مجلة وفاء wafaamagazine
أحيا المجلس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الليلة الرابعة من شهر محرم، في مقره، برعاية رئيس المجلس الشيخ عبد الامير قبلان. والقى نائب رئيس المجلس العلامة الشيخ علي الخطيب كلمة قال فيها: “في هذه الليلة الرابعة من شهر محرم الحرام، سأتناول موضوعا في غاية الاهمية من الموضوعات المتعددة المتعلقة بهذه المناسبة، وهي بيان الدور الذي انيط بالإمام الحسين عليه السلام، وبالهدف الاساس التي أدت و تؤديه هذه الثورة والحركة الحسينية الشريفة”.
اضاف: “ان من الامور البديهية الفطرية التي يدركها كل انسان طبيعي وهادف إخضاع اي نشاط يصدر عنه لقواعد معينة متعارفة ومقبولة لانه يحتاج لذلك لأمرين مهمين: الامر الاول لإقناع نفسه به حتى يكون لديه الدافع للاقدام على فعله من مصلحة معينة يبتغي تحقيقها خاصة كانت او ذات طبيعة عامة تؤثر بالمجرى العام في حياة الجماعة التي ينتمي اليها. الامر الثاني، لإيجاد المبرر الذي يعطي هذا الفعل المقبولية لدى الاخر فردا كان او جماعة حتى لو لم يكن هذا السلوك يمس مصالح الاخرين، وهو ما يطلق عليه مصطلح العقلائية بمعنى ان يكون الفعل مطلوبا لدى العقلاء. وكل عمل لا يأخذ هذين الامرين بالاعتبار يخرج عن كونه عملا عقلائيا او اخلاقيا يستحق فاعله اللوم على الاقل ويسقط فاعله عن الاعتبار لدى العرف والجماعة متى كان سلوكه مستداما”.
وتابع: “ان هذه المحاكمة التي يقوم بها العقلاء افرادا وجماعات حينما يواجهون سلوكا بشريا معينا هي امر فطري طبيعي، وهو ما يدفع الجماعة البشرية الى القيام بعملية تصفية اخلاقية لنفسها ومحاسبة ذاتية تلفظ فيها ما يتنافى مع فطرتها التي تدفعها نحو تصحيح ذاتها باستمرار، طالما بقية سليمة لم تعطلها عوامل الفساد الشيطاني، وهي تلتقي مع الطبيعة التي ابدع الله تعالى خلقها وأتم صنعها بما جعل فيها عوامل تكفل لها القيام بدورها في صنع الحياة وحفظها ودوام بقائها واستمرارها. ولكن ذلك لا يعني ان الجماعة البشرية تقوم دائما بهذه الوظيفة التي املتها هذه الفطرة فهي ليست عملية ميكانكية كما هي وظيفة الرئتين بل هي تشبه الى حد كبير احدى الوظيفتين اللتين يقوم بهما القلب، فالقلب يقوم بوظيفتين للانسان احدهما وظيفة ميكانيكية، وهي عملية القبض والبسط التي تنشأ عنها الحركة الدموية في الجسم والاخرى تؤثر في افعاله وسلوكياته حيث انه مجمع للمشاعر التي قد تكون انسانية منسجمة مع الفطرة واخرى غريزية حيوانية شريرة كالحقد وحب الانتقام والعدوان والانانية حينما يتلوث هذا العضو ويفسد بفعل ما يقوم به الانسان من تجاوزات يناقض ما تقتضيه الفطرة”.
واردف: “قال الله تعالى، “بل ران على قلوبهم ما كانوا يعملون”، ان القلب هو اول المتأثرين بفساد الفطرة، والفطرة هي مركز مواجهة الفساد كما انها بمثابة المصفاة التي تقوم بعملية الفرز بينما هو صحيح وبينما ما هو فاسد، فاذا تعطلت عن القيام بهذه الوظيفة تعطل النظام واختلت الموازين، وكان اول المتأثرين بالفساد هو القلب، اذا هذه الفطرة هي في معرض الافساد والتعطيل، والفساد الذي ينتج عن هذا التعطيل يؤدي حتما الى التأثير على هذه العملية العقلية في التحليل والاستنتاج والاكتشاف لان هذه العملية تحتاج الى الاولويات التي توفرها هذه الفطرة. قال سبحانه وتعالى “فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله”، فالانسان فردا كان او جماعة بمقتضى هذه الاية، هو في حصن من الفساد طالما اهتدى بالفطرة التي فطره الله تعالى عليها، ولن يستقيم الاجتماع الانساني ما لم يستند الى هذه القاعدة”.
واكد الخطيب ان “الفطرة هي البصيرة والهادي ومن دونها يصبح المجتمع البشري كراكب البحر ينتابه الموج من كل مكان. قال سبحانه وتعالى “أو كظلمات فى بحر لجى يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور”.
