الرئيسية / آخر الأخبار / الشاعر”جورج غنيمة”.. مسيرة أدبية شعرية بلغة مخملية

الشاعر”جورج غنيمة”.. مسيرة أدبية شعرية بلغة مخملية

مجلة وفاء wafaamagazine

 

كتب الزميل حسين سعد 

في القاموس المعجمي للشاعر أو للروائي، تتداخل مفردات ومشاهدات ومرئيات وأحاسيس ومشاعر تشكل مجتمعةً النسيج اللغوي المتنوع في أنماطه وأساليب كلامه، فصور مثلت بالنسبة له حقلاً معجمياً متكاملاً. طبيعتها، بحرها، وتاريخها وإرثها الثقافي والأدبي، وهي أيضًا رمز من رمزيات الاستنهاض التاريخي والتمرد في وجه كل شكل من أشكال الاضطهاد ومصادرة الحرية.

لقد كونت هذه العوامل، المتشابكة منذ ولادة الوعي عند جورج غنيمة، مسيرة شعرية وأدبية وتربوية وثقافية واعلامية مشحونة وحافلة بحصاد وافر من النتاج الشعري المنشور وغير المنشور، مشكلاً بذلك هويةً خاصة، وذاك بأسلوب راقٍ في صوغ قصيدته النثرية، التي يسكن فيها العشق، سواء للحبيبة أو الأم أو المكان بكل تنوعه البيئي والجمالي.

في حصاد جورج غنيمة الشعري، الذي ترفده “صور” وحوريات بحرها، أربعة دواوين شعرية مطبوعة وخامس ينتظر الخروج الى نور الاصدار، لتصبح خماسية حافلة بالقصائد المترفة بلغتها ذات المفردات الرخامية المخملية المرتفعة إلى حدود اللامتناهي في عالم الشعر. فديوان جورج غنيمة الأخير الصادر العام 2019 عن دار الفارابي “وحيدًا يشدو القصب مواويل البنفسج والمطر” وقد أهداه إلى الشاعر الراحل جوزف حرب قد تميز بنقلة لافتة في هيكل القصيدة بناءً ولغةً.

وكانت باكورة دواوينه في العام 2002 تحت عنوان “برق على أطباق من ورق “الذي ترجم إلى الإسبانية في جامعة “سلمنكا”، فإلى ديوان “محابر الغمام ونايات الريح” في العام 2008 فـ “مساكن بيضاء لريشة كحلية” في العام 2016. أما ديوانه الخامس المعد للطباعة فيقع في ستماية صفحة ويحمل عنوان “سفر آدم”، وفيه تمثل واستعادة فلسفية لاهوتية بالرؤيا الشعرية لتجربة وجدانية تمثلت فيها يوميات مرحلة التكوين الانساني الوجودي الأول بلسان أبينا “آدم” في الفردوس السماوي كما يقول غنيمة.

بدايات جورج غنيمة الشعرية (مواليد 1950) جار قلعة بحر صور وميناء بحارتها ومراكبها الفينيقية، كانت في سن الرابعة عشرة، وهي مرحلة البحث عن واكتشاف الذات وجوديًا وفكريًا، وذلك في إطار البحث عن مكونات “صوتك” الشعري الذي تداخلت فيه آنذاك أصوات الرواد الأوائل، ك جبران خليل جبران وأمين الريحاني وفؤاد سليمان وسائر شعراء أدب النهضة.

ويردف غنيمة في حوار مع “مناطق نت”: كان لحياتي المدرسية في إحدى المدارس الاكليريكية، حيث أمضيت ثلاث سنوات من سن العاشرة الى الثالثة عشرة في إكليركية غزير “داخلي” وتلتها أربع سنوات في دير سيدة مشموشة، فلقد شكلت تلك الحقبة مرحلة نمو الوعي الثقافي والفكري والمجتمعي في شخصي، كما شكلت رافدًا أساسيًا في المكون الثقافي العام لشخصيتي الأدبية، وكانت لي منها شرفة الإطلالة على الأدب العالمي الفرنكفوني، من خلال قراءة وترجمة شعر فيكتور هوغو ولامارتين وشارل بودلير وأرتور رامبو. وهؤلاء من صانعي الإبداعات / الركائز في الأدبية الفرنكفونية، وقد أغنى ذلك “ملكتي” الأدبية والشعرية، وفي غضون ذلك كثفت من اختباراتي في تجربة الكتابة الشعرية وذاك سعيًا مني إلى بلورة صوتي بعيدًا من تأثيرات الرواد الكبار الذين استمددت منهم قدرتي على التعبير وعلى البناء وعلى الأسلبة.

ولقد أنصرفت فيما بعد إلى التعمق في قراءة واستقراء التراث العربي والكلاسيكي منذ الجاهلية وحتى النهضة الثانية، الأمر الذي جعلني أنتقل في تجربتي إلى تعميق تقنيات مرحلة كتابة قصيدة النثر التي ذهبت إليها جاعلًا منها إطاراً فنياً شكل بالنسبة لي أفق البحث عن الحلم اللغوي والانساني في إتجاه تحقيق التوازن بين واقع بائس اجتماعيًا وسياسيًا وحلم نصبو إليه علنا نمسك به على الأقل في عالم القصيدة.

 

برأي جورج غنيمة الذي مارس تدريس اللغة العربية لعقود أن هناك في حياة كل منا مشروع أديب أو مفكر أو كاتب كامن في ذاته ينتظر مؤثرات توقظه وتنهض به وتحركه. وقد تكون تلك المؤثرات رومنسية حب أو رومنسية ثورة أو “نوستالجيات” لها صلة بمراتع الطفولة أو الطبيعة البيئية والمجتمعية. ولا شك أيضًا أن للبيئة الأسرية (والداي) تأثيراتها وأيضًا البيئة الصورية الجنوبية بنموذجها الوطني القومي الجامع بين المكونات المجتمعية في مدينة صور، من دون أن أنخرط وأنتمي حزبيًا، وإنما تماهيت مع الفكر التقدمي العلماني.

يعتبر جورج غنيمة أن النتاج الأدبي الشعري الإبداعي، ليس شرطه الكم الكيفي العشوائي في الإصدار المطبوع وإنما شرطه هو تحقيق المشروع الجمالي والفكري بتوازن بين البناء والصيغة والأسلوب والفكرة، وهذا ما سعيت وأسعى إليه وما زلت في أعمالي الشعرية الصادرة وتلك المعدة للصدور.

مقطع من قصيدة من ديوان “برق على أطباق من ورق” بعنوان “غروب” مهداة إلى أم الشاعر:

مذ ابحرت سفن النهار،
من
رصيف الدفء، في ميناء يدك، نحو
سواحل المساء إلى رصيف البرودة في ميناء يدك،
راحة كف
ما
عادت لي
بستان فاكهة شهية،
و
لا ساقية
كشجر السحاب سخية
و
بات حوضا عيني بركتين.