مجلة وفاء wafaamagazine
أحيا المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، مراسم عاشوراء في مقر المجلس برعاية رئيسه الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان، وألقى نائب رئيس المجلس العلامة الشيخ علي الخطيب كلمة في الليلة الخامسة قال فيها: “ما هو الافساد وما هي المخاطر التي يؤدي اليها وكيف يمكننا تجنبها والتخلص منها؟ وهل هو القاعدة والاصل في الطبيعة البشرية والسلوك الانساني؟ أما ما هو الافساد وما هي المخاطر التي يؤدي اليها وما هي الوسائل التي تجنبنا الوقوع بها؟ فهو ممارسة فعل الفساد الذي هو الاخلال بالقوانين الطبيعية والاجتماعية واستخدامها في غير الوجهة التي خلقت لها ولأهداف غير الاهداف التي وضعت من اجلها، فإن هذه القوانين وجدت بهدف الاستفادة منها لجهة استمرار الحياة وبقاء النوع الانساني بما يكفل له الامن والسلام والعيش الكريم”.
أضاف: “التعبير بالتكذيب أحد وجوهه إخلال بقواعد الاستقرار الاجتماعي ووسيلة من وسائل الحصول على المكتسبات المادية دافعه الانانية والاستئثار والحؤول دون توزيع الثروة بطريقة عادلة، التي تعطي وتنتج الحرمان وتذهب بالبركات والنعم، والشعور بالقوة والاستعلاء التي تدفع الى التجبر والعدوان النابع من فقدان البصيرة والعمى عن الحق، فالإيمان والتقوى هما مفتاح النعم الالهية والبركات الربانية، وعدمهما مفتاح باب النقمة الإلهية والعذاب الالهي، أي لأغدقنا عليهم كل نعم الارض والسماء، أي أبوا الوصول الى هذه النعم والبركات عن هذا الطريق، طريق الايمان والتقوى فأخذناهم بما كانوا يكسبون، والاخذ هنا هو العقوبة، والعقوبة في احد وجوهها الحرمان وانقطاع النعم بسبب ابتعادهم عن الولوج من الباب الموصل الى نعم الله، وان سلوكهم اوقعهم في الخسران الذي تصوروا انه سيحقق لهم ما يطمحون اليه ويحلمون به بدافع من الجشع وحب الشهوات وجمع الاموال استعلاء واستكبارا، فكان مثلهم كالظمآن الذي ضربه الله لنا مثلا في كتابه حيثقال جل من قائل: (والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب) علنا نعتبر ونتفكر، لقد كان من نتائج هذا الانسياق خلف غرائزهم وشهواتهم أودت بهم الى الشعور الداخلي بالظمأ، وهو العطش الشديد، كناية عن الوله والتعلق الشديد بهذه الأمور، فحالهم كحال الظمآن في الصحراء الذي يتخيل السراب ماء يسير خلفه، ولا يزيده ذلك الا ظمأ، مما يشعره بالخيبة والخسران ويزيد من عذاباته ومعاناته”.
وتابع: “إن هؤلاء الذين يسعون وراء الفساد ارضاء لأنانياتهم وغرائزهم لن يحقق لهم ذلك الشعور بالرضا والكفاية، وانما حالهم كلما حصلوا على شيء من ذلك كحال النار كلما زيد في وقودها كلما ازدادت اشتعالا، هذا هو حال هؤلاء مع أنفسهم، فهم اول ضحايا الفساد. ان الفساد هو اعظم المشكلات التي عانت منها البشرية على مدى تاريخها، كما شكلت العائق الاكبر امام بلوغ مسيرة الانبياء غاياتها من نشر المفاهيم الحقة والمعارف الالهية وتحقيق العدالة الربانية التي تفتش البشرية عن السبيل الموصل الى غايتها، فيصرفها عنها الذين احاط الفساد بعقولهم وقلوبهم، لقد كانت مواجهة قوى الفساد من أخطر المهمات واصعبها التي انتدب الله لها انبياءه الذين واجهوا المفسدين في كل عصر بكل عزيمة وشجاعة ودفعوا في مواجهتهم افدح الاثمان، واستطاعوا دائما الانتصار في هذه المواجهة، وكلما زاغت امة عن طريق الحق وافسدت في الحياة واتبعت طريق الشهوات، جاءها رسول من الله ينذرها سوء العاقبة، مبينا لها وجوه الفساد في الحياة داعيا الى الصلاح ومبينا سبله وطرقه.
وبلغ الاهتمام القرآني حدا كبيرا في بيان مخاطر هذه الآفة وضرورة استئصالها، وقص علينا في كتابه من حياة الامم السالفة التي ابتليت بالمفسدين وسارت بركبهم إما طمعا او خوفا، ما افسد حياتهم وفطرتهم فسدوا آذانهم عن سماع دعوة الحق، واعطوا للأنبياء ظهورهم بل وقفوا في وجوههم متخذين منهم أعداء، اطاعة لكبرائهم او عنادا عن الاستجابة لدعوة الحق، مستضعفين الداعين اليه مستظهرين عليهم بما يرونه من قلة من استجاب لهم وآمن بأحقية رسالتهم، وقد عمت ابصارهم عن رؤية الحق وان ما يبدو لأنظارهم من معايير القوة والضعف قاصر عن معرفة الحقيقة التي لا تخضع للمعايير المادية التي تبنتها عقولهم القاصرة، وقد كانت هذه المسألة وما زالت اشكالية توقع الكثيرين في خطا التقدير وحسابات موازين القوى على اساس ذلك مما جعل مصيرها يؤول الى التهلكة والفناء”.
