الرئيسية / آخر الأخبار / السيسي للمصريين: ولّى زمن الدعم

السيسي للمصريين: ولّى زمن الدعم

مجلة وفاء wafaamagazine

لا مكان للمعدَمين في دولة عبد الفتاح السيسي. الجمهورية الجديدة التي تُحطّم أرقاماً قياسية في بناء القصور والمباني الباذخة، لن تكون الخدمات فيها متوفّرة إلّا للمقتدرين فقط، بعدما قرّرت الدولة أن تُعفي نفسها من واجب توفير الدعم للفقراء ومحدودي الدخل، إذ تقوم خطّة النظام للتعامل مع هؤلاء، على ضرورة أن يتحمّلوا كلفة ما يريدونه بالأسعار العالمية، ومن دون مساندة حكومية، فضلاً عن فرْض المشاركة عليهم في سداد ديون البلاد

وقف الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عام 2017، متباهياً بمضاعَفة الدّعم بعد شهور من تحرير سعر الصرف وزيادة الأسعار. ومع مرور خمس سنوات على ذلك، ظَهر السيسي نفسه قبل أيام مُعلِناً انتهاء عصر الدّعم بشكل كامل.

منذ انتفاضة 1977 ضدّ الرئيس الراحل، أنور السادات، احتجاجاً على قرارات رفع الأسعار، والتي اضطَرّت الأخير إلى التراجُع عنها، لم تنجح أيّ محاولة لرفع الدعم عن المواد الأساسية والسلع، كما يحدث في عهد السيسي. الجنرال الذي صمَت، وربّما دعَم ضمناً قرارات الحكومة إبّان عمله كوزير دفاع خلال فترة تولّي الراحل محمد مرسي الرئاسة، تجنُّباً للغضب الشعبي، ما زاد من كلفة الدين، هو نفسه الذي يتحرّك اليوم بوتيرة متسارعة من أجل رفع الدعم عن مجتمع نحو 30% منه فقراء، بحسب الإحصاءات الرسمية.
منذ وصوله إلى الرئاسة في 2014، بدأ السيسي التعامُل مع ملفّ الدعم باعتباره أولوية كبيرة، ليس بسبب العبء الذي يشكّله على ميزانية الدولة فقط، ولكن باعتباره أيضاً الملفّ الأكثر حساسية الذي يمسّ المواطن البسيط بشكل مباشر. وتمثّلت الاستراتيجية التي اتّبعها السيسي في هذا المجال، في إقرار زيادات معيّنة، ثمّ المسارعة إلى سحْبها بطرق أخرى، وهو ما تَجسّد في زيادة قيمة الدعم المالية، ومن ثمّ رفعه عن المنتَجات لتُباع بالأسعار الحرّة متأثّرة بصعود الأسعار العالمية وهبوطها، وصولاً إلى القيود التي فُرضت على عمليّة التسجيل من أجل الحصول على الدعم. وفي عام 2016، ومع بروز أزمة سعر الصرف نتيجة انخفاض الاحتياطي النقدي إلى مستوى قياسي وزيادة الديون، استجاب السيسي لشروط «صندوق النقد الدولي» من أجل الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، وعمد إلى تحرير سعر الصرف الذي قفز من 8 إلى 18 جنيهاً دفْعة واحدة، متسبّباً بزيادة الأسعار بحوالى الضِعف، وارتفاع نسبة الفقر.

