السبت 02 تشرين الأول 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
تؤشّر حركة المشاورات الجارية على كل الخطوط السياسية الى أنّ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة هو الأكثر ترجيحاً، خصوصاً أنّ أياً من القوى السياسية لم يقدّم خياراً بديلاً للحريري، كما لم تقدّم أي شخصية سنية نفسها علناً كبديل لرئيس الحكومة المستقيل.
هذا في وقت ينصَبّ الجهد الرئاسي على التحضير للاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية، مع ترجيحات أولية على أنّ موعدها لن يكون أبعد من الثلاثاء المقبل.
وفيما أعلنت المتحدثة باسم البنتاغون (سكاي نيوز عربية) انّ «دعم وزارة الدفاع الأميركية للجيش اللبناني لن يتأثر بحجب مساعدات عسكرية عن لبنان»، أوضحت مصادر المؤسسة العسكرية لـ»الجمهورية» أنها «لم تتبلّغ من جانب الإدارة الأميركية حتى الساعة أيّ قرار رسمي بالنسبة إلى إيقاف الهبة الممنوحة للجيش».
فيما لفتت أوساط عسكرية مطّلعة الى أنّ الإدارة الأميركية لا تمنح عادة المساعدات في ظل غياب حكومة فاعلة، فكيف إذا كانت مستقيلة؟ وتوقعت تلك الأوساط أن تعاود الإدارة الأميركية تسيير مساعداتها المقدّمة للمؤسسة العسكرية بعد تشكيل الحكومة الجديدة، موضحة لـ»الجمهورية» أنّ موضوع المساعدات «مُعلّق» وليس «ملغياً».
الجوهر الأساس في المشاورات السياسية، هو تشكيل حكومة في أقرب وقت ممكن. والمنحى الاستعجالي هذا، يعكس تهيّب القوى السياسية مما آل إليه حال البلد في ظل أزمة اقتصادية ومالية متفاقمة، وأزمة سياسية معقدة، توجِب بلورة حلول ومخارج سريعة. وهذا معناه، بحسب مصادر وزارية عاملة على خط المشاورات، «إسقاط مُسبق لأيّ طرح يرمي الى تشكيل حكومة من لون واحد، إذ انه مع هذا الطرح قد يدخل البلد في واقع مأزوم مفتوح على كل الاحتمالات السلبية في كل مفاصله السياسية والاقتصادية والمالية، وحتى الأمنية».
وعلى ما تقول هذه المصادر، فإنّ «المشاورات تجري بشكل مكثف، والساعات المقبلة ستحمل معها حسماً واضحاً وعلنياً للمواقف، أقله من مسألة التكليف، علماً أنّ مواقف بعض الاطراف باتت معروفة، ولاسيما النائب السابق وليد جنبلاط، وكذلك الأمر بالنسبة الى «القوات اللبنانية».
أمّا «الثنائي الشيعي»، وإن كانت أجواؤهما لا تُقلّل من حجم الازمة التي تسبّبت بها استقالة الحريري، الّا أنها في الوقت نفسه لا تعكس أيّ تحفظ أو «فيتو» على إعادة تكليف الحريري، وهو ما يقرأ في الزيارة الأخيرة التي قام بها الوزير علي حسن خليل الى «بيت الوسط» موفداً من رئيس مجلس النواب نبيه بري، وكذلك من الموقف الذي أعلنه أمس الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، ودعا فيه اللبنانيين الى ان لا يدفعوا باتجاه الفراغ في السلطة، مُشدداً على «تشكيل حكومة جديدة في أقرب وقت ممكن، تسمع لمطالب الناس الذين نزلوا إلى الشارع. وأن يكون عنوانها استعادة الثقة».
وبحسب المصادر، فإنّ الكرة في مجال التكليف موجودة الآن في ملعب فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و«التيار الوطني الحر»، ويُفترض ان يُحسَم الخيار من إعادة تكليف الحريري تشكيل الحكومة في الساعات المقبلة.
ولا تقلّل المصادر من حَراجة موقف هذا الفريق، إلّا أنها لا تتوقع منه الذهاب الى موقف صدامي مع الحريري، على الرغم من التطور السلبي في موقف الحريري حيال رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ومسألة إشراكه في حكومة جديدة يترأسها، حيث كشفت هذه المصادر أنّ نقاشاً نيابياً – سياسياً داخلياً جرى في أوساط «تكتل لبنان القوي» حول كل ظروف استقالة الحريري واستتباعاتها، وخلاصة هذا النقاش انّ خيار إعادة تكليف الحريري هو الأكثر ترجيحاً، ولا شيء يمنع ذلك، إنما بالنسبة الى موقف التكتل، فيمكن القول انه حتى الآن لا حسم نهائياً لتسمية الحريري في الاستشارات الملزمة أو عدمها، في انتظار ما قد يعلن خلال تظاهرة التأييد التي تَقرّر القيام بها غداً في اتجاه القصر الجمهوري.