وقال: “إن من اهم الامور التي تعمي بصيرة الانسان عن رؤية الحق تضييع موازينه، وأن يفتش عنه وفق موازين الباطل ومعاييره، فلن يهتدي للحق سبيلا، وانما حاله حال الذين في البحر ينتابهم الموج من كل مكان وقد احاطت بهم الظلمات، وحيث أن الإنسان قاصر بنفسه عن تبين هذه الموازين ولا يستطيع الاهتداء اليها، احتاج الى من يدله عليها ويبينها له، إرشادا منه الى هذه العلامات والموازين، فكان الأنبياء والائمة عليهم السلام هم الأدلاء على الحق والرشاد، وما وضعه الله من موازين عدل في كتابه يهدون إليه وبه يرشدون”.
وأردف: “وقد جعل الله بعد رسول الله آية بينة تهدي الى الحق وعلامة عليه هي علي بن أبي طالب وأبنائه البررة، وأن حب علي علامة الايمان وبغضه نفاق وكفر، والحسين من هذه الشجرة المباركة التي واجهت فساد بني أمية وطغيانهم. لقد كان وجود أهل البيت بحد ذاته تحد للفساد وكان الصدام مع الباطل وأهله أمرا لا بد منه بعد أن استفحل وكاد أمر الدين أن ينتهي، ومن غير الحسين أن يقيم الاعوجاج ويقف في وجه الباطل وأهله، وهو من هو في مقامه وليس مثله أحد، لتكون شهادته صرخة الحق المدوية في وجه الباطل على مر الزمان، وها هي مجالس عاشوراء تعم الكون تعلي قيم الحق للسالكين وتفضح قيم الباطل وأعوانه.
من قيم هذه الشهادة ومعانيها نستوحي الموقف اليوم في مواجهة الفساد الذي لم يستثني شيئا في بلادنا المنكوبة بهذه الطغمة الفاسدة التي أهلكت الحرث والنسل سواء بنهب المال العام او في ادارة الدولة السائبة او في تجويع الشعب اللبناني، وتحريض بعضه على بعض، تضييعا للحقيقة، او في بعض الاعلام السائب والمأجور الذي يرتضع من الحرام ويمارس التضليل والتهويل وقلب الحقائق وتصوير الوطنية خيانة، والعمالة وطنية، او في الدفع نحو ضرب المقاومة واتهام سلاحها الذي يدافع عن الوطن بأنه خطر على اللبنانيين، ولا ينبسون ببنت شفة حينما يعتدي العدو على ارضنا وينتهك سيادتنا، ويقتل ابناءنا ويستبيح سماءنا في كل يوم، أفهم عمي لا يبصرون ام صم لا يسمعون؟، فلهم الويل مما اقترفت ايديهم ولهم الويل مما يصنعون، وليخافوا الله في انفسهم وفيمن ولوا عليهم وليتقوه في مواقفهم، فإلى اين يدفعون البلاد بهذا الاصرار على هذه الدعوات غير البريئة التي لن تكون نتيجة الاستجابة لها الا الخراب والدمار. إن الاولى بهم القيام بالإصلاحات المطلوبة في النظام وإنتاج قانون انتخابي على قاعدة مصلحة الوطن لا على اساس تغليب المصالح الشخصية والفئوية، خلفيته الاستئثار والتسلط، وأن يتم ذلك مباشرة بعد تأليف الحكومة العتيدة على اساس قانون انتخابي وفق اتفاق الطائف. نسأل الله أن يلهم القوى المتحكمة بالتأليف بالإفراج عنها في أقرب وقت”.
وختم: “إننا ومن رحاب عاشوراء، من منطلق المحبة الخالصة والتضحية الخالصة والمسؤولية امام الله وأمام الوطن وامام الشعب والتاريخ وبنية صادقة وبعقل منفتح، ندعو الى التبصر في مواقفنا وأن ننطلق فيها من موقع الحرص على الوطن وعلى الشعب اللبناني الطيب وبناء وطن يستحقه هذا الشعب العزيز. أسأل الله أن يوفقنا جميعا لخدمة هذا البلد وشعبه، وأن نخرج من هذه المشكلات ونحن أكثر مسؤولية وأكثر محبة للبنان وشعبه”.
هذا، وتم احياء الليلة الخامسة بتلاوة آيات من الذكر الحكيم للقارئ الدولي أنور مهدي، وتلا الشيح حسين نجدي مجلس عزاء حسيني، وموسى الغول زيارة الحسين، وقدم للحفل الشيخ علي الغول.