أغلق السيسي فرص العمل في القطاعات الحكومية أمام الجيل الجديد بالكامل

لم يجد السيسي وقتها مفرّاً من العودة إلى زيادة الدعم – إلى جانب البرامج المُخصّصة للأسر الأشدّ فقراً، والتي جرى تطبيقها قبل تحرير سعر الصرف وبَعده، خصوصاً في ظلّ انخفاض شعبيّته بشكل كبير قبل رئاسيات 2018. إلّا أن الرئيس سرعان ما حاول العدول عن ذلك القرار عام 2019، بالموافقة على وضع شروط لتخفيض الدعم المباشر للأسر، وهو ما دخَل حيّز التنفيذ بالفعل وأسفر عن إقصاء نحو 3 ملايين مواطن، قبل أن يتمّ إلغاؤه لاحقاً. وجاء هذا الإلغاء – والذي ترافَق مع فتْْح باب التسجيل لِمَن يرغب وبشروط ميسّرة نسبياً – على خلفية عاملَين رئيسَين: الأوّل، تصريحات المقاول، محمد علي، عن البذخ في مشروعات الجيش والقصور الرئاسية؛ والثاني، الغضْبة الشعبية أمام مكاتب التظلّمات. غير أنه في مقابل الاستمرار في منظومة الدعم نفسها، فرض السيسي ضرائب مبتكرة على جميع السلع تقريباً، مع تحرير أسعار الكهرباء وبيعها بالأسعار العالمية، فضلاً عن زيادة أسعار المياه والغاز المنزلي والمحروقات التي باتت تُباع تقريباً بأسعار عالمية في بلد يقلّ فيه الحدّ الأدنى للأجور عن 130 دولاراً شهرياً. واليوم، يبدو أن خطّة السيسي وصلت إلى مرحلتها الأخيرة؛ فبعدما سدّد الأثرياء كلفة الكهرباء بالأسعار العالمية، ومعهم متوسّطو ومحدودو الدخل، بات الفقراء مطالَبين أيضاً بتحمّل نصيبهم؛ إذ تمّ رفع أسعار الكهرباء بالنسبة إليهم، علماً أنه كانت تُجبى منهم مبالغ ثابتة أو بزيادات طفيفة، في وقت تراجَع فيه إجمالي مخصّصات باب الدعم في الموازنة الحالية بنحو 1.5%، مقارنة بموازنة 2021، مع زيادة مخصّصات الرئاسة ووزارة الدفاع والبرلمان وأقساط الديون وعائداتها بصورة لافتة، ومن دون مناقشة في البرلمان.
في كلّ عام، كان ينتظر الرئيس الأسبق، حسني مبارك، الجملة الشهيرة «المنحة ياريس» ليعلن عن زيادات في رواتب المواطنين، لكن السيسي قضى على هذه العبارة نهائياً، بإعلانه أنه لا أموال بعد اليوم للمواطنين، وأن على هؤلاء أن يعملوا من أجل الحصول على المال. كذلك، أغلق السيسي فرص العمل في القطاعات الحكومية أمام الجيل الجديد بالكامل، إذ أرسل رئيسُ وزرائه، مصطفى مدبولي، الشهر الماضي، خطابات إلى جميع الهيئات والمصالح الحكومية بحظر أيّ تعاقدات أو تعيينات جديدة تحت أيّ مسمّى أو لأيّ غرض، في خطوة تأتي استكمالاً لإغلاق باب التعيينات في مختلف الوظائف الحكومية منذ نحو 5 سنوات، في مخالفة واضحة للدستور والقانون الذي ينصّ على التعيين بمسابقات يجري تنظيمها من خلال جهاز التنظيم والإدارة. وبينما بات إيقاف التعيينات، والذي يتّسق مع شروط «صندوق النقد الدولي»، يؤثّر بشكل واضح على قطاعات محدّدة أبرزها التعليم والصحة، بسبب إحالة أعداد كبيرة إلى التقاعد من دون أن يتوافر بديل منها، بدأ رفع الدعم تدريجياً حتى عن موظّفي الحكومة، سواءً عبر تقليص الامتيازات المالية التي يحصلون عليها من باب ترشيد النفقات، أو حتى إلغاء الخدمات المجانية الممنوحة لهم، وهو ما يدفع أعداداً ليست بالقليلة منهم إلى اتّخاذ قرار بالتقاعد المبكر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الاخبار