وقال: “ان من عطل فطرته فقد بصيرته، ومن فقد بصيرته عمي عن الحق وفقد طريق السلامة والخلاص، وتعطل النظام العام وسادت الفوضى واصبح الاجتماع البشري والانساني في معرض الهلاك والابادة، وهل هناك فساد اخطر من هذا الفساد؟ وهذا ما تكرر حدوثه في تاريخ البشرية مرات متعددة، وما حدثنا الله تعالى عنه في كتابه وما سجله الذين أرخوا لماضي الامم وكتبوا وقائعها وأحداثها كقوم عاد وهود ولوط الذين تمردوا على أنبيائهم ولم يستمعوا الى نصائحهم وارشاداتهم وتحذيراتهم من مآلات السوء وعواقب الامور من تعرضهم للعذاب الاليم والدمار الشامل والخزي في الدنيا والآخرة.{ألم تر كيف فعل ربك بعاد* إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد}، مبينا ما يتمتعون به من قدرات هائلة استحقت أن يضرب الله بها مثلا لما ملكته من حضارة قوية تمظهرت في البناء والعمارة والهندسة وتخطيط المدن عبر الله تعالى عنها بقوله {إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد}، إذ لم يكن لها نظير في التطور والعمران ولكن شعورهم بالقوة والغنى دفعهم الى التجبر فاستكبروا وأظهروا في بلادهم الفساد ففسدوا وأفسدوا شأن سائر القوى في التاريخ كما يقول تعالى في شأن الأفراد والجماعات الذين امتلكوا القوة والكفاية، كما قال تعالى عنهم {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى}، تعبيرا عن سنة من السنن الاجتماعية التي تحكم حركة البشر في العالم”.
واوضح ان “السنة الاجتماعية الاخرى التي اشار اليها تعالى في الحديث عن قوم عاد، هي ان عاقبة الفساد الذي هو الخروج عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها هي الدمار وهذا ما أشار إليه تعالى بقوله (ألم تر كيف فعل ربك بعاد)، كمصداق ومثال لهذه السنه، فهي ليست مخصوصة بقوم عاد وإنما تعم الأمم جميعا الذين بدلوا نعمة الله كفرا: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار}. على أن النهاية المزرية لا تختص ولا تقتصر على الحياة الدنيا وإنما تمتد لتشمل عالم الآخرة. حيث قال الله تعالى { جهنم يصلونها وبئس القرار}”.
وقال: “الفساد في المفهوم القرآني هو الخروج عن التزام أوامر الله تعالى وتعاليم أنبيائه وأوصيائه التي يطلق عليها (أحكام الشريعة) التي تعني ما شرعه الله وسنه من أوامر ونواه تشمل نواحي الحياة كافة فكل خروج عن هذه التعاليم وهذه الأوامر ومخالفة لها واستبدالها بتعاليم وضعية بشرية هو فساد والدعوة والعمل على تطبيقها كبديل عما امر الله تعالى به هو إفساد لقصور افهام البشر عن ادراك المصالح والمفاسد الحقيقية والعميقة لقصورهم عن الاطلاع على الحقائق المستقبلية وارتباط المصالح العميقة للأحكام بمواضيعها غير المحدودة بالحاضر. ولهذا نجد في الشريعة أحكاما لا تتبدل لتبدل الزمان والمكان ويتبدى ذلك واضحا خصوصا في العبادات”.
اضاف: “وهنا، نكتشف واحدة من أهم أسباب الفساد وهو الإعتماد في التشريعات على وجهة نظر المشرعين الذين إن أحسنا بهم النوايا فلا اقل من دخول الذاتية منهم في التشريع، فالإنسان تبقى معلوماته محدودة وموقتة قاصرة عن الإحاطة بكل جوانب القضايا التي يشرع لها ثم تتدخل في وجهة النظر هذه وبلا شعور الذاتية وحساب المصالح الخاصة فهو يشرع من وجهة نظره. ووفق رأي الأكثرية التي لا تعني الصواب فقد يكون رأي الأكثرية خاطئا ورأي الأقلية هو الصحيح، وقد أشار القرآن الى هذه الحقيقة عندما دعا إلى عدم الوثوق بهذه القاعدة وأشار إلى العكس من ذلك قائلا: (وما اكثرهم ولو حرصت بمؤمنين) في إشارة الى اتخاذهم طريقا خاطئا في الاعتقاد ومجانبتهم للصواب. وفي آية أخرى نفى عنهم أن ينتهجوا طريق الصواب وهو في التطبيق والعمل حيث قال الله تعالى (أكثرهم لا يعقلون) أي أن الأكثرية تتصرف في الأمور تصرف غير العاقل. فاعتماد قاعدة الأكثرية في الاعتقاد والتشريع والسلوك من وجهة نظر القرآن والواقع اعتماد على أمر باطل، وهذا معنى آخر من معاني الفساد”.
