مجلة وفاء wafaamagazine
أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس، وألقى خطبة الجمعة التي قال فيها:
“يقول تعالى في كتابه العزيز: “الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهيهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذين أنزل معه أولئك هم المفلحون). هذه الآية المباركة تتحدث عن الذين يتبعون الرسول، وان اتباعهم له ليس قائما عن هوى كما انه ليس اتباعا أعمى كما هي الحالة السائدة والثقافة الرائجة بين الاتباع والمتبوعين في جزيرة العرب وفي غيرها المبنية على اساس الولاء للعشيرة او القوم او للدين أو المذهب القائم على التعصب لهذه الجهة أو تلك من جهات الانتماء، والفرد ليس له اساسا حرية الانتماء لاي جماعة شاء، حيث تفرض عليه البيئة التي يولد فيها اعرافها وقوانينها وهو محكوم في الدفاع عنها”.
اضاف: “وهذا الواقع فرض نفسه بقوة بحيث كان يصعب على أي احد ان يتصور او يفكر بالخروج منه، ولذلك احتاج التنويه الى جماعة المؤمنين من اتباع الرسول وتمايزهم وان اتباعهم للرسول لم يكن على الطريقة السائدة وانما خروج على هذا الواقع وتأسيس لمرحلة تغييرية جديدة تنبأ بتحول رسالي حضاري وثقافي كبير يقع على عاتق هذه الجماعة الناشئة والقائمة على مبادىء غير مألوفة في هذا العالم، تعتمد تحرير الانسان مما فرض عليه واجبر على التزامه بحكم العادة والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي وجد انها امر لا يمكن تغييره او الخروج عليه، فأراد سبحانه وتعالى ان يبين خطأ هذا الاعتقاد وان يلفت النظر الى الذين اتبعوا الرسول ويبرهن لهم بالملموس ان ذلك ليس امرا خاطئا فقط، بل ان العكس هو الصحيح وانهم مدعوون للانضمام الى قافلة التغيير الجديدة التي اصبحت امرا واقعا حيث قال تعالى ( الذين يتبعون النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل)، فاتحا الباب امام تحرر الافراد من اثقال الاوهام التي قيدت حركتهم الفكرية وجعلتهم اسرى عادات وتقاليد وثقافة الجماعة التي ينتمون اليها اجتماعيا والبيئة التي يعيشون فيها، واطلقت حركة العقل والتفكير فيهم واخرجتهم من التزامات العقل الجماعي الى حرية التفكير الفردي القادر على الوصول الى قناعات موضوعية متحررة من الضغوط التي تحد من استخدام عقولهم بحرية اكبر، على اساس موضوعي ومعايير منطقية كمعيار الحق والمنطق والعدل وهو ما اشارت اليه الآية الكريمة وهي تتحدث عن الرسول وعن الاهداف التي يحملها قال تعالى:( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم )”.
وتابع :”ان إدخال مفردات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والطيبات والخبائث كمفاهيم جديدة يعلل بها التشريع في الاوامر والنواهي والتحليل والتحريم، نمط جديد غير معهود في الحياة الاجتماعية والثقافية السائدة اذ كانت تخضع لاعتبارات اخرى لا صلة لها بالمنطق والمعرفة كالقوة والغنى المادي وما شابه ذلك من اعتبارات لا صلة لها بكرامة الانسان والقيم وموازين الحق والعدل، ولذلك سميت جاهلية، وهذه الجاهلية متكررة في حياة الامم ولذلك تكررت معها الحاجة الى من يرفع اصرها والاغلال التي اوجدتها وقيدت حرية الفرد في التفكير والاختيار وسببت تراجعا في مسيرة تقدمه العلمي وانحطاطه الاخلاقي و القيمي مما استوجب الكثير من المصاعب والمتاعب احتاج معها الى من ينقذه منها، فكان اللطف الالهي دائما حاضرا لعبور ازماته وتجاوز مشكلاته الحضارية الخطيرة بانسداد آفاق الحلول، وكانت الرسالات السماوية والنبوات الالهية مبعث الامل الجديد للبشرية للانطلاق نحو غد مشرق آخر متسلحة بالوعي والايمان العميقين ويدفعها بقوة للخلاص من القيود التي عطلت مسيرتها وحدت من حركتها لتبعثها من جديد، وهو ما تحقق على يدي رسول الله الذي بعث بعد فترة من الرسل تجمدت فيها العقول عن التفكير وسادت فيها الجاهلية بكل اشكالها المتخلفة، وبذلك انفتحت للبشرية آفاق المستقبل الواعد والغد المشرق وانطلقت في مسيرة التحرر الفكري والانبعاث الحضاري يحمل شعلتها نخبة من المؤمنين الذين اخلصوا لله نفوسهم وارخصوها في سبيله يواجهون الانحراف بالفكر ونشر الوعي ويواجهون الظلم بقول كلمة الحق مهما كان الثمن”.
