مجلة وفاء wafaamagazine
لم يَخُض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في نقاشات تفصيلية مع الوفد الكردي الذي زار موسكو برئاسة رئيسة الهيئة التنفيذية لـ«مجلس سوريا الديموقراطية» إلهام أحمد، وعضوية ممثّلين عن «قوات سوريا الديموقرطية» (قسد) و«الإدارة الذاتية»، إذ ركّز الحوار، بشكل رئيس، على خطوط تفاهم عريضة، أبرزها ضرورة «ثبات الموقف الكردي ووضوحه»، مع ترك التفاصيل الخلافية بين الأكراد والحكومة السورية إلى سلسلة اجتماعات يتمّ التحضير لها في دمشق
دمشق | لم تحمل زيارة الوفد الكردي إلى موسكو، ولقاؤه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أيّ مفاجآت جديدة، حيث استمع لافروف، ومعه الممثّل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف، إلى طروحات الزائرين الذين استعرضوا باستفاضة المخاطر التركية، إلى جانب مجموعة من الملفّات الأخرى، أبرزها موقف «قسد» من التقارب مع دمشق، في ظلّ المتغيّرات الأخيرة في شمال شرقي سوريا، والدور الأميركي في المنطقة. وإذ فوجئ الوفد الكردي بجوّ الاحتواء الذي أظهره المضيفون بعدما كان ينتظر حواراً تفاوضياً، وفق ما أكدت مصادر كردية لـ«الأخبار»، فقد شرح لافروف بشكل واضح موقف موسكو من المتغيّرات المُشار إليها، والمخرج الممكن لأزمة «قسد»، والمتمثّل في الجلوس على طاولة الحوار، ومناقشة جميع التفاصيل التقنية مع الحكومة السورية. لكنّ الوزير الروسي لم يَخُض في تفاصيل الخلاف المتمحور حول تمسّك الأكراد بـ«الإدارة الذاتية» ومطالبتهم باستمرار وجود «قوات سوريا الديموقراطية»، وهو أمر ترفضه دمشق، وتَعتبره مسّاً بثوابتها لناحية مركزية القرار السياسي ووحدة الجيش السوري وهيكليّته. وفي هذا الإطار، أبدى لافروف استعداد بلاده للدفع بثقلها نحو انعقاد طاولة الحوار السوري – السوري، والتي يمكن أن تَخلُص إلى حلّ توافقي يضمن للأكراد خصوصيّتهم، من دون أن يمسّ بهيكلية الدولة السورية.
وبحسب المصادر نفسها، فقد حذّر الروس ضيوفهم من استمرار المراوغة السياسية والاعتماد على واشنطن، والذي أبعد «قسد» إلى الآن عن دائرة التفاهمات الدولية، خصوصاً في ما يتّصل بعمل اللجنة الدستورية، الأمر الذي يمكن تجاوزه اليوم بالمُضيّ في مشروع التفاهم مع دمشق. بالإضافة إلى ذلك، شغل الجانب الاقتصادي والمعيشي والإنساني حيّزاً من النقاش، حيث شرح لافروف أن المخرج الوحيد من هذه الأزمات يتمثّل في التوصّل إلى اتفاق يضمن لسوريا بشكل عام تكاملاً اقتصادياً، واستفادة من جميع الموارد، ومن بينها النفط الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأميركية في الوقت الحالي. في المقابل، أبدى الأكراد رغبة كبيرة في الجلوس إلى طاولة الحوار، وهو ما أكّده مسؤول ملفّ الشؤون الروسية في «مجلس سوريا الديموقراطية»، سيهانوك ديبو، الذي قال في تصريحات بعد اللقاء إن وزير الخارجية الروسي أكد تشجيع بلاده للحوار السوري – السوري، مضيفاً أن الروس «يأملون أن تتكلّل (هذه الجهود) بالنجاح».
حذّر لافروف الأكراد من استمرار المراوغة السياسية والاعتماد على واشنطن
ويأتي هذا اللقاء، الذي يُعتبر الثاني من نوعه خلال العام الجاري، متأخّراً بعض الشيء؛ إذ كان مقرَّراً عقده قبل نحو ثلاثة أسابيع، قبل أن يتعرقل نتيجة زيارة أجراها وفد أميركي برئاسة نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، إيثان غولديريتش، إلى الشمال الشرقي من سوريا، حيث عقد لقاءات مع المسؤولين الأكراد وقيادات في «المجلس الوطني الكردي» المدعوم من تركيا و«الائتلاف المعارض»، عارِضاً خطّة لإعادة تفعيل التقارب الكردي – الكردي، مقابل تسهيلات ومساعدات اقتصادية، وردّ المخاطر التركية. والظاهر أن الخطّة الأميركية اصطدمت بمجموعة من المعوّقات، أبرزها الموقف المتشدّد الذي يقوده «حزب الاتحاد الديموقراطي» الذي يمثّل امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني» المُصنَّف على لوائح الإرهاب التركية، وعدم اليقين باستمرار الوجود العسكري الأميركي في سوريا، في ظلّ توسُّع الدور التركي، الأمر الذي سيترك «قسد» أمام مواجهات مع جميع الأطراف. ولم يكد ينهي الوفد الذي يزور موسكو لقاءه مع المسؤولين الروس، حتى عقد قائد «قوات سوريا الديموقراطية»، مظلوم عبدي، اجتماعاً مع مسؤولين أكراد في شمال شرقي سوريا لبحث آخر التطورات، لتَخرج تصريحات كردية عقب هذا اللقاء تنتقد موقف دمشق، وهو ما يمكن إدراجه في سياق حالة الانقسام الكردية بين طرفين، أحدهما يميل إلى موسكو والآخر إلى واشنطن.
وتسبق التطوّراتُ الأخيرة زيارةً من المنتظر أن يقوم بها وفد روسي تقني إلى تركيا لبحث مجموعة من التفاصيل الأمنية والميدانية والعسكرية، وعلى رأسها فتح طريق حلب – اللاذقية، والتطوّرات على خطوط التماس بين مواقع «قسد» ومواقع سيطرة الفصائل المعارضة التابعة لتركيا. وكانت موسكو قد طرحت، في وقت سابق، خطّة لنشر قوات عسكرية سورية في مناطق خلافية بالنسبة إلى أنقرة، لتجنيب «قسد» مخاطر الهجوم العسكري التركي، الأمر الذي رفضته الأخيرة، متمسّكةً بمبدأ «الحوار الشامل مع دمشق» أوّلاً، بحجة أن خطوة من نوع الانسحاب من شأنها تخسيرها مناطق حيوية من دون أيّ مقابل سياسي، وهو ما عادت موسكو واحتوته، مؤكدة دعمها للحوار. لكن ذلك من شأنه تسليط مزيد من الضغوط على «قسد»، وسحب ورقة المراوغة الأميركية من يدها، ووضعها على محكّ الحوار السياسي الجادّ الكفيل بإنهاء المخاطر التركية، وضمان وحدة الأراضي السورية، وما يتبعه من انتعاش اقتصادي أصبح يشكّل أولوية قصوى في الوقت الحالي، نتيجة تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
الاخبار