وتابع: “وإن كانت معرفته ليست فطرية ولكن الأساس العقائدي لها هو أساس فطري، وكانت مهمة الأنبياء عليهم السلام هي تعريف الناس وارشادهم الى ما يصلح امورهم، قال تعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون)، فالمهمة التي أرسل النبي ليقوم بها هي مهمة الهداية الى دين الحق والمبادئ الحقة التي تصلح بها أمور البشرية وتمنع وقوعها في الفساد الذي يفسد وجودها وينتهي الى الخراب. فصلاح البشرية وبقاؤها مرهون لسلامة الفطرة البشرية وسلامة الفطرة البشرية مرهونة باتباع تعاليم وارشادات الأنبياء. لقد قرن الله سبحانه وتعالى سلامة الاجتماع الانساني بسلامة الفطرة البشرية وقرن بقاء المجتمع البشري بوجود الأنبياء، وهذه نقطة جديرة بالانتباه، ولان الامامة هي استمرار لوظيفة النبوة ،وهو ما تشير اليه زيارة وارث من انه وارث خط الانبياء كسائر ائمة اهل البيت عليهم السلام التي تعني وراثة دور الاصلاح ومواجهة الفساد كان قيام الامام الحسين في هذه الثورة على هذه القاعدة، حينما افسد بنو امية امر الامة واماتوا ضميرها وقتلوا صلحاءها واخيارها، واخفوا الحق واظهروا الباطل والفساد فكان لا بد للامام الحسين من القيامة والثورة كضرورة لحياة الامة ، واعادتها الى دورها الناشط في الحياة”.
وأكد ان “احياء هذه المناسبة في كل عام، انما هو احياء لامر اهل البيت بأمر منهم الذين ارادوا ان تبقى هذه الذكرى خالدة تؤدي نفس الدور من احياء الفطرة الانسانية لمواجهة الباطل والفساد بشتى اشكاله في كل زمان ومكان، ونحن اليوم نقوم بهذه المهمة ترعانا عين صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي يكمل المسيرة من دون ان تراه عيوننا وهو المعين للصالحين في القيام بهذه المهمة العظيمة، مهمة الاصلاح في الارض فالدور الناشط في الارض يحتاج الى الضمير الناشط والحي، والضمير الميت لا يمكن ان يكون ناشطا”.
وقال: ” ان بلدنا اليوم بحاجة الى هذا الضمير الناشط الذي يدفع الى تحمل المسؤوليات والمحاسبة للمرتكبين الذين أفسدوا العباد والبلاد واوصلونا الى حافة الانهيار. ان الفساد اتسعت رقعته ولم يبق الا على النذر القليل ويهدد بالمزيد من الخراب، لقد ادى الفساد الى تعطيل الادارات عن القيام بمسؤولياتها والى هذه الكارثة الفاجعة الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت والى هذا الخراب الاقتصادي حتى وجد هذا الشعب نفسه في واقع مذر لا يجد معه ما يسد به رمقه، ولا من محاسب ولا من رقيب”.
ورأى “ان البلاد على شفير الهاوية وهي بحاجة للخروج من هذا النفق المظلم بأقرب وقت ممكن والعمل على ايجاد حكومة تقوم بواجباتها تجاه الشعب اللبناني الذي يعاني من انهيار قيمة النقد اللبناني والغلاء الفاحش وجشع التجار ولا رقيب او محاسب، والمسؤولون متلهون بجنس الملائكة. ان اولى مهام هذه الحكومة الانقاذية اخراج البلاد من الفوضى والنهوض بالوضع الاقتصادي فالفرصة باتت قليلة ونحن على حد السيف والبلد على شفا حفرة من النار”.
واعتبر الخطيب “ان رفع الدعم عن المشتقات النفطية قرار ارتجالي يفاقم الازمة الاجتماعية، وهو ما نرفضه ونطالب بالتراجع عنه، فهذا القرار يعجل في الانفجار الاجتماعي ويهدد الاستقرار الداخلي، ويطال معيشة كل اللبنانيين ويدمر النظام الاجتماعي ويشل الحركة الاقتصادية ويعطل حياة اللبنانيين ويضرب كل المؤسسات الخدماتية والحيوية ويدخل لبنان في الظلام. ونحن نخشى ان يكون اتخاذ هذا القرار لعرقلة تشكيل الحكومة ووضع الالغام امام مشاورات التشكيل ، ونطالب الجميع بتذليل العقبات للخروج بحكومة انقاذية، ونأمل ان تستمر الاجواء الايجابية بين فخامة الرئيس ميشال عون ودولة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي”.
واكد “ان الوضع المأسوي الذي يعيشه المواطنون في ظل الانهيار الاجتماعي والضائقة المعيشية الخانقة يوجب الاسراع في اقرار البطاقة التمويلية ورفع الحد الادنى للاجور التي تآكلت قيمتها بشكل كبير لا يلبي الحد الادنى من مقومات العيش”.
وختم: “اسأل الله سبحانه وتعالى ان يلطف بلبنان وشعبه وان يقيض لهم ما يخرجهم من هذا الاتون ويخلصهم من انياب هذه الوحوش الكاسرة ويحقق لهم الامان والسلام. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واعظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب سيد الشهداء”.