الرئيسية / سياسة / الحريري – باسيل: دوران حول العقد … ورزمة “إرتكابات” أمام القضاء

الحريري – باسيل: دوران حول العقد … ورزمة “إرتكابات” أمام القضاء

الخميس 07 تشرين الثاني 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

مع بروز التغيير في تكتيك الحراك الشعبي وانتقاله من الساحات والطرقات العامة الى المواجهة المباشرة لبعض مؤسسات الدولة ومرافقها التي تشكّل في نظرهم مكامن الهدر والفساد، يدخل هذا الحراك مساراً طويلاً من الضغط على السلطة الحاكمة التي لم تُقدِم بعد على أي خطوة ملموسة تؤشّر الى استجابتها الفعلية للمطالب المتصاعدة منذ 17 تشرين الأول الماضي.

المحسوم حتى الآن أنّ هوّة عميقة تفصل ما بين السلطة والحراك، وزاد من توسيعها انعدام المبادرات الجدية والايجابية منها نحو الحراك ومطالبه، وفي موازاتها مفاوضات استكملت في الساعات الاخيرة بين رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، الّا أنها لم تُفض الى مساحة توافق مشتركة حول الحكومة رئيساً وأعضاء.

إيجابية شكلية

وفيما نقلت وكالة «رويترز» عمّا وصفتها مصادر مقرّبة من الحريري انّ لقاءه مع باسيل كان ايجابياً، حيث تمّ خلاله مناقشة كل الافكار التي من شأنها إخراج البلد من الأزمة الاقتصادية الصعبة، وأنّ «الاتصالات ستبقى مفتوحة مع باسيل وباقي الفرقاء في الساعات المقبلة من أجل إيجاد أفضل الحلول المُمكنة للمصاعب الاقتصادية والمالية والاستجابة لمطالب المتظاهرين».

قالت مصادر موثوقة على اطّلاع مباشر على أجواء اللقاء لـ«الجمهورية» انّ الايجابية موجودة إنْ من ناحية عقد اللقاء وبدء الكلام بين الطرفين، وإنْ من ناحية البحث في مخارج للوضع المتأزم اقتصادياً ومالياً، وكذلك على مستوى الحراك الشعبي الذي فرض نفسه ولم يعد في إمكان أحد تجاهله.

أضافت المصادر: هنا يكمن سقف الايجابية، إنما في الشق الحكومي وما يتعلق بالتكليف والحكومة الجديدة، لم يتم التوصّل في البحث حول هذه الأمور الى توافق حتى الآن، أو بالأحرى الى نهايات تترجم هذا التوافق. ولو أمكَن ذلك، لتحدد فوراً موعد الاستشارات النيابية الملزمة التي يفترض أن يدعو اليها رئيس الجمهورية، خصوصاً انّ باسيل في لقاءاته مع الرئيس الحريري لا يتحدث فقط باسمه الشخصي كرئيس لـ»التيار الوطني الحر»، بل يتحدث ايضاً باسم رئيس الجمهورية.

وأشارت المصادر الى انّ الاتصالات ستُستكمل، ويجب ان ننتظر الايام المقبلة من الآن وحتى نهاية الاسبوع، وما اذا كانت هذه الفترة ستحمل معها توافقات حول مجموعة العناوين التي توصِل في النهاية الى استشارات التكليف، ومن ثم التأليف.

ورداً على سؤال عن تلويح الرئيس الحريري بإمكان عزوفه عن الترشّح لرئاسة الحكومة المقبلة، قالت المصادر انّ الحريري لا يلوّح ولا يهدّد، بل هو يرى أنّه اذا كان الوضع يتطلّب شخصية لتشكيل الحكومة تتوافَر فيها شروط إدارة المرحلة مع فريق عمل متكامل، فهو على استعداد لأن يعطيها هذه الفرصة.

لا تقدّم

وقالت مصادر مواكبة لهذه المفاوضات لـ«الجمهورية»: المفاوضات بين الحريري وباسيل لم تتقدم بعد قيد أنملة، فثمة غرق في العموميات ولا حسم للأساسيات المتباعدة أصلاً بين الطرفين. وأمّا خلاصة هذه المفاوضات حتى الآن فهي انّ ثمّة صعوبة شديدة امام إمكانية إيجاد مخرج وسط بين منطقين متناقضين تماماً، ولاسيما حول جوهر الحكومة الجديدة. ما يعني انّ الأزمة مصطدمة بخيارين متصادمين: «حكومة ترضي السياسيين» على شاكلة الحكومات السابقة، و«حكومة ترضي الناس». أمّا الوصول الى أيّ منهما فدونه صعوبات جمّة.