واستغربت مصادر نيابية في تكتل «لبنان القوي» رَمي الكرة في اتجاه فريق رئيس الجمهورية، وقالت لـ«الجمهورية»: «لا ننفي أنّ الرئيس الحريري مرشّح قوي لرئاسة الحكومة الجديدة، لكنّ موقفنا من التكليف خاضع للنقاش، وسيُتّخَذ حتماً خلال اجتماع يعقده التكتل، شأنه في ذلك شأن أي من الأطراف الأخرى. وبالتالي، من الطبيعي الّا يعلن التكتل اسم من سيُسمّيه في الاستشارات الملزمة قبل هذه الاستشارات، بل سيحتفظ به الى يوم الاستشارات ويودِعه رئيس الجمهورية، أيّاً كان هذا الاسم. لذلك، فإنّ الكرة ليست في ملعب «التيار الوطني الحر» او تكتل «لبنان القوي»، بل هي في ملعب آخر».
عون
وقال النائب الان عون لـ«الجمهورية»: التكليف يجب أن يسبقه حدّ أدنى من التشاور حول المرحلة المقبلة وطبيعة الحكومة، خصوصاً أنه يأتي تحت ضغط أزمة وشارع، وليس في حال تداول طبيعي للسلطة. لذلك، هناك حد أدنى من الكلام يجب أن يحصل، والتفاهم مطلوب قبل حصول التكليف كي لا نقع في التأخير ومرحلة تصريف أعمال طويلة بحُكم عدم الاتفاق على شيء.
تلازم
وبحسب المعلومات، فإنّ الأمر الجوهري الذي تقاربه المشاورات الجارية على الخطوط السياسية، هو ما تسمّيه مصادر مُشارِكة في هذه المشاورات: التلازم بين التكليف والتأليف، وذلك كسباً للوقت الذي لا يحتمل وضع البلد تضييعه، وتجنّباً للسقوط ما بعد التكليف في مرحلة طويلة من «العَلك السياسي» والمناكفات والاشتراطات والطروحات المتصادمة والمحاصصات قبل تأليف الحكومة الجديدة. على نحو ما حصل في مرحلة تشكيل الحكومة المستقيلة، وأبقى التأليف معلقاً أشهراً عدة.
وفي هذا السياق، تلخّص المصادر أجواء المشاورات بالقول إنها شاقة، وخصوصاً انها تُقارِب منطقين: الأول يعبّر عن الرئيس الحريري ويقول: «أعطني التكليف ومن ثم نتكلم بالتأليف». والثاني يقول: «كيف نعطي التكليف من دون أن نتفاهم على ما بعده، فإعطاء التكليف وحده معناه أنك تمنح الحريري سلاحاً إضافياً يستخدمه في مرحلة التأليف ووفق شروطه».
وتبعاً لذلك، تتحدث المصادر نفسها عن صعوبة جدية تعترض مسار المشاورات، لاسيما حول شكل الحكومة الجديدة، ليس من ناحية حجمها سواء أكانت مصغّرة من 14 أو 16 أو 18 وزيراً، أو موسّعة من 24 أو 30 وزيراً، بل من ناحية نوعيتها. فحتى الآن يبدو خيار حكومة تكنوقراط مستبعداً، والأقرب الى القبول حكومة سياسية مطعّمة باختصاصيّين. ولكن حتى خيار هذه الحكومة ما زالت تعترضه صعوبات جدية، تتمثّل باستمرار الحريري على موقفه من عدم إشراك الوزير باسيل فيها.
السنيورة
إزاء كل ذلك، قال الرئيس فؤاد السنيورة لـ«الجمهورية»: المخرج الاساس للأزمة الحالية هو العودة الى الدستور والى آليّات النظام الديموقراطي، بَدل ما كان مُتّبعاً من خلال تشكيل الحكومات المُسمّاة وفاقية، والذي أدى الى اختلاط دور السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، والى تداخل ما بينهما، بحيث بَدل أن تكون إحداهما رقيبة على الثانية ومتعاونة معها، أصبحت السلطتان تتواطآن معاً على مصلحة الوطن، ولا تشتغل آليّات المساءلة والمحاسبة. وإذ أكد السنيورة انّ الفساد سياسي، قال انّ المخرج هو بتشكيل حكومة مستقلة بعيدة عن الاحزاب، وليست إعادة ترميم الحكومة ببعض «الحمرة والبودرة. هذا غير مقبول من قبل الشباب الذين نزلوا الى الشارع».