واكد “ان الدين أرسى بشكل عام والاسلام بشكل خاص قواعد جديدة وعبر بالبشرية من عالم الى آخر عبر عنه في كتابه العزيز بقوله ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات الى النور وكان بالمؤمنين رحيما )، وبدعوته للبشرية الى الدخول في السلم كافة والكف عن العدوان وتجاوز الحدود وارتكاب المظالم واعتماد الحكمة والموعظة الحسنة في الكلمة والدعوة والابتعاد عن كل ما يستفز الآخر وينفره عن سماع دعوة الحق واعتماد الحوار وسيلة للوصول الى الحلول التي تؤمن الاستقرار وتنتج الحلول عند الازمات. قال تعالى: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) وهو ما نحتاجه اليوم كلبنانيين للخروج من المشكلات الخطيرة التي تجتاحنا وتهدد مصيرنا بأفدح العواقب وتحتاج منا التعاون والتشاور لايجاد تفاهمات جديدة تخرج البلد من ازماته، ونعمل بجد للحؤول دون الوقوع في المخاطر التي تتهدد حياة ابنائنا واهلنا الغارقين في ازماتهم المعيشية والحياتية التي تتفاقم يوما بعد آخر ما يستدعي وضع خارطة طريق للخروج من الازمات بدل الانشغال باستخدامها في السجالات السياسية والنكايات والخصومات الشخصية وخصوصا ممن هم في سدة المسؤولية ما يوحي بالعجز عن انتاج الحلول والهروب من ذلك بالدخول بالمهاترات التي لا تليق وافتعال ازمات بعناوين طائفية”.
وقال: “اننا ندعو الجميع الى التعاطي الجدي مع هذا الواقع الخطير بما يتناسب معه من جدية وترك الشعبوية من اجل الحصول على مقعد نيابي زائد من هنا او من هناك والقيام بخطوات انقاذية وعدم ترك الناس لمصيرها كما هو حاصل حيث لا يستطيعون الحصول على رغيف الخبز فضلا عن حبة الدواء التي اصبحت املا بعيد المنال”.
اضاف: “ونحن في اجواء الاحتفال بعيد الاستقلال، فإننا نستحضر ذكرى رجال الاستقلال الذين بذلوا الدماء لنيل بلدنا حريته وسيادته، ونخص بالتحية صناع الاستقلال الثاني من شهداء المقاومة والجيش والشعب الذين روت دماؤهم أرض لبنان لتزهر حرية وكرامة في معارك تحريره من الارهابين الصهيوني والتكفيري، ان هؤلاء الشهداء الابرار هم صناع مجد لبنان الذين دحضوا مقولة قوة لبنان في ضعفه لتصبح قوة لبنان ومجده في تلاحم جيشه ومقاومته وشعبه، ان المقاومة وفرت الاستقرار والأمن والأمان لكل اللبنانيين دون تفرقة بين منطقة واخرى حتى بات لبنان يدين بالفضل لها، فهي أعادت للامة عزتها وكرامتها وجعلت لبنان محط إعجاب وتقدير كل الشرفاء في العالم”.
وتابع: “واذ نشجب بشدة كل تنكر وتآمر على المقاومة التي حفظت لبنان وحررت ارضه وحمت شعبه، فإننا نعتبر ان التحريض عليها وتشويه صورتها تنكر لكل التضحيات التي بذلت واساءة للوطن وشعبه واضرار بمصالحه، تقدم خدمة مجانية للعدو الاسرائيلي المتربص الذي يتحين الفرص للانقضاض عليه. ان المصلحة الوطنية تستدعي من الجميع الخروج من هذه الدائرة والعمل كفريق واحد لتجاوز هذا المأزق الوطني والدفع باتجاه انتاج الحلول السياسية والاجتماعية والمعيشية الصعبة وعدم انتظار الحلول من الخارج، فلدى اللبنانين من الكفاءة والتجربة ما يمكنهم من الاعتماد على انفسهم لانتاج تفاهمات داخلية من صناعة لبنانية، وهذا هو الاستقلال الحقيقي. من هنا فإن اللبنانيين مطالبون بتحصين وحدتهم وتعزيز تضامنهم وتمتين تكافلهم ليتمكنوا من الصمود بوجه التحديات وتجاوز هذه الازمة الصعبة التي أسهمت طبقة من السياسيين الفاسدين في الوصول اليها من خلال اغراق الدولة في الديون ومستنقع الفوضى والفساد والهدر حتى تحول لبنان الى دولة فاشلة تستجدي الدعم والعون من دول صديقة وشقيقة كنا ننتظر منها الوقوف مع وطننا بدل المشاركة في الحصار وتجويع اللبنانيين”.
وختم: “ان تحصين الاستقلال ضرورة وطنية لحفظ لبنان وشعبه، وأولى الخطوات المطلوبة ان يتمسك اللبنانيون بوحدتهم الوطنية وخيارهم المقاوم الرافض لكل أشكال التطبيع خدمة لامن واستقرار الكيان الصهيوني. وندعو الحكومة الى استعادة تضامنها الوزاري ودورها الوطني بإزالة الاسباب التي حالت دون القيام بواجباتها الانقاذية بدءا بتصويب المسار القضائي في قضيتي المرفأ والطيونة بما يحقق العدالة ويكشف الحقيقة ويحق الحق في معاقبة المسؤولين والمتسببين والمتورطين بدماء الشهداء والجرحى”.