاراً للصراع بين السلطة السياسية ممثلة برئيس الجمهورية وفريقه ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب من جهة، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة من جهة أخرى. ولكنّ الحقيقة في جوهرها تتمثل في ان السلطة السياسية مارست أسوأ أصناف الخداع حين تنكرت لتلقيها عشرات الإنذارات المسبقة من حاكم مصرف لبنان حول بلوغه الخط الأحمر في تمويل المحروقات واستحالة المس بالاحتياط الالزامي الذي يجسد بقايا الودائع المصرفية للمودعين.
واذا كان سلامة قد ارتكب خطأ تنكبه منفرداً لقرار وقف الدعم عملياً للمحروقات بعد مشاركته في حيز من اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الأربعاء الماضي، حيث اخضع لاستجواب من الرئيس عون، اكد خلاله عدم امكان المضي بعد اليوم في سياسة دعم المحروقات، فان ذلك لم يستر الفضيحة السلطوية التي انبرى عبرها العهد ورئيس الحكومة المستقيلة الى ركوب الموجة المخادعة الشعبوية على اثر صدور “امر العمليات الشعبوي” عن رئيس تيار العهد وصهره النائب جبران باسيل بشن الهجوم على سلامة وتحميله منفرداً تبعة الاجراء الجراحي الأصعب. ولم تقف الفضيحة عند حدود تنكر السلطة برأسيها المسؤولين عن التأخر المتمادي في اعتماد الأطر التنفيذية للبطاقة التمويلية، كما في اتخاذ الإجراءات الضرورية الأخرى لتمرير قرار رفع الدعم بحد معقول من التداعيات، بل انكشف الامر عن صراع حاد تخوضه السلطة مع حاكم المركزي لإرغامه على التصرف بالاحتياط الالزامي في تمويل المحروقات ولو أدى الامر الى استنزاف آخر ما بقي من ودائع موعودة ومجمّدة للمواطنين.
ومع ان الملف تم البحث فيه اول من امس في اجتماع المجلس الاعلى للدفاع، وافيد ان المجتمعين كلهم تبلغوا خبر اضطرار سلامة لوقف دعم المحروقات ولم يعترضوا، رأس عون امس اجتماعاً في بعبدا حضره وزير المال غازي وزني ووزير الطاقة ريمون غجر وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بحث في قرار الحاكم رفع الدعم عن المحروقات. وافيد ان سلامة أبلغ عون أنه غير قادر على الاستمرار في الدعم إلا بموجب قانون يصدر عن مجلس النواب يسمح باستخدام التوظيفات الإلزامية بالعملات الأجنبية. واشارت “رويترز” الى ان الحاكم لم يتراجع عن قرار وقف دعم الوقود خلال اجتماعه مع الرئيس عون ويصرّ على سن قانون يسمح باستخدام الاحتياط الإلزامي. ولكن عون الذي اعتبر أن المجلس الأعلى للدفاع لم يتخذ أي قرار يتعلق برفع الدعم الذي هو أصلاً خارج اختصاصه، طالب سلامة التزام التنسيق في أي اجراء يتخذه مع السلطة الإجرائية. ولوحظ ان اجتماع القصر جاء بعد قليل من حملة شعواء شنها النائب جبران باسيل على سلامة واتهمه فيها بـ “الانقلاب” على قرارات السلطة السياسية “وبتنفيذ حرب اقتصادية” كما تداعى انصار التيار العوني للتظاهر مساء امام منزل سلامة.
دياب يرد!
وفي اطار الحملة نفسها سارع الرئيس حسان دياب من مكان حجره الصحي الى عقد اجتماع وزاري في السرايا لمناقشة قرار حاكم مصرف لبنان رفع الدعم وحاول غسل يديه وتبرئة ذمة حكومته من كل الظروف التي تسببت بها في بلوغ الكارثة وشن بدوره حملة على سلامة قائلا ان حاكم مصرف لبنان “اتخذ هذا القرار منفرداً، والبلد لا يحتمل التداعيات الخطيرة لهكذا قرار. هذه التداعيات ستطاول كل شيء: لقمة عيش المواطنين، وصحتهم، والاقتصاد وأيضاَ مؤسسات الدولة التي ستكون مربكة في التعامل مع واقع جديد غير جاهزة له، فضلاً عن الرواتب وحضور الموظفين.. واليوم، سيكون علينا جميعاً، في أي موقع، العمل بكل طاقاتنا من أجل احتواء قرار رفع الدعم وتقليل أضراره الكبيرة”. وبدا لافتا ان دياب ذهب بعيداً في محاولة تبرئة ذمته من تداعيات السياسات التي تولتها حكومته، فأطلق ما يشبه ادانة ومحاكمة لسلامة بالكامل عبر بيان جاء فيه ان الاجتماع “تطرق إلى القرار المفاجئ وغير المسؤول لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة برفع الدعم عن المحروقات والذي سبق إصدار البطاقة التمويلية والمرحلة الإنتقالية الضرورية لرفع الدعم. وعليه حمّل المجتمعون سلامة ومجلسه المركزي التداعيات الكارثية وغير المحسوبة العواقب بقرار أحادي من جانب المصرف” وقرر المجتمعون :
“أولًا: تأكيد أهمية وضرورة استمرار الدعم والبدء بترشيده فور وضع البطاقة التمويلية موضع التنفيذ وإجراء المقتضى لإيجاد السبل الكفيلة قانونًا لمواصلته في المرحلة الحاضرة مع تحميل الجهات الرقابية والأمنية المسؤولية لإيصال الدعم إلى المواطن وأن يتولى القضاء مسؤولية المحاسبة.
