مجلة وفاء wafaamagazine
هل اقترح البطريرك الماروني بشارة الراعي المقايضة بين قضيّتَي المرفأ والطيّونة، على قاعدة وقف ملاحقة الوزراء والرؤساء من قبل القاضي طارق البيطار في مقابل وقف ملاحقة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من قبل القضاء العسكري؟ في النص، لم يُسجّل على الراعي في جولته الرئاسية أمس النُطق بذلك. لكنّ جولته الرامية إلى حماية جعجع فتحت الباب أمام تسوياتتسوية ملف الاشتباه بتورّط رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في الأحداث التي تسببت بمجزرة الطيونة، يتولّاها شخصياً البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي. وهو تولى شخصيا على مدى الايام الماضية كل الاتصالات مع جهات أمنية وسياسية رسمية وحزبية بهدف حصر التحقيقات بأشخاص من الصف الحزبي الذي لا يقترب من القيادة المركزية لحزب القوات، وذلك لضمان عدم المس بجعجع شخصياً. وهو يرى ان الاقتراب من قائد القوات بمثابة «مغامرة» ستؤدي إلى «تداعيات غير محسوبة النتائج في الشارع».
على ان الاتصالات التي لم تحل دون استدعاء جعجع للاستماع إلى إفادته من قبَل مديرية المخابرات في الجيش، بقرار من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، القاضي فادي عقيقي، دفعت بالراعي الى التحرك على مستوى أعلى، فقرر القيام بجولة على الرؤساء الثلاثة، بدأها بزيارة عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وتخلّل اللقاء مأدبة غداء. ثم زار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قبل أن يختتم جولته بزيارة قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون.
الملفات التي حملها البطريرك الراعي قضائية تتعلق باستدعاء جعجع والموقف من المحقق العدلي قي قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. وعلمت «الأخبار» أن البطريرك تحدّث مع بري عن الوضع السياسي العام في البلاد، وتعطّل عمل الحكومة، و«فائض القوة الذي لا تستقيم معه الحياة السياسية»، قبل أن ينتقل إلى مسألة استدعاء جعجع، معتبراً أن «الأمر لا يجوز كونه زعيماً مسيحياً من الصف الأول»، مقترحاً «البحث عن إخراج للتراجع عن هذا الاستدعاء». إلا أن «رئيس المجلس أكد أن قضية الطيونة كبيرة، وهناك شهداء سقطوا ظلماً… والدم بعدو على الأرض»، مشيراً الى أن «جعجع مستدعى كشاهد ليس إلا. وعندما استدعى القاضي فادي صوان وزراء ونواب كشهود، لبّوا طلبه. فلماذا لا يذهب جعجع؟ هذه قضية كبيرة ونحن نريد كشف الحقيقة وسنتابع القضية حتى النهاية. ونحن رفضنا الانجرار إلى استخدام القوة، واحتكمنا إلى القضاء، وعلى القضاء أن يكون موضوعياً وجدياً. وأعتقد أنكم تؤيدون أن يكون القضاء موضوعياً وجدياً وغير مسيّس».
ولفت بري الراعي الى ان «المشكلة اليوم في البلد هي في مكان آخر. وتتعلق بأداء (المحقق العدلي في جريمة المرفأ) القاضي طارق البيطار». فرد الراعي مدافعاً عن المحقق العدلي، وسائلاً عن سبب «هذه الهجمة عليه والتدخل في عمله والاعتراض على قراراته وإجراءاته والمطالبة بإزاحته». فما كان من بري الا ان وضع على الطاولة نسخة من الدستور وأخرى من القانون 13/1990 (أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء)، مشيراً إلى المواد التي يرى أن البيطار يخالفها، ومؤكداً أن «مجلس النواب لا يمكن أن يقبل المس بصلاحياته».
وبعد مطالعة بري، رد الراعي بأنْ وافقَ رئيسَ المجلس على مقاربته، ومشدداً على وجوب «احترام الأصول الدستورية والقانونية». وعندما سأل عن كيفية الخروج من المأزق وإعادة إطلاق العمل الحكومي وضمان الحفاظ على الاستقرار، قال بري إن الحل يبدأ من مجلس النواب، عبر محاكمة الرؤساء والوزراء المشتبه فيهم في انفجار المرفأ أمام المجلس الأعلى، وفقاً لما ينصّ عليه الدستور والقانون. تلقّف البطريرك ما قاله رئيس المجلس، مشيراً إلى أنه سيعرض الفكرة على الرئيسين عون وميقاتي.