وعمّا اذا كان طَرحه حكومة مستقلة يعني انّ الرئيس الحريري خارجها، قال: «معادلة جبران مقابل الحريري معادلة ما بتِركَب، فرئيس الحكومة هو قائد الطائرة، لا تستطيع ان تأتي بأحد الى العمل الحكومي هكذا، بل يجب أن يأتي من لديه خبرة في هذا العمل، وله مَقبولية في الشارع».
وأضاف: «لبنان يصبح أفقر مما كان عليه، وفرَص العمل أقل، وهناك 8 أو 9 سنوات متتالية من انخفاض النمو. نحن الآن أمام تحد غير مسبوق، والمشكلة انّ غالبية السياسيين لا تدرك هَول هذا التحدي، وأنا أقول إنه رغم ذلك، ما تزال لدينا فرصة للخروج شرط أن يرانا الناس أننا وضعنا بوصلتنا الصحيحة. وبالتالي، ما حصل في الايام الاخيرة لم يسبق له أن حصل في تاريخ لبنان، والشباب الذي نَزل في كل المناطق صار يرفض كل الخزعبلات السياسية».
المصارف
وخلافاً للتوقعات، يمكن القول انّ المصارف تجاوزت قطوع التهويلات التي سبقت إعادة فتحها لأبوابها بعد إقفال الاسبوعين الاخيرين، فمرّ اليوم الاول فيها بهدوء نسبي، ولم يكن مشهد الازدحام الصباحي أمام أبوابها مُستغرباً، خصوصاً أنها تشهد ازدحاماً في مطلع كل شهر، وبعد أيّ إقفال في الاعياد يمتد لأكثر من يومين. وبالتالي، تبيّن أمس أن لا هلع لدى الناس، ولا هرولة لسحب المال والتحويل من الليرة الى الدولار.
وكانت إدارات المصارف قد تحسّبت لهذا اليوم بكثير من الحيطة والحذر، وقد ملأت صناديقها بالسيولة لتلبية ارتفاع الطلب، واتخذت سلسلة إجراءات تهدف الى الحَد من كميات المال التي يستطيع سحبها كل مودِع، كما حاولت أن تُثني المودعين عن التحويل من الليرة الى الدولار.
وعمدت معظم المصارف الى إصدار قرارات أعلنت بموجبها تعليق كافة التسهيلات المصرفية الممنوحة الى زبائنها حتى إشعار آخر. وقالت: «إنّ هذا التدبير موقت، ويبقى ساري المفعول الى حين تحسّن الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد».
وفي إطار الحدّ من نزوح الاموال الى الخارج، شدّدت المصارف على سياسة التقنين في التحويلات الخارجية، عبر إلغاء بعضها التسهيلات المصرفية المَمنوحة الى زبائنها بالكامل، في حين عمد البعض الآخر الى تقليص تلك التسهيلات بشكل كبير، مع الاشارة الى انّها تُخَوّل الشركات والمؤسسات فتح الاعتمادات من أجل الاستيراد. وعملت المصارف على حصر التحويلات إلى الخارج بأمور بسيطة، كتسديد القروض والمصاريف الطبية ودعم الأُسَر، علماً أنها تتشدّد أيضاً في هذا الاطار، عبر طلبها مستندات تؤكّد الهدف من التحويل الى الخارج.
وأكّدت مصادر مصرفية لـ«الجمهورية» انّ التدابير الاخرى التي اتخذتها المصارف، بالاضافة الى إلغاء كافة التسهيلات الممنوحة للزبائن، هي: وَقف التسهيلات القديمة Overdraft حتى لو لم يتمّ استخدام كامل المبلغ، رفض التحويل الى الخارج، وتحرير شيكات مصرفية مسحوبة من مصرف لبنان للمودعين الذين طلبوا تحويل أموالهم الى الخارج.
تحرير سعر الليرة؟!
الى ذلك، قال مدير الفريق السيادي في وكالة «فيتش» للتصنيفات الائتمانية توبي ايلز: «إنّ فك ربط العملة اللبنانية بالدولار سيكون خطوة مؤلمة، وسينجم عنه ضعف حاد لليرة، لكنه قد يدرّ أيضاً فوائد على المدى الطويل.
وقال ايلز لـ«رويترز» انّ «فك الربط بين الليرة والدولار يرقى لأن يكون إعادة تسعير للاقتصاد اللبناني». وأضاف: «مع واقع أنّ 75 بالمئة من الودائع مقوّمة بالدولار، فإنّ عمليات سحب كبيرة مُحتملة قد تضرّ باحتياطات النقد الأجنبي، إذ تواجه البنوك عجزاً كبيراً في الأرصدة مقابل الالتزامات بالنقد الأجنبي أو الودائع القصيرة الأجل وأصول النقد الأجنبي أو الدولارات المُحتفظ بها في البنك المركزي، بعيداً من متطلبات الاحتياطي.
الجمهورية