مجلة وفاء wafaamagazine
ليست زيارة الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، إلى الإمارات، خارجة من سياق الزيارات المماثلة التي سبقتها، في سياق تطبيع “فريد من نوعه” بدأته الإمارات مع كيان العدو، عنوانه “الشراكة الكاملة” على المستويات كافة، وإدارة الظهر لفلسطين والفلسطينيين. لكن هذه الزيارة تحديداً تكتسب أبعاداً إضافية، كونها تأتي بعد تعرُّض أبو ظبي لضربة يمنية نوعية أجبرتها على اتّخاذ خطوات “تراجعية” في اليمن، لا تزال قيادة صنعاء تضعها في خانة “المراوغة والخداع”. وإذ لا يبدو أن لدى إسرائيل “حلّاً سحرياً” يمكن أن تُقدّمه لحليفتها في مواجهة تهديدات الصواريخ والمسيّرات، التي ليس الكيان العبري نفسه آمناً منها، فإن استضافة هرتسوغ، في هذا التوقيت بالذات، من شأنها توضيح حقيقة الاصطفافات في اليمن، وتجلية الحرب على البلد الفقير بوصْفها باتت، بالفعل، حرباً بالوكالة عن إسرائيل
علي حيدر
في الظاهر، تبدو زيارة الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، إلى الإمارات، ذات طابع رمزي – في أحد وجوهها على الأقلّ -، أكثر من كونها مقدّمة لخطوات عملية، وذلك أخذاً في الاعتبار أن الضيف لا يملك صلاحيات سياسية ودستورية تؤهّله للتفاوض أو اتّخاذ قرارات في أيٍّ من القضايا الأمنية أو السياسية أو الاقتصادية، إلّا في حال منْحه تفويضاً من هذا النوع. لكن لا يَظهر أن ثمّة حاجة لتفويض كهذا، بعدما سبقه إلى أبو ظبي، رئيس الوزراء نفتالي بينيت، ووزير الخارجية يائير لابيد، ومسؤولون أمنيون. لكن هذه الزيارة تنطوي على أبعاد أخرى أشدّ خطورة؛ كونها تمثّل ارتقاء في العلاقات بين نظام آل نهيان وكيان العدو، إلى ما هو أبعد من تقاطع المصالح، وصولاً إلى الحيّزَين الاجتماعي والثقافي. وإذ يلاحَظ أن أبرز ما اتّسمت به تلك العلاقات تصاعُدها في وقت قياسي وبوتيرة ميَّزتها عن كلّ «معاهدات السلام» التي وقّعتها إسرائيل مع عدد من الأنظمة العربية، فلا يُستغرب أن يبحث ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، وهرتسوغ «الفرص المتوفّرة لتنمية التعاون على جميع المستويات، بخاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتنموية، إضافة إلى التكنولوجيا والصحّة وغيرهما، بما يحقّق المصالح المتبادلة للبلدَين وتطلّعاتهما إلى آفاق أوسع من التعاون المثمر».
وبينما تندرج زيارة هرتسوغ في إطار التطوّرات المتسارعة في المنطقة، وتحديداً في ما يتعلّق بحركة التطبيع، وتمثّل امتداداً للزيارات المتتالية التي قام بها كبار المسؤولين الإسرائيليين إلى الإمارات، ومن ضمنهم مسؤولون رفيعو المستوى في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، كما كشفت صحيفة «إسرائيل اليوم»، فقد برز فيها عبور طائرة الرئيس الإسرائيلي الأجواء السعودية في الطريق إلى الإمارات، في دلالة صريحة ومتجدّدة على كون السعودية ترعى هذا المسار وتدفع في اتّجاهه. لكن بحسب التقديرات السائدة في كيان العدو، فإنه «ما لم يكن هناك تحوّل دراماتيكي غير متوقَّع، فإن السعودية لن تسارع إلى إخراج علاقاتها مع إسرائيل إلى العلن»، على حدّ تعبير المعلّق السياسي في صحيفة «إسرائيل اليوم»، يوآف ليمور. في ضوء ما تَقدّم، تُعتبر الزيارة من منظور إسرائيلي بداية مرحلة جديدة في عملية بلورة التحالفات، عنوانها تشكيل محور مضادّ تُواجه من خلاله تل أبيب التهديدات المتصاعدة على أمنها القومي، مع عدم إغفال حقيقة أن مساعي قادة إسرائيل لإضفاء «شرعية عربية» على احتلال فلسطين، هو هدف قائم منذ اللحظات الأولى لبدء تنفيذ المشروع الصهيوني على أرض فسطين، جرّاء وجود الكيان في محيط عربي يشكّل بيئته الاستراتيجية التي تنطوي على مخاطر وفرص لأمنه القومي. مع ذلك، قد يكون لهذه المتغيّرات وجه إيجابي بالنسبة إلى شعوب المنطقة وحركات المقاومة، على رغم ما تحمله من مخاطر، كونها تكشف حقيقة المحور الذي يَسِم نفسه بـ»الاعتدال»، وتكرّس، في المقابل، ترابُط ساحات المحور المضادّ له وتداخُلها وتشارُكها في الأهداف، من اليمن إلى فلسطين. وفي هذا السياق، يمكن فهم حديث ابن زايد، خلال استقباله هرتسوغ، عن «الرؤية المشتركة مع إسرائيل تجاه مصادر التهديد للاستقرار والسلام الإقليميَين، وضرورة التصدّي لها واتّخاذ موقف دولي حازم ضدّها».
زيارة رئيس كيان العدو إلى الإمارات هي تظهير لحقيقة المَحاور المتقابِلة في المنطقة
في البُعد الاقتصادي، يفيد التقدير الاستراتيجي الإسرائيلي السنوي لعام 2022، الصادر عن «معهد أبحاث الأمن القومي»، بأن التبادل التجاري مع الإمارات بلغ حوالي مليار دولار، خلال سنة من توقيع «اتفاقيات أبراهام». ويكشف التقدير عن موقع الخليج في الخطّة الاقتصادية الإسرائيلية العامّة، من خلال ما يورده من أن إسرائيل تدفع إلى توسيع نطاق صادراتها إلى دول الخليج، بما يسهم في تعزيز النموّ في الكيان العبري، وأيضاً خفْض تكلفة المعيشة فيه عن طريق الاستيراد من الشرق عبر الإمارات، فضلاً عن تأمين الاقتصاد من تقلّبات أسعار النفط. وتكشف هذه المعطيات عن رهان تل أبيب على دور أبو ظبي في تعزيز الأمن القومي الإسرائيلي من البوّابة الاقتصادية، في إطار خطّة تهدف إلى «رفع الناتج المحلي خلال 12 عاماً إلى تريليون دولار، واقتطاع جزء منه لمصلحة تطوير قدرات إسرائيل العسكرية من أجل هزيمة أعدائنا»، وفق ما أعلن بينت قبل أيام. وفي الاتجاه نفسه، اعتبرت صحيفة «إسرائيل اليوم» أن «لدى الإمارات أمريَن أساسيَين ينبغي أن تقدّمهما لإسرائيل: الأوّل، موطئ قدم مهمّ في العالم السنّي المعتدل؛ والثاني، الكثير من المال».
الأهمّ من كلّ ما تَقدّم، أن زيارة رئيس كيان العدو إلى الإمارات، كما هي حال مَن سبقه من المسؤولين الإسرائيليين، هي تظهير لحقيقة المَحاور المتقابِلة، لا سيما في ما يتّصل بالقضيتَين الفلسطينية واليمنية. في البُعد الفلسطيني، يشكّل استقبال هرتسوغ مكافأة للاحتلال على عدوانه المستمرّ على الفلسطينيين، وتشجيعاً له على مواصلته وتصعيده، ومحاولة لإضفاء الشرعية على سياسة التطهير العرقي التي يمارسها في القدس، والاستيطان في الضفة، ومحاصرة قطاع غزة، والتنكيل بالأسرى. أمّا في البُعد اليمني، فالمؤكد أن تعزيز تحالف نظام آل نهيان مع كيان العدو، لن يوفّر للأوّل الحماية والحصانة من تعرّضه للردّ الصاروخي في مواجهة استمرار انخراطه في الحرب على اليمن، حتى لو زاره كلّ قادة الكيان. وفي كلّ الأحوال، فإن أصل الزيارة وسياقها وتوقيتها والمواقف التي تخلّلتها من قِبَل الطرفين، تؤكد حضور العامل الإسرائيلي في تلك الحرب، والتي لا يبدو من المبالغة القول إنها تَحوّلت إلى حرب بالوكالة عن إسرائيل، منعاً لتكرُّس اليمن كقوّة متوثّبة في محور المقاومة، يدرك العدو أنه في حال ارتكب أيّ حماقة ضدها، فسيتعرّض لِمَا هو أبعد من التأديب.
الاخبار