مجلة وفاء wafaamagazine
في الوقت الذي يمضي العالم قُدماً للاحتفال باليوم الدولي للمرأة، نلحظ عقارب ساعة حقوق المرأة تسير إلى الوراء. وهو تراجع ندفع جميعاً ثمنه.
أنطونيو غوتيريش
ولقد أبرزت الأزمات التي توالت مدفوعاً بعضها ببعض في السنوات الأخيرة كيف أصبح اضطلاع المرأة بدور قيادي أكثر أهمية منه في أي وقت مضى.
فقد تصدّت النساء لجائحة كوفيد-19 تصدي الأبطال كطبيبات وممرضات وعاملات في مجالي الصحة العامة والرعاية الاجتماعية.
ومع ذلك، فقد كانت النساء والفتيات، في الوقت نفسه، أول الخاسرين في مجالي الوظائف والتعليم، حيث تولّين مزيداً من أعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر، وواجهن مستويات فائقة الارتفاع من الإساءات المنزلية والسيبرية والزواج في سن الطفولة.
وقد أبرزت الجائحة على نحو أكثر سفورا حقيقةً قائمة منذ عهود طويلة، ألا وهي أن النظام الأبوي عميق الجذور. فما زلنا نعيش في عالم يُهيمن عليه الرجال وتطغى فيه الثقافة الذكورية.
وبات من الأرجح نتيجة لذلك أن تقع المرأة في براثن الفقر سواء في أوقات اليُسر أو العسر. إذ يتم التضحية برعايتهنّ الصحية وتقليص تعليمهن والفرص المتاحة لهن.
ولا يمكن، ونحن نتطلع إلى المستقبل، أن نحقق انتعاشا مستداما يعود بالنفع على الجميع بالتساوي إلا إذا كان انتعاشا لصالح المرأة – انتعاشا يكون في القلب منه تحقيق التقدم لصالح الفتيات والنساء.
إننا نحتاج إلى تحقيق تقدم اقتصادي من خلال الاستثمارات التي تستهدف تعليم المرأة وتوظيفها وتدريبها وإتاحة العمل اللائق لها. وينبغي أن تكون المرأة في صدارة المستفيدين من الـ 400 مليون وظيفة التي دُعينا إلى إتاحتها بحلول عام 2030.
ونحن في حاجة إلى تحقيق تقدم اجتماعي من خلال الاستثمارات في نظم الحماية الاجتماعية واقتصاد الرعاية. فهذه الاستثمارات تحقق عوائد ضخمة، إذ تتيح فرص عمل خضراء ومستدامة، وتدعم في الوقت نفسه أفراد مجتمعاتنا الذين يحتاجون إلى المساعدة، بمن فيهم الأطفال وكبار السن والمرضى.
ونحن في حاجة إلى تحقيق تقدّم على الصعيد المالي، إلى إصلاح نظام مالي عالمي مفلس أخلاقيا، حتى تتمكن كل البلدان من الاستثمار في انتعاش اقتصادي يركز على المرأة. وهذا يشمل تخفيف أعباء الديون وتطبيق نظم ضريبية أكثر عدلا توجه بعض مكامن الثروة الهائلة في كل أنحاء العالم إلى مَن هم في أمس الحاجة إليها.
ونحن في حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وتحوُّلية في مجال المناخ، إلى عكس اتجاه الزيادة المتهورة في الانبعاثات وأوجه عدم المساواة بين الجنسين التي جعلت النساء والفتيات معرضات للخطر بشكل جائر. ويجب على البلدان المتقدمة النمو أن تفي على وجه السرعة بالتزاماتها في شأن التمويل والدعم التقني من أجل الانتقال المنصف من الوقود الأحفوري. فالاقتصادات الخضراء والشاملة للجنسين والمستدامة هي التي سيكتب لها النجاح والاستقرار في المستقبل.
ونحن في حاجة إلى تولي مزيد من النساء دفة القيادة في الحكومة والأعمال التجارية، بما يشمل تعيينهن وزيرات للمالية ورئيسات تنفيذيات، وإلى وضع وتنفيذ سياسات خضراء وتقدمية اجتماعيا تعود بالنفع على جميع شعوبهن.
فنحن نعلم، على سبيل المثال، أن وجود مزيد من النساء في البرلمانات يرتبط بالتزامات مناخية أقوى ومستويات أعلى من الاستثمار في الرعاية الصحية والتعليم.
ونحن في حاجة إلى إحراز تقدم سياسي من خلال تدابير محددة الأهداف تكفل للنساء المساواة في تولي المواقع القيادية والتمثيل على كل مستويات صنع القرار السياسي، من خلال تخصيص حصص جريئة لهن.
فاللامساواة بين الجنسين هي أساسا مسألةُ موازين قوى. ذلك أن اقتلاع قرون من النظام الأبوي يتطلب تقاسم السلطة على قدم المساواة في كل المؤسسات وعلى كل المستويات.
وقد حققنا في الأمم المتحدة، لأول مرة في تاريخ المنظمة، التكافؤ بين الجنسين في مناصب الإدارة العليا في المقر وكل أنحاء العالم. وأدى ذلك إلى تحسين قدرتنا بمقدار كبير على التعبير عن المجتمعات التي نخدمها وعلى تمثيلها بشكل أفضل.
ويمكننا، في كل خطوة نخطوها على الطريق، أن نستمد الإلهام من النساء والفتيات اللواتي يضغطن من أجل إحراز تقدم في كل مجال وفي كل ركن من أركان عالمنا.
فالناشطات الشابات في مجال المناخ يَقدن حالياً الجهود العالمية للضغط على الحكومات للوفاء بالتزاماتها.
وتطالب الناشطات في مجال حقوق المرأة بشجاعة بالمساواة والعدالة، ويقُمن ببناء مجتمعات أكثر تمتعا بالسلام بوصفهن حفظة سلام وصانعات سلام وعاملات في المجال الإنساني في بعض مناطق العالم المضطربة وخارجها.
وفي المجتمعات التي تنشط فيها حركات حقوق المرأة في شكل حيوي، تكون الديموقراطيات أقوى.
وعندما يستثمر العالم في توسيع نطاق الفرص المتاحة للنساء والفتيات، تفوز البشرية جمعاء.
إن مقتضيات العدالة والمساواة والأخلاق ومجرد المنطق السليم توجب علينا أن نوجه عقارب ساعة حقوق المرأة إلى الأمام.
إننا في حاجة إلى انتعاش مستدام لمصلحة المرأة