باسيل

وعلمت «الجمهورية» أنّ الطرح الذي تقدّم به الوزير باسيل هو طرح جدي ولا يزال ينتظر جواباً عليه، وهو يقوم على خروجه وخروج غيره من الحكومة كأسماء سياسية بارزة، على أن يتم تسمية وزراء اختصاصيين وأهل ثقة، ولكن ليسوا سياسيين.

وبحسب المعلومات فإنّ القسم الثاني من المبادرة يقوم على تواصل مع الحراك في الشارع ليسمّي من يريد او من يعتبره أهلاً، شرط أن يقبل رئيس الحكومة بتسمية غيره لرئاسة الحكومة، وعلى أن يحظى هذا الشخص الذي سيسمّيه الحريري لرئاسة الحكومة بموافقة الكتل النيابية و«ثورة الشارع»، لأنه في النهاية ستُؤخذ تلك الاسماء الى المجلس النيابي للحصول على الثقة. أمّا لماذا موافقة الشارع؟ فلأنّ رئيس الحكومة، مثل الوزراء الذين ستتم تسميتهم، يجب ان يكون هناك قبول له في الشارع، وذلك لتهدئة حركة الشارع، وليتمكن من التعاون مع ممثليه ومع ممثلي الكتل النيابية على حد سواء.

وفي السياق استغربت مصادر قريبة من باسيل ما يمكن تسميته بالمبالغة، او مزايدة جعجع بقوله انّ الحكومة لا يجب ان تكون فقط حكومة أخصائيين إنما يجب أن تكون حكومة مستقلّين وحياديين. وهذا يعني كأنه يقول لكافة الكتل النيابية: كونوا خارج دائرة القرار. وبهذا يتغلّب على نتائج الانتخابات ويضع الشارع بوجه الكتل النيابية، ويعرقل بشكل أو بآخر قيام الحكومة، لأنه عندما يعقّدها، فهذا يعني أنه لا تريد للحكومة بأن تشكّل. ونحن طَرحنا واضح.

جعجع

وكان جعجع قد واكب اللقاء بين الحريري وباسيل، بالتشديد على ضرورة تشكيل حكومة من أخصائيين مستقلين لا علاقة لهم بالأكثرية السياسية، مؤكداً «أنّ أيّ محاولة لتشكيل حكومة أخصائيين تسمّيهم هذه الأكثرية هو أمر مرفوض، فهذا فخ. لأنّ الكلمة المفتاح في كل المسألة هي مستقلون، و«القوات اللبنانية» ليست مع أي حكومة لها أي علاقة بالسياسيين وبالأكثرية النيابية والوزارية».

تحذيرات

وعلمت «الجمهورية» انّ جلسة تقييمية للحراك وأداء السلطة في مواجهته، عقدت في الايام الاخيرة في حضور أحد كبار المسؤولين، عرضت فيها بعض المواقف المحلية والخارجية المرتبطة بالمستجدات التي شهدها لبنان منذ 17 تشرين الاول وحتى الآن، كما انتهت الى مجموعة خلاصات نقدية:
اولاً، انّ الاتصالات الجارية على الخط الحكومي عقيمة، ومستعصية.

ثانياً، بالتوازي مع اتصالات الحريري وباسيل، تتواصل الاتصالات بشكل يومي ومتواصل بين الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري إمّا هاتفياً او عبر الوزير علي حسن خليل. كما انّ التواصل بقي مستمراً بين الحريري و«حزب الله».

في هذا السياق، إستفسَرت «الجمهورية» مصادر في «حزب الله» حول ما تَردّد بالأمس عن انّ الاتصالات استؤنِفت بين الحريري و«حزب الله»، بما يوحي أنها كانت مقطوعة، فاكتفت بالقول: ما يجري ترويجه ليس صحيحاً على الاطلاق، فهذه الاتصالات لم تكن مقطوعة أو مقفلة أصلاً لتعود وتفتح.