رئيس الحكومة سمع الراعي الذي لم يضع قضية الطيونة في مقابل قضية المرفأ. فردّ ميقاتي بأنه يؤيد أي حل من ضمن الأطر الدستورية، يسمح بتخفيف حدة التوتر. أما رئيس الجمهورية، فسأل الراعي عما إذا كانت مبادرته المبنية على اقتراح بري تتضمّن مقايضة بين الطيونة والمرفأ، فأجاب البطريرك بأن بري قال له إن الملفين منفصلان، لكن حلّ قضية محاكمة الرؤساء والوزراء، برأي الراعي، سيترك مناخاً إيجابياً على باقي الملفات. الرئيس عون ردّ على «المبادرة» بتأكيد جاهزيته للسير بأي حل، «شرط أن يكون من ضمن الأطر الدستورية، وألّا يتضمّن مسّاً بمبدأ فصل السلطات أو تدخلاً بعمل القضاء». وشدّد عون على وجوب الاطلاع على تفاصيل المقترح، قبل إبداء رأيه النهائي فيه.
وبحسب ما رشح من اللقاءات البطريركية، فإن الفكرة المقترحة تتمحور حول مبادرة مجلس النواب إلى تحريك دعوى الحق العام في وجه رؤساء حكومات ووزراء، في جريمة المرفأ، على ان يبقى سائر المدعى عليهم ملاحقين من قبل المحقق العدلي.
جولة الراعي وتصريحاته أمس فتحت الباب واسعاً أمام الحديث عن تسوية ما يجري طبخها، سواء كمقايضة بين الطيونة والمرفأ، بحسب ما يروّج له مقربون من البطريرك، او لحل معضلة قرارات القاضي البيطار، لإعادة إطلاق العمل الحكومي. في الاولى، يجزم المعنيون بأن المقايضة غير مطروحة، فيما المسألة الثانية تواجهها عقبات شتى:
– أولاً، لا يزال أي حل لأزمة البيطار بحاجة إلى غطاء من رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر. وأداء القضاة المحسوبين على التيار في مجلس القضاء الاعلى يوحي بأن عون والنائب جبران باسيل لن يخوضا في معركة لتنحية البيطار. ويبقى اي تغيير في الموقف رهن تبدل الوقائع السياسية او القضائية.
– ثانياً، تواجِه مبادرة الراعي اعتراضاً على مستوى فريق الادعاء السياسي – الإعلامي المواكب لعمل البيطار، والذي يحظى بدعم غير مسبوق اميركياً وأوروبياً. وحيث يرجح ان تصدر ردود فعل رافضة لهذه التسوية حتى ولو تمت بمباركة بكركي.
– ثالثاً، لا يوجد اي مؤشر يقول بان مجلس القضاء الاعلى في صدد اتخاذ أي إجراء بحق البيطار، إلا في حال طلب وزير العدل، عملاً بمبدأ «توازي الصيغ»، اي الدعوة الى إلغاء تعيين المحقق العدلي واختيار بديل عنه.
– رابعاً، يجزم عارفو البيطار بأنه سيستمر بعمله، من دون أي تغيير، وسيلاحق وزراء ورؤساء حكومات، حتى لو اتخذ مجلس النواب قرار محاكمتهم أمام المجلس الأعلى، ليخلق بذلك تنازعاً «إيجابياً» على الصلاحية. وحتى لو كانت قرارات البيطار، في هذه الحالة، من دون أي نتيجة قانونية أو إجرائية، فإنه سيتصرّف كما لو أن شيئاً لم يكن. وسيكون المحقق العدلي، في اليومين المقبلين، أمام اختبار التعامل مع كل من رئيس الحكومة السابق حسان دياب، ثم الوزيرين السابقين النائبين نهاد المشنوق وغازي زعيتر اللذين سيتقدّمان بمذكرتي دفوع شكلية، علماً بأنه سبق أن رفض طلب وكيل النائب علي حسن خليل المحامي محمد مغربي الاستمهال لتقديم الدفوع.
وقال مصدر سياسي مواكب، ان المناقشات السياسية الجانبية اشارت الى احتمال تسريع القاضي البيطار في اصدار قراره الظني واحالة الملف الى المجلس العدلي، الذي يجري البحث في امكانية ان يقبل بطعن مجلس النواب في اختصاصته محاكمة الوزراء والنواب، وعندها يكون الفصل من جانب المجلس العدلي نفسه.
الأخبار