مجلة وفاء wafaamagazine
في لبنان مشغولون بـ «النبي نشأت»، وفي مصر بسروال منى زكي الداخلي والشخصية المثلية التي جسّدها فؤاد يمين في الفيلم. بعيداً عن الهبّة الطهرانية والمساجلات المثارة التي تعكس بؤسنا الجماعي، نتوقّف عند الشريط لنقاربه بأدوات النقد. «أصحاب… ولا أعزّ» (2022) للمخرج اللبناني وسام سميرة ما كان يستحقّ كل هذه الضجة
نحن لسنا غرباء بالكامل عن فيلم «أصحاب… ولا أعزّ». شاهدنا «غرباء بالكامل» للمخرج الإيطالي باولو جينوڤيزي للمرة الأولى عام 2016، ومن ثم أعيد إنتاج الفيلم نفسه لأكثر من عشرين مرة في بلدان مختلفة (اليونان، تركيا، إسبانيا، المكسيك، اليابان، رومانيا، روسيا، النروج، ألمانيا…) آخرها في وطننا العربي باسم «أصحاب… ولا أعزّ» (2022) للمخرج اللبناني وسام سميرة على منصة نتفليكس. من السهل معرفة سبب إعادة إنتاج هذا الفيلم مرات عديدة في فترة قصيرة. هذا النوع من الأفلام خفيف إلى حد ما وكثيف حوارياً، يشكّل تحدياً للمخرجين لتحويله سينمائياً، بخاصة أنّه يقع في الوسط بين المسرح والتيلينوڤيلا (رواية تلفزيونية). يكشف لنا الفيلم الأسرار التي يمكن لأي شخص أن يخفيها عن أقرب المقرّبين منه بحجة صعوبة شرحها. يوضح أنّ حياتنا الآن مجرد طبقة خارجية هشّة. وداخل هذا الغلاف الخارجي، نفس معقّدة، وأحداث وأسرار لا نشاركها أحداً. لكن مع وجود التكنولوجيا ولطبيعة البشر المحبة للكلام والتشارك، يمكن لجهاز الموبايل أن يحمل كلّ أسرارنا.
النسخة العربية من الفيلم لا تختلف أبداً عن الفيلم الأصلي ولا النسخ التالية. تحول الفيلم إلى نوع من الفرانشايز، كل شيء منقول من الفيلم الأصلي بالحرف واللحظة والملليمتر، مع هامش قليل من الحرية ليناسب الشريط ثقافة وروح البلد الذي ينتجه. القصة بسيطة: ثلاث أسر من زوج وزوجة ورجل أعزب، اجتمعوا على عشاء أقامه ثنائي لمشاهدة خسوف القمر. مي (نادين لبكي) وزوجها وليد (جورج خباز)، استقبلا على العشاء مريم (منى ذكي) وزوجها شريف (إياد نصار)، وجنى (ديامان بو عبود) وزوجها زياد (عادل كرم)، وربيع (فؤاد يمين). خلال العشاء، اتفقوا على لعبة صغيرة واضحة وسهلة، لكن خطرة في الوقت ذاته. اللعبة هي أن يضع الجميع هواتفهم المحمولة على الطاولة. أي رسالة أو اتصال لأي منهم، يجب أن يشارك الشخص المعنيّ الآخرين فيه ويطلعهم على فحوى الرسالة. ليس مستغرباً طبعاً الكشف عن أسرار عميقة ومظلمة. فهل يمكن الخروج من الليلة بأقل أضرار ممكنة؟
الفيلم الأصلي والنسخ اللاحقة ومنها نسخته العربية، هو ميلودراما كوميدية. نجد أنفسنا نضحك في كثير من الأحيان على أحداث لا يمكن أن نتوقعها، بغضّ النظر عن أن الأزواج والأصحاب يمكن ألا يكون بينهم أسرار. بالتأكيد اللعبة ليست بسهلة. محاكاة لاذعة وساخرة لإلقاء الضوء على حياتنا اليومية من خلال التكنولوجيا وإقحامنا لها في جميع مجالاتنا الحياتية العامة والخاصة. نظرة على النفس البشرية وما تُظهره علناً وما تضمره وتخفيه سراً، وتعقيداتها ومشاكلها. يقدم الفيلم نظرة فاحصة إلى طبيعة العلاقات البشرية التي يجب أن تكون مبنية على الثقة قبل الحب. جميع نسخ «غرباء بالكامل» تفحص وضوح حياتنا وغموضها في آن. محاكاة نفسية عن الإنسان وأقنعته المتعددة: الثقة، الحب، الصداقة، التربية، الجنس، المثلية… كل شيء تخفيه يمكن أن تخسره بمجرد لعبة صغيرة، أو الأصح أنك لم تكن صريحاً مع نفسك أولاً قبل المقربين.
بالعودة إلى «أصحاب… ولا أعزّ»، فهو منقول حرفياً تماماً كالنسخ السابقة، لذلك لم يكن هناك أي شيء جديد لتقديمه. لكن على الرغم من الأداء الجيد للممثلين على رأسهم نادين لبكي ومنى ذكي وإياد نصار، إلا أن الفيلم هو استهزاء بصناعة الأفلام واستهزاء بعقول المشاهدين العرب. يقول لنا بأن المتلقّي العربي سيشاهد أي شيء، وكل شيء سينجح من دون حتى أي جهد أو احترام للأفلام.
لا نتكلم هنا عن القصة ولا السيناريو ولا حتى التمثيل، لأن كل شيء مكتوب ومعروف، فما كان من الجميع إلا النسخ فقط. لكن هذا النوع من الأفلام، المبني على الحوار والمصوَّر بالكامل في مكان واحد، يحتاج ليكون ناجحاً إلى إتقان المخرج وجميع العاملين وراء الكاميرا. يستغرق «أصحاب… ولا أعزّ» وقتاً طويلاً للوصول إلى لعبته الكبيرة، إذ استَهلك معظم الوقت في التحضير والمقدمات غير الضرورية، مع الأخذ في الاعتبار مدى مصداقية الكيمياء بين الممثلين، على الرغم من الأداء الجيد لبعض الأفراد في بعض المشاهد. كان يجب على الفيلم أن يشعرنا مع كل هذه المشاكل والأحداث، برهاب الأماكن المغلقة، وأن يميل إلى الرعب النفسي، وهذا العنصر لم يكن موجوداً لأنه لا يتحقق بالنص أو السرد، بل بالإخراج والمونتاج والإضاءة والصوت، التي كانت كلّها مفقودة. كل حركة، وكل مضغة طعام وكل التواءة رأس، وكل خبطة من الملعقة على الصحن، يجب أن تُسمع وتُرى.
محاكاة لاذعة وساخرة لإلقاء الضوء على حياتنا اليومية من خلال التكنولوجيا
وجوه الشخصيات ونبرة حواراتها يجب أن تتغير مع كل دقيقة. تعابير وجوهها يجب أن تختلف مع كل التفاتة، وأن يسرد الضوء العام للغرفة وعلى وجوه الشخصيات قصته أيضاً. يتجلّى عدم المبالاة في صناعة الأفلام هنا. فشلت حركة الكاميرا والمونتاج في إخفاء المفهوم «المسرحي» للقصة. ليس هناك أدنى معرفة بالبصمة السينوغرافية لغرفة المعيشة حيث يتحرك ويتحدث الأبطال ولا حتى إتقان العمل على تفاصيل حركات الممثلين في ما يتعلق بالكاميرا والغرفة. الفيلم عبارة فقط عن شخصيات تتحدث. عدا ذلك، منذ التسعينيات إلى اليوم، نرى الكثير من المخرجين والتقنيين الذين عملوا ويعملون في مجال الإعلانات، ينتقلون إلى السينما. وهنا تكمن المشكلة، فلغة الإعلانات تهيمن على اللغة السينمائية، هناك فرق كبير بين الاثنتين، الإعلانات شيء والسينما شيء آخر تماماً.
«أصحاب… ولا أعزّ» بالكاد يتحول من دعابة سوداء إلى صفعة خفيفة في وجه النفاق، لكنه صفعة كبيرة جداً في وجه صناعة الأفلام اللبنانية. الأفلام ليست فقط ممثلين ومخرجاً. الأفلام هي تفاصيل صغيرة مكمّلة لإيقاع السرد و«الحدّوتة». لم يولِ صنّاع «أصحاب… ولا أعزّ» الاهتمام لأي تفصيل، ما نتذكّره فقط بعد انتهاء الفيلم هو ما ارتداه الممثلون والممثلات!
الأخبار