ثانيًا: البدء فورًا بتطبيق قانون البطاقة التمويلية وخاصة بعدما تم إقرار آلية تنفيذه ضمن المهلة القانونية وإجراء الترتيبات اللازمة لإطلاق المنصة بالسرعة القصوى.
ثالثًا: التشديد على وزير الطاقة والمياه إنجاز الخطوات المتبقية من اتفاقية النفط العراقي وذلك بمهلة أقصاها نهاية شهر آب الجاري، وبالتوازي تكليفه وضع خطة متكاملة من شأنها تحسين زيادة التغذية بالتيار الكهربائي بمهلة أسبوع من تاريخه، اضافة إلى الطلب من مصرف لبنان تأمين الأموال اللازمة لإصلاح وصيانة الأعطال الضرورية في الشبكة وفي معامل إنتاج الكهرباء للإستفادة من النفط العراقي.
رابعًا: تأكيد عدم حصول أي تعديل في أسعار المشتقات النفطية ووجوب توزيعها وفقًا لمذكرة وزير الطاقة والمياه ذات الصلة.
خامسًا: تكليف الوزارات المختصة إعداد تصور من شأنه أن يميّز بين الدعم لجميع أنواع المحروقات المختلفة كأن يكون مثلًا هنالك سعر للبنزين 98 أوكتان غير مدعوم وآخر للبنزين 95 أوكتان مدعوم.
سادسًا: الإتفاق على الإسراع بتنفيذ مشروعي وزير المال الأول المتعلق بزيادة بدل النقل والثاني المتعلق بمنح المساعدات الاجتماعية لموظفي الإدارة العامة مهما كانت تسمياتهم الوظيفية وذلك قبل نهاية شهر آب الجاري”.
وواكب الاشتباك بين السلطة السياسية ومصرف لبنان تفشي فوضى عارمة في مختلف المناطق مع اقفال المحطات أبوابها وعدم تسليم الشركات أي كميات من المحروقات واشتداد الازمة فيما اتسعت عمليات قطع الطرق الرئيسية والفرعية في معظم المناطق وتمددت ليلا من الشمال الى اوتوستراد جل الديب كما الى الجية وصيدا جنوبا. واقتحم متظاهرون ليلا محطة لتحويل الكهرباء في صيدا فيما توجهت مجموعة متظاهرين الى دارة النائبة بهية الحريري.
تقدم جدي؟
اما في الملف الحكومي فان اللقاء الثامن بين عون وميقاتي امس في بعبدا انتهى الى تصريح مقتضب للرئيس المكلف الذي اكتفى بالقول “ان شاء الله خير وسنتابع الأسبوع المقبل”. وأفادت المعلومات عن اللقاء ان الجو كان إيجابياً وحصل تقدم فعلي اذ اقترب البحث بين عون وميقاتي من انهاء توزيع الحقائب على الطوائف وعلى الجهات السياسية ودخلا في مرحلة اسقاط الأسماء. وأفادت المعلومات ان ميقاتي سيخصص الأيام الفاصلة عن اللقاء التاسع الذي سيعقد مطلع الأسبوع المقبل لاستكمال مشاوراته مع القوى السياسية. وتحدثت معلومات أخرى ان التفاهم استكمل حول الحقائب الخدماتية والأساسية فيما هناك تفاهم على إبقاء القديم على قدمه بالنسبة الى الحقائب السيادية. كما اتفق على ان تبقى حقيبة العدل من حصة رئيس الجمهورية.
وذهب بعض الترجيحات المتفائلة الى توقع انتهاء التشكيلة الأسبوع المقبل.