الرئيسية / آخر الأخبار / الخطيب: المقاومة تنتصر لأمتها وشعبها ونتطلع الى إخراج لبنان من الهوة

الخطيب: المقاومة تنتصر لأمتها وشعبها ونتطلع الى إخراج لبنان من الهوة

مجلة وفاء wafaamagazine

 

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة التي قال فيها:
“بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين ،قال تعالى اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وما خلقت الانس والجن الا ليعبدون ) صدق الله العلي العظيم، تتضمن هذه الاية المباركة جوابا عن سؤال مضمر حول فلسفة الخلق وما هي الغاية منه ولاي الاهداف وجد، ولأن الله سبحانه وتعالى هو الموجد وهو الخالق ولا يمكن إلا ان يكون هادفا ولا يمكن ان يكون عابثا ولاعبا، ولذلك فمن الطبيعي أن يوضح الغاية من هذا الخلق خصوصا ان لهذا المخلوق دورا عليه القيام به ولا يمكنه ان يلعبه من دون اظهار هذا الهدف وبيانه ، وهو ما اوضحه في هذه الآية المباركة من ان الغاية من هذا الخلق هي القيام بمراسيم العبادة لله سبحانه وهي أعظم وظيفة يؤديها هذا المخلوق لما تبتني عليه من حرية اخذ القرار والحرية في اداء الوظيفة طوعا ومن دون اكراه، ومن قيمة العمل الذي يؤديه هذا المخلوق شكرا لله واستجابة لأمره الذي يشكل رأس الهرم في سلَّم القيم الاخلاقية وهو الاعتراف لله تعالى بأنه المنعم وباستحقاقه الشكر عليها وتاليا الطاعة له فيما يأمره به وينهاه عنه.

وهذا هو الاساس في الهداية والاستقامة ان يعرف المنعم عليه وأن يؤمن باستحقاقه بذلك للشكر والطاعة في تأدية ما يأمره به وحرمة مخالفته في ما نهاه عنه، فتكون الآية الشريفة آية ارشادية لحكم عقلي فطري اولا، وثانيا الى أن الله تعالى اراد بذلك اختبار هذين المخلوقين الإنسان والجان، العاقلين الذين اعطاهما قدرة الاختيار واختصهما بذلك دون سائر المخلوقات وما هما فاعلانه وكيفية استخدامهما لهذه النعم وتصرفهما بها، لا عن جهل بذلك وانما من باب القاء الحجة عليهم، فقد صرح تعالى في اكثر من مورد عن الموقف وعدم استجابة اكثرهم لدعوة الحق وكفرانهم واتباعهم للشهوات وعدم العمل بما تمليه عليهم عقولهم والحكم عليهم بأنهم تصرفوا كالبهائم بل هم اسوأ منها، لانها خلقت مسيرة بالغرائز وحرمت مما انعمه الله عليهم من نعمة العقل والقدرة على التمييز بين الحق والباطل، فهي ان حرمت من نعمة التمييز فهي معذورة بينما من اعطيها واختار ان تقوده غرائزه فقد اختار ذلك معطلا القدرة على اتباع العقل بسوء اختياره، فكان كما قال تعالى بحقهم ( إن هم الا كالانعام بل هم أضل سبيلا )، فالعبادة تشكل كل هذه القيم قيمة الادراك والمعرفة وقيمة الاستجابة للوازمها العقلية والاخلاقية.