ثالثاً، ان ّتحذيرات متتالية ينقلها بعض السفراء الغربيين الى المراجع المسؤولة في الدولة تفيد بأنّ الانهيار في لبنان حَتمي، ما لم يتم الاسراع في تشكيل حكومة.

تتقاطع هذه التحذيرات مع التحذير الشديد اللهجة الصادر عن البنك الدولي في الساعات الماضية، وكذلك موقف الخارجية الاميركية حول الموضوع نفسه، والذي كَمّله وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو أمس، وحمّل فيه إيران المسؤولية عن الفساد الذي أدى الى اندلاع احتجاجات في العراق ولبنان، مؤكداً في الوقت نفسه انّ من حق الشعبَين التخلّص من التدخلات الإيرانية، ومن حق البلدين أن يديرا شؤونهما الخاصة بمنأى عن تدخلات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي.

رابعاً، انّ النتيجة الموضوعية لكل ما جرى في الآونة الاخيرة تُنذر بفترة طويلة من الاشتباك السياسي، مع فراغ جدي على مستوى السلطة غير محدد بسقف زمني.

خامساً، انّ السلطة وبعض المنادين بإسقاطها، أثبتوا من بداية الحراك الشعبي أنهم يقدمون سياسة لسياستهم فقط، وليس سياسة للناس وخدمة مصالحها.

سادساً، انّ الحراك الشعبي تمكّن من فرض كلمته في وجه السلطة، وحَدّد مطالب مشروعة باسم كل اللبنانيين، الّا انّ موقف بعض الحراك أصيب بالضعف، بعد المداخلات التي تعرّض لها من هنا وهناك، وبعد الطروحات التي دخلت عليه ورفعت سقف المطالب الى حدّ يجعلها غير قابلة للتطبيق.

سابعاً، انّ عملية تضليل واضحة للناس تقوم بها جهات سياسية هي شريكة أصلاً في الحكومات السابقة، وتتجلّى في إصرار تلك الجهات على طرح صيَغ حكومية غير قابلة للتشكيل في بلد كلبنان، كحكومة تكنوقراط صافية يختارها السياسيون، أو حكومة اختصاصيين بمنأى عن السياسيين، وتشكّل بمعزل عن الأحجام التي أفرزتها الانتخابات النيابية. إنّ مثل هذه الطروحات تُطرح لتُرفَض، وتشبه الدعوة الى عدم تشكيل حكومة.

البنك الدولي

في سياق متصل، لم تكن الزيارة التي قام بها وفد البنك الدولي أمس الى قصر بعبدا روتينية، بل ارتدت طابع الخطورة لجهة مضمون الكلام الذي نقله الوفد الى رئيس الجمهورية. وعلى رغم انّ دوائر القصر الجمهوري، التي وزّعت الخبر، أعطَت الحيّز الأكبر لِما قاله الرئيس ميشال عون للوفد، إلّا انّ البنك الدولي وًزّع لاحقاً الخبر وضًمّنه تفاصيل الكلام الذي نقله الى رئيس الجمهورية.

ورسمَ مسؤول البنك الدولي ما يُشبه السيناريو المحتمَل لنتائج الانهيار، بالقول إنه تم تقدير عدد اللبنانيين الفقراء عام 2018 بحوالى الثلث، فيما كانت نسبة الفقراء تبلغ 27.4 % في 2011-2012. والآتي يمكن أن يكون أسوأ إذا لم تتم المعالجة فوراً، بحيث يمكن أن يرتفع الفقر إلى 50 % إذا تفاقم الوضع الاقتصادي سوءاً. كما انّ معدل البطالة، خاصة بين الشباب، المُرتفِع أصلاً، قد يرتفع أكثر وبشكل حاد.

وتابع: إنّ التجارب الدولية تُظهر لنا أنّ الطبقتين الفقيرة والوسطى سوف تكونان الأكثر تضرراً في مثل هذه الأزمات الاقتصادية، وهنا يجب أن تتدخل الحكومة الجديدة لحماية هؤلاء الناس من الآثار السلبية للإصلاحات.

