مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، اعتبر فيها أن “ما نعاني منه اليوم هو حرب، ولكن حرب بلا مدافع وصواريخ، والهدف هو ديننا وقيمنا ومشتركات هذا البلد المظلوم، وبالأخص عيشه المشترك”.
وقال: “إن الوطن وناسه ومصالحه أمانة إلهية ووطنية، وكذلك حماية الناس وحفظها وحفظ مصالحها ضرورة دين ودنيا وأخلاق وشرف، والخائن في قضايا وطنه خائن لله سبحانه وتعالى. ولا شك أن هناك هجمة دولية إقليمية على هيئة حصار ومعركة بلد وإنسان، معركة تستعمل فيها أسوأ أدوات الفتك. والمؤسف أن هناك من يريد رأس طائفة بعينها، باعتبار أنها حاضنة المقاومة، مع العلم أن حاضنة المقاومة فيها من جميع الطوائف، إلا أن اللعبة الدولية الإقليمية تعتاش على التفريق والتمزيق والاستنزاف، وتلزيم بعض الداخل كي يلعب بمصالح الناس وأسواقها وضروراتها، وهذا تماما ما يجري اليوم”.
وأشار إلى أن “المطلوب منا تأكيد الإيمان بالله والثقة بالله، والاعتزاز بعبادته والمفاخرة بالانتماء إليه، توازيا مع إيجاد بيئة، وخلق مناخ تضامني تعاوني تباذلي، وخدمة بعضنا البعض بشكل أخوي لكسر اللغة الطائفية، ولتأكيد رحمة الله بخلقه”.
ولفت إلى أننا نمر بمرحلة كونوا كالجسد الواحد، وهذا يوجب علينا حماية أسواقنا وأرزاقنا وأحيائنا وقرانا ومدننا ومصالح هذا البلد بكل الميادين والقطاعات، وهو واجب وطني أخلاقي يفترض وجود سياسات حكومية وبلدية، ومبادرات فردية وجماعية اجتماعية حازمة لحماية البلد وناسه بكل طوائفه ومكوناته، وكل مقصر في هذا الأمر هو مقصر أخلاقيا ودينيا وإنسانيا، والموقف هو موقف يوم القيامة”.
أضاف: “الآن نحن في قلب المعركة، وأخطر ما فيها الاختراق المسموم بالدواء والغذاء والأسواق والمحروقات والسلع والدولار والحقد الاجتماعي وطبخة التفريق والتمزيق الطائفي والسياسي، وهذا ما يجب مواجهته بكل تماسك، حماية للبلد وناسه. والناس كلها مظلومة بلا فرق بين مذهب ومذهب، وطائفة وطائفة، والمعركة الآن على اغتيال لبنان، والأميركي لا يهمه من يحكم، بمقدار ما يهمه كيف يحكم”.
ورأى أن “الأميركي يريد البلد نعجة طيعة لمصالحه، وبالأخص لمصلحة تل أبيب، بما في ذلك موجة التطبيع والمنظومة الشرق أوسطية التي يضعها بيد تل أبيب، كرمز قوة للسطو والهيمنة وتأمين المصالح الأميركية، ولا يهمه كل هذا الأنين والصراخ والجوع والأسى الذي تعانيه شعوب هذه المنطقة، تماما كما فعل ويفعل، وكما فعل الغرب في أفريقيا موتا ونهبا وإبادة وعنصرية وطغيانا، خلف وراءه عشرات ملايين الضحايا في أفريقيا، وكذلك تفعل اليوم بالشرق الأوسط”.
وأسف لأن “المحيط العربي تغير جدا، والقسم الرئيسي منه طبع مع الإسرائيلي علنا أو سرا، والأهداف السياسية تغيرت جدا، وفلسطين والقدس صارت من الماضي، والعدو بالروزنامة الجديدة صار إيران بدلا من تل أبيب، والصراع عند البعض على إعادة شبك التبعية الذليلة بواشنطن، وليس المهم مصالح المنطقة وشعوبها ودولها، والعداء قسم البلاد والشعوب، ويلتهم الداخل، ما يعني أن المنطقة تغلي بشدة. والمطلوب اليوم أن نحمي لبنان عبر تضامن وطني، وسياسات تبدأ من اللغة الوطنية والخيارات النقدية المالية والسياسية الاجتماعية، وتنتهي بشروط القوة الضامنة وسط منطقة تستعر بالفوضى والنار، وسباق التسلح الاستراتيجي. ويبقى المعيار الكبير، الانتساب لله، والاعتزاز بحفظه وتأييده على قاعدة {فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}”.
وأشار إلى أن “البلد في مأزق تاريخي، واللعب الدولي الإقليمي قوي ونافذ، وجيوش الوكلاء تسرح وتمرح، بخلفية رشاوى دولية إقليمية، تريد سحق كل مقومات البلد الرئيسية، على قاعدة جوع الناس تستسلم. والمطلوب قبل هذا وذاك حماية البلد من الداخل، بالتخلي عن لعبة الثأر السياسي والأجير القضائي، وكلنا نعرف بعضنا البعض، فكفانا صلبا للبلد والناس. والوطنية تبدأ بإنصاف الطوائف لا الطائفة، والعين على حماية الشراكة الوطنية، وليس على المنافع الانتخابية والزواريب الطائفية الضيقة”.
وأكد “ضرورة إنقاذ الحكومة من ورطة اللعب الدولي الإقليمي الداخلي، ونصيحة من صميم القلب، لمن يهمه الأمر، لا تلعبوا بتمزيق الطوائف، ولا تفكروا بتمزيق طائفة بعينها، ولا تراهنوا على ذلك، ولا تحولوا القضاء متاريس. ومن يهمه أمر لبنان يبدأ بإطفاء النيران، لا بتأجيجها، وليبادر إلى رفع كل الألغام من طريق الحكومة لإنقاذ البلد سياسيا، وما أفلح قوم ورطوا القضاء بزواريب السياسة”.
ورأى أن “إنعاش الاقتصاد والأسواق حله بالسياسة، ولكن يبقى السؤال هل يريد حاكم المركزي وجمعية المصارف والفريق المالي الاقتصادي إنقاذ لبنان خلافا للسياسات الأميركية؟ هنا الجواب الكارثي والصعب”.
وشدد على ضرورة “وضع حلول فعلية للكارثة النقدية وفلتان الأسواق والنهب المالي والكارثة الاجتماعية، وإعصار الجوع والبؤس والجرائم، ومعارك الإفقار والدولار والاحتكار، وهذا يحتاج إلى حكومة تتحمل مسؤولياتها، فضلا عن شعب متضامن ومبادر يتعامل مع ناسه كأنهم جسد واحد. وتذكروا جيدا أن خسارة المسيحي خسارة للمسلم، والعكس صحيح، وأكبر كارثة يمكن أن تقع حين يتمزق لبنان طائفيا. ومن ضيع وطنه لن يبقى له وطن، وكل ما هو دون لبنان ليس إلا كابوس أوطان”.