ان اهم التفسيرات التي اعطيت كرواية متكاملة لعملية الخلق واهدافه هي الرواية القرآنية، وبغض النظر عن كونها وحيا الهيا فإنها الاكثر تطابقا مع المنطق والعقل وما عداها لا يعدو كونه اما رواية ناقصة كما ورد في بعض الروايات الدينية غير الاسلامية او غير منطقية ولا تعدو ان تكون تخيلات ونظريات سميت علمية وهي لا صلة لها بالعلم .
هذه الرواية القرآنية ابتداء من اخبار الله تعالى للملائكة بأنه جاعل في الارض خليفة وظيفته القيام بخلافة الله في اعمار الارض واقامة موازين العدل وانتهاء بان الحياة لا تنتهي بالموت، بل هو بداية للانتقال الى الحياة الحقيقية الابدية التي يصنعها الانسان بنفسه في ما قدمه في الحياة الدنيا إن خيرا فخير وإن شرا فشر، لتتجلى العدالة الالهية بافضل صورها ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرا يره)، فإذا أضفنا الى ذلك ان هذه الرواية القرآنية هي وحي الهي كانت الرواية تمثل الحقيقة التي لا تحتمل الشك ، فأين منها بقية التفسيرات والنظريات التي لا يمكن معها المقارنة ، فهو من مقارنة الحقيقة بالاوهام.

أضاف الشيخ الخطيب:”ان هذا الايمان الذي تفرضه هذه الحقيقة القرآنية يجعل للحياة معنى ويطبعها بطابع الصلاح لان المؤمن الحقيقي لن يكون همه في هذه الحياة سوى القيام بما يرضي الله سبحانه ويجعله في مأمن من الخسران عند مواجهة الحقيقة والانتقال الى العالم الآخر الذي سيقف معه في مواجهة ما صنعته يداه في الحياة الدنيا الذي يتمثل بجنته او جهنمه في الآخره، ما يدفعه الى السعي بجد ليستغل ما امكنه في هذه الحياة ويعطي افضل ما لديه ليحقق لنفسه الفوز بما وعده الله سبحانه ما لا يمكن ان يوازيه مما يمكن ان يحلم بالحصول عليه في هذه الحياة، فهو يجهد هنا لا ليجمع لنفسه وانما ليعطي، فالزهد لنفسه يرضى لها بالقليل، وللعطاء عنده قيمة معنوية كبرى يشعر معها بالسعادة التي لا توازيها سعادة ولانه يخاف من ان يقع اسير ما يملكه يحب ان يبقى حر الارادة ومتحررا منها، فيقدمها تقربا لله تعالى، ولأنه حر فإيمانه يدفعه الى عدم الخوف من الفقر عند العطاء فينفق بلا خوف ولا وجل، ولان ايمانه بالله لا حدود له فهو لا يعيش بلا طموح، فطموحه لاحدود له يعمل من أجل بلوغ اعلى المراتب لا ليكون جبارا في الارض بل لان ذلك يحقق له ان يكون اكثر قدرة على الخدمة والعطاء، كما هي سيرة الانبياء والائمة والصالحين الذين نذروا انفسهم في خدمة قيم الخير والصلاح وليرشدوا الناس ويعلموهم بسيرتهم ويأخذوا بايديهم الى ما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة.

وان يكون سعيهم ليس الى جمع الاموال وتحقيق ما تشتهيه انفسهم في هذه الحياة وانه بمقدار ما يتخلى الانسان عن الذات بمقدار ما يعلو شأنه عند الله والعكس صحيح ، وكلما كانت الاهداف دنيوية صغيرة يستعجل الحصول عليها كلما كانت خسارته اكبر واعظم ( قُلِ الله أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِى * فاعبدوا مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَ?لِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) سورة الزمر
فالخسران في المفهوم القرآني ليس هو خسران ما يملكه الانسان من الامور المادية او عدم الحصول عليها مما يسعى الناس للحصول عليها عادة، وانما خسارة النفس والاهل يوم القيامة، وهو الضلال والاعتقاد الباطل والتمسك بالمفاهيم الخاطئة وجعلها المنطلق للسلوك الخاطئ في الحياة ( قل هل ادلكم على الاخسرين اعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا)، وهؤلاء انما كانوا الاخسرين اعمالاً لان تمسكهم بالباطل اشد ودفاعهم عنه افتك واكثر اشاعةً للفساد حينما ينكشف لهم ان كل الجهد الذي بذلوه ذهب هباء وان ما حسبوه نجاحاً يستحق هذا الجهد كان اعتقاداً خاطئاً ولذلك كانت خيبتهم اكبر واعظم ( مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى? شَيْءٍ ذَ?لِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ )

وتابع : ان الرواية القرآنية لقصة الحياة تستند الى المبدأ الاخلاقي والقيم الاخلاقية التي لها واقعية حقيقية بخلاف التفسيرات والقراءات الاخرى فهي مادية خالصة لا تستند الى اي مبدأ اخلاقي، ولذلك فهي تفسيرات خاطئة ذات نتائج خاطئة تعتبر مبدأ اساسيا للفساد الذي نشاهد آثاره الخطيرة والمدمرة على السلوك البشري والمصير الاجتماعي في كل المراحل التاريخية للمجتمعات البشرية تحتاج البشرية معها الى العودة الى الحكاية القرآنية لحماية مسيرتها من الانحراف تجنبا لتكرار التجارب الخاطئة والمدمرة مرة جديدة.

ان هذه القراءة هي ما تستند اليها مسيرة النهضة الايمانية اليوم وتفرض وقائعها بخطىً ثابته في مواجهة الحضارة الغربية التي كانت تعبيرا فظا عن التفسيرات الضالة والخاطئة التي كادت ان تودي بالبشرية عبر الحروب التي تدفع بها الاطماع بهدف السيطرة على منابع الثروات وفرض ارادتها على شعوب العالم وتطويعها وشل القدرة على المقاومة عن طريق تعميم ثقافتها وجعل هذه الشعوب اسيرة لها، وهو ما عانته بلادنا وشعوبنا وبلغت الذروة في مقاومتها في كل الاحداث التي جرت مؤخرا في منطقتنا من الصراع الذي اتخذ اوجها متعددة مع المشاريع الغربية التي استخدمت اقذر الوسائل في هذا الصراع، سجلت فيه المقاومة انتصارات مهمة مثلت الساحة اللبنانية احدى اهم ساحات المواجهة، وسجلت فيها المقاومة لاول مرة منذ قرون انتصارات مهمة كانت اهم الاسلحة التي استخدمتها وادت الى تسجيل هذه الانتصارات هي الاساس العقائدي والثقافي الذي يشكل اهم مصدر من مصادر اعادة تشكيل القوة للامة لتتمكن من اثبات وجودها واسترجاع دورها العالمي كصانع للحياة على اساس الايمان ومنطلقه الاسلام”.

أضاف الخطيب :”ولقد رأينا اليوم احدى وجوه تباشير هذه العودة في الانتصار الجديد الذي سجلته المقاومة ومحورها في كسر الحصار الذي فرضته قوى الغرب على لبنان بهدف وقف هذه العودة وضرب أهم وسائلها وهي المقاومة.

فلا زالت اياديك يا طهران بيضاء، ولا زالت المقاومة تنتصر لامتها وشعبها، ولا زالت سوريا شعبا وقيادة وجيشا واسطة العقد تمدنا ونمدها بالحياة وتتألق ونتألق معها بالمزيد من الانتصارات ، والتحية لفلسطين وشعبها واسراها الابطال الذين قهروا ارادة العدو في احدى المخاضات على طريق التحرير والتحرر النهائي.

وختم اخطيب :”أخيرا، وبعد انجاز تأليف الحكومة بعد مخاض طويل وبعد توجيه الشكر لدولة الرئيس بري لمساهمته المهمة في تسريع تشكيلها، فإن الشعب اللبناني يتطلع بأمل كبير الى قيامها بعد اخذ الثقة من المجلس النيابي بخطوات سريعة لوقف التدهور والتخفيف من معاناة المواطنين والحد من الغلاء وارتفاع الاسعار بما يثقل كاهلهم ويجعلهم عاجزين عن تأمين لقمة عيشهم وايجاد الحلول الممكنة لطوابير الذل ووضع خارطة طريق لاخراج لبنان من الهوة التي اوقعته االطبقة السياسية فيها.