عون

وقد أبلغ رئيس الجمهورية وفد البنك الدولي انّ الحكومة العتيدة سوف تضم وزراء يتمتعون بالخبرة والكفاءة ومن ذوي السمعة الحسنة وبعيدين عن شبهات الفساد، لافتاً الى انّ التحقيقات التي ستتم مع مسؤولين حاليين وسابقين تدور حولهم علامات استفهام، لن تستثني أحداً من المتورطين، مؤكداً انّ الملفات التي أحيلت على التحقيق سيتم السير بها، وعددها 17 ملفاً تتعلق بالفساد، والمحاسبة ستشمل جميع المتورطين والمشتركين والمُسهّلين.

الملفات

وعلمت «الجمهورية» انّ من الملفات الـ 17 التي دفع رئيس الجمهورية باتجاه إحالتها الى التحقيق، والتي سيتم السير بها تباعاً:

• إحالة عدد من القضاة على التحقيق.
• ملاحقة هدر الأموال العامة بأشكال مختلفة في الضمان الاجتماعي.

• ملف تطويع تلامذة ضباط في الكلية الحربية أمام المحكمة العسكرية، والرشاوى التي أشير اليها في وقت سابق.
• وقف هدر المال العام في السوق الحرة في مطار رفيق الحريري الدولي، وهو ما سمح بزيادة حق الدولة من استثمارها من 15 مليون دولار أميركي الى 110 ملايين.

• ملف ملاحقة هدر الأموال العامة في كازينو لبنان وفي شركة انترا.
• ملف هيئة السير و«البارك ميتر» وما شهدته من مخالفات قانونية.

• ملف فيضانات مياه الامطار واختلاطها بمياه الصرف الصحي في منطقة بيروت.
• ملف الادوية وأسعارها.

• ملاحقة عدد من رؤساء البلديات المرتكبين.
• ملف أوجيرو بعد رفض عقود المصالحة.

• ملف المعاينة الميكانيكية.

وآخرها ملف سجن مجدليا الذي تمّ خفض كلفة تشييده بقيمة 200 مليون دولار أميركي، بعد اكتشاف ما في تقدير الكلفة من فروقات بين الواضع ومحاولة تمريره.

وفي سياق متصل، منح النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الإذن إلى النيابة العامة المالية بملاحقة 13 موظفاً (بينهم رؤساء بلديات)، بعد تلكؤ إداراتهم عن منح إذن الملاحقة. ويأتي هذا التدبير في إطار تفعيل التعاميم التي أصدرها عويدات فور تسلّمه لمهامه إلى النيابات العامة تنفيذاً لأحكام القانون ولضمان حسن سير العدالة.

وفي السياق نفسه، طلب النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم، الاستماع إلى إفادة الرئيس فؤاد السنيورة في مكتبه في قصر العدل قبل ظهر اليوم، حول موضوع صرف مبلغ 11 مليار دولار عندما كان رئيساً للحكومة بين عامي 2006 و2008.

إلّا انّ القاضي عويدات أعلن في وقت لاحق أنه «بسبب تعذّر إبلاغ الرئيس السنيورة بموعد جلسة الاستماع إليه لدى النيابية العامة المالية في الدعوى المقدمة ضده، فقد تقرر جَدولة الجلسة من خلال النيابة العامة التمييزية وتحديدها يوم الخميس في 14 الحالي».

مأزق المصارف

الى ذلك، برز أمس ما يمكن اعتباره أوّل رد فعل مصرفي حيال التعميم الذي أصدره مصرف لبنان وطلبَ فيه زيادة الرسملة للمصارف بنسبة 20 في المئة تمتد حتى نهاية 2020. ويتضمّن التعميم تقسيم الزيادة الى شطرين، الأول يُفترض أن يسدّد حتى نهاية 2019، والشطر الثاني في 2020.

وقد نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر مصرفية أنّ البنوك اللبنانية تخشى أنّ مهلة نهاية 2019 لزيادة رأس المال، بناء على تعليمات البنك المركزي، هي ضيقة للغاية، وهي بالتالي قد تطلب من المركزي تمديد هذه المهلة.

وفي قراءة لهذا الكلام، تواجه بعض المصارف، لاسيما الصغيرة منها، صعوبة في تأمين الزيادة المطلوبة في رأس المال، وهي تحتاج الى وقت أطول لتأمين الزيادة سواء من خلال مساهمين جدد، وهذا الامر صعب في هذه المرحلة، أو من خلال عمليات دمج تحتاج هي الأخرى الى وقت أطول لإتمامها.

الجمهورية