مجلة وفاء wafaamagazine
نقلت كأس العرب كرة القدم العربية إلى مستوى آخر بفعل الصورة الجذّابة التي قُدّمت من خلالها للمرة الأولى في تاريخها. هو أمرٌ طبيعي كون الاتحاد الدولي للعبة هو المخطّط والراعي التنظيمي لهذه النسخة على اعتبار أنها «بروفة» حقيقيّة لتنظيم قطر نهائيات كأس العالم 2022. أضف أن الدولة المضيفة وضعت كل إمكاناتها للظهور بأفضل صورةٍ ممكنة، فهل لهذه البطولة انعكاسات إيجابية على كرة القدم في محيطنا العربي؟
من المستحيل ألا ينجذب جمهور كرة القدم العربي إلى بطولة كأس العرب لكرة القدم بنسختها الحالية، إذ إن مشاهد عدة عوّضت بشكلٍ كبير غياب الجمهور في مبارياتٍ معيّنة عن مدرجات الملاعب، وعدم تمكن نجوم الصف الأول من الالتحاق بمنتخباتهم من أجل المنافسة في نسخةٍ تبدو مثيرةً للاهتمام بالنسبة إلى المتابعين في العالم العربي.
الاهتمام بالدرجة الأولى يأتي من منافسة تقليدية حاضرة بين أشقاء وجيران ومنتخبات دخلت في صراعٍ مباشر سابقاً على «الزعامة»، وهو ما يضفي رونقاً من نوعٍ تنافسي عالي المستوى على مبارياتٍ معيّنة، وخصوصاً بعدما تنافست منتخبات عربية مختلفة بشكلٍ مباشر على الحضور بقوة على الساحة الآسيوية، وهذا الأمر انعكس أيضاً على مواجهاتٍ معيّنة ترتبط بمسابقات الأندية.
وبعيداً من المنافسة والحساسية المرتبطتين ببعض المباريات التي تحمل مواجهات خاصة، فإن الاهتمام يأتي أيضاً من خارج دائرة المنتخبات المتنافسة، إذ إن الملاعب كفيلة بجذب الانتباه والاهتمام إلى أي مباراة، وهو أمر طبيعي وكان ليحضر في أي بطولة تطلّ على أرض أحد البلدان المضيفة لكأس العالم حيث الملاعب مثالية من الخارج والداخل وفي أرضيتها وكل مترٍ من الاستادات التي مُنحت شرف الاستضافة.
المال محرّك النجاح
طبعاً ليس بالأمر السهل تقديم هذه الصورة العالمية، وهو أمر لا تستطيع بلوغه سوى الدول العربية التي تعيش وضعاً مالياً واقتصادياً ممتازاً، بحيث تصرف الملايين لا بل المليارات من أجل تجهيز أفضل البنى التحتية والملاعب لاستضافة الفعاليات والأحداث الكبرى، وهو ما لا تمانعه بلدان مثل قطر الساعية إلى لفت الأنظار إليها سياحياً وسياسياً واجتماعياً بعدما تحوّلت سابقاً إلى عاصمة تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى والشبكات الإعلامية العالمية، حتى أصبح لا ينقصها لإكمال السلسلة الذهبية سوى الاستضافة المونديالية.
استضافة يُنقل عن المتواجدين هناك في الدوحة أنها ستكون ناجحة، وذلك استناداً إلى أن الدوحة تُطبّق اليوم مع المنتخبات المشاركة في كأس العرب كل المعايير اللوجستية والتنظيمية، إذ حتى الباصات المعتمدة للمنتخبات هي نفسها التي ستقلّ نجوم العالم بعد عامٍ من الآن، إضافةً إلى اعتماد ملاعب التمارين والمباريات التي ستستقبل المنتخبات الأبرز المتأهّلة إلى العرس الكروي، وذلك للوقوف على أي خطأ ومعالجته قبل الوصول إلى الامتحان النهائي.
أكثر من بلدٍ عربي قادر على استضافة كأس العالم مستقبلاً
بشكلٍ عام الصورة التي تظهر عليها كأس العرب مفيدة جداً للعالم العربي، أوّلاً لأنها جمعت المنتخبات العربية بعد ما يقارب العشر سنوات على غياب هذه البطولة، وثانياً لتقديم صورةٍ للعالم بأن العرب يمكنهم استضافة حدثٍ كبير وبمعايير عالمية، وثالثاً لمدّ جسر ثقة مع الغرب الذي احتكر غالباً استضافة البطولات، وبالتالي جَعل أي بلدٍ عربي مرشحاً لولوج الساحة المونديالية مستقبلاً، إذ إن بلداناً مثل الإمارات والسعودية اللتين سبقتا أصلاً قطر في دخول ساحة الاستضافة العالمية منذ زمنٍ بعيد يمكنها بلا شك السير على خطى الإمارة الخليجية.
استفادة فنيّة مطلوبة
بطبيعة الحال، يجب التوقف عند الناحية الفنية أيضاً، إذ صحيحٌ أن البطولة تغيب عنها أسماء كبيرة في المنتخبات البارزة مثل مصر والمغرب والجزائر وغيرها، لكنها تفتح العيون على مواهب شابة، وأخرى كانت مجهولة بالنسبة إلى الجمهور العربي نفسه، والدليل الحالة التي خلقها نجم منتخبنا الوطني ربيع عطايا بعدما استعرض مهاراته أمام منتخبَي مصر والجزار اللذين يمثّلان عشرات الملايين، فحاز آلاف التعليقات من بلدٍ يعشق الكرة واللاعبين المَهرة، ومن بلدٍ رفض مسؤولو أنديةٍ معروفةٍ فيه تجربة لاعب الأنصار والعهد السابق عندما برزت موهبته في الملاعب بسبب اعتباره «لبنانياً» أي قادمٍ من بلادٍ حيث الدوري ضعيف برأيهم.
من هنا، ستفتح هذه البطولة المجال أمام اختلاطٍ أكبر بين البلدان العربية على صعيد حركة اللاعبين، والأهم أنه بفضل نقل صورة جذّابة إلى العالم من خلال الملاعب والأهداف الجميلة، سيتشجع نجومٌ أكبر من أولئك الذين توافدوا سابقاً وحالياً إلى البلدان العربية، للانضمام إلى أنديتها، وهو أمرٌ يرتبط أيضاً بنجاحات أندية العرب على الساحة الآسيوية، حيث كان آخر الإنجازات تتويج الهلال السعودي بلقب دوري أبطال آسيا.
بكل الأحوال، عاد نبض الكرة ليلفّ العالم العربي مع إقامة كأس العرب بموازاة مسابقات اتحاد غرب آسيا الغائب أيضاً منذ فترةٍ ليست بقصيرة، لكن الأهم أن تبقى هذه البطولات ناشطة، وأن يكون اختيار أماكن استضافتها دقيقاً، لما في الأمر من إفادة على مستوى سمعة الكرة العربية، وعلى المستوى الجماهيري وبالتالي التسويقي، إيذاناً بتطوّر المستوى الفني للمنتخبات بعيداً من وجود لاعبين أجانب كما هو الحال في الأندية، لتسير الكرة في عالمنا العربي بالاتجاه الصحيح وتلحق بركب التطوّر السريع الذي سبقها بسرعةٍ قياسية في أوروبا وحتى أميركا الجنوبية طوال سنواتٍ خلت.
الاخبار