الرئيسية / آخر الأخبار / ماذا يدور في تفكير قاتل؟

ماذا يدور في تفكير قاتل؟

مجلة وفاء wafaamagazine

ضجّت الأخبار في الإيام الماضية عن حادث قتل جعل كل شخص منّا يفكّر «كيف لإنسان أن يُقدم على قتل إنسان آخر مهما كانت الظروف؟». وكثيرون منّا، شاهدوا الفيديو الذي ظهر فيه الشخص الذي قتل وبكل برودة أعصاب، خرج من مكان الجريمة وكأنّ شيئاً لم يحدث! وتساءلنا جميعنا: هل كان واعياً لفعلته؟ هل كان يعي ما الذي سيحصل لاحقاً؟ هل شعر بالخوف؟ أو ما هي مشاعره بعد القتل؟ وغيرها من الأسئلة التي يمكن أن يجيب عنها علم النفس المرضي بشكل عام وعلم النفس الإجرامي بشكل خاص. فما هو التفسير الدقيق لجريمة القتل؟ وكيف يمكن أن نفسّر التقسيم النفسي للقاتل حسب التحليل النفسي؟ وهل المجرم ضحية سلوك غير ناضج؟ ضحية مجتمع؟ أم ضحية تربية؟

لم يهتم علم النفس فقط بالنواحي النفسية والتقسيم النفسي عند الإنسان. كما لم يهتم فقط بالإختبارات النفسية التي تساعد الأخصائي النفسي في إكتشاف الإنسان وعِقَده وحاجاته. بل اهتم أيضاً علم النفس بالجرائم وتحليلها وتفسيرها… لأنّ في نهاية المطاف المجرم، كأي شخص، لديه شخصية وهي التي دفعته لإقتراف جريمته. ولكن شخصية القاتل، بشكل عام، تكون شخصية «عدوانية – منحرفة وغير إجتماعية، تجعل من القاتل شخصاً لا يشعر بالآخر. لذا وبسبب عدم القدرة للسيطرة على الذات يمكن أن يقترف جرم القتل. في هذا المقال سنتحدث عن شخصية القاتل بشكل عام وليس عن قاتل محدّد.

 

القتل والتحليل النفسي
كثيرة هي العوامل التي تؤثر على القاتل وتجعل علاقته مع مجتمعه ضعيفة جداً، فلا يشعر بالإنتماء إلى مجتمعه وإلى عائلته. ولكن قبل الغوص في التفسيرات النفسية للقتل، من المهم معرفته هو أنّ القتل، فعل عدواني من شخص أو أشخاص تجاه شخص أو أشخاص. من خلال هذا الفعل، ينهي القاتل حياة المقتول بطريقة وحشية أو لا. وبعض الأحيان، لا يشعر القاتل بشعور بالذنب، ولكن لا يمكننا تعميم ذلك.


على الصعيد النفسي، القتل هو عمل «يخترق الأسس الأخلاقية» للمجموع التي ينتمي إليها المجرم الذي قام بفعلٍ مؤذٍ ويحكم عليه القانون. ويظهر الإضطراب النفسي عند القاتل في تصرفاته، ويمكن التحدث عن عوامل أساسية وتقسيمها على الشكل التالي:
– طفولة منكوبة ومُهْمَلَةْ: كل طفل بحاجة للحب والحنان والعاطفة والإهتمام لكي يشعر بالقوة والإنتماء للعائلة. ولكن الأطفال الذين عاشوا طفولة بائسة وحزينة وفيها الكثير من الحرمان على جميع الأصعدة وحجز الحرية والتعبير عن الذات… وغيرها من الأمور، تخلق عندهم شعوراً بالإنسلاخ عن الواقع (وهذا الشعور ليس ذهانياً) وبالتالي لا يشعر هذا الشخص بأية مشاعر تجاه الآخرين، لأنّ «فاقد الشيء (الحب، العاطفة، الإهتمام… لا يعطيه)، فعندما يقتل، لن يشعر أبداً بالندم.


– إضطراب في النمو العاطفي عند الإنسان: خصوصاً خلال مرحلة المراهقة. فقسوة الحياة التي يمكن أن يشعر بها الطفل خلال يومياته، تصبح «حاجة» للشعور بالأنا (أو بالذات). لاحقاً هذه القسوة تنتقل من مشاعره الداخلية إلى التطبيق ضمن يومياته. وهنا العلاقة الظاهرة ما بين إضطرابات النمو العاطفي (قسوة الحياة التي تولد هذا الإضطراب) وظهور السلوك الإجرامي.

 

– الأنا الأعلى غير «مكتملة»: من أهم المراحل التي يجب ان يمرّ فيها كل شخص، هي مرحلة «أوديب» التي تنتهي من خلال تكوين «الأنا الأعلى» عنده. ومهمة الأنا الأعلى هي منع الشخص من ارتكاب الخطأ. فتشكّل «الأنا الأعلى» ضمير الإنسان والقوانين والأعراف… التي يجب إحترامها وتطبيقها. ولكن عند الشخص المجرم، المعادلة تختلف لأنّ، وحسب التحليل النفسي، الأنا الأعلى لم تتكوّن بسبب مشكلة في مرحلة «أوديب».


– البيئة المتزعزعة: خلال فترة الطفولة يتمّ التكوين النفسي عند الإنسان. وعادة تكون البيئة مطابقة للتكوين النفسي عنده. فإذا كانت البيئة التي ينتمي إليها الشخص صحية و»نظيفة»، فالتكوين النفسي عند الإنسان يكون أيضاً متزناً والعكس صحيح. ولكن لا يمكننا أن نعمم تلك الفكرة، لأننا نجد بعض الأحيان، بيئات قاسية، وبالتالي تظهر منها شخصيات مميزة وخلوقة. طبعاً الطباع والوعي النفسي والنضج الفكري والأصدقاء،… كلها تلعب دوراً أساسياً في هذا التوازن النفسي.


ما الذي يحدث في ذهن القاتل؟
خلال القتل، معظم القتلة يعبّرون عن «عدم الوعي» خلال إقتراف جرمهم، كما خلال تحليل الوضع النفسي والإجتماعي للقاتل، نجد بأنّ أكثريتهم عاشوا حياة تعيسة ومحزنة. لذا يمكن أن نتساءل، هل للمجتمع دور في الجريمة؟ طبعاً لا، فكثير من الأشخاص يعيشون مآسي في حياتهم، طفولة معدمة وعلاقات معدومة مع الأب والأم مع بيئة غير متزنة… ولا يصبحون قتلة. هناك أسباب نفسية كامنة هي التي تدفع الشخص الى الإجرام مع أسباب إجتماعية ولا نضج فكرياً أو عاطفياً أوعلائقياً. وبالتالي لا يمكن أن نعتبر بأنّ الإجرام يُتداول من خلال الوراثة بشكل مطلق. كما لا يمكن أن نعتبر الإجرام يتمّ تعلمه من خلال التربية، لأنّ في بعض المَافيات العالمية، يكون احد أفراد الأسرة، بالرغم من تلقّيه التربية نفسها، بعيداً كل البعد عن الأفكار الإجرامية والسلوكيات العدوانية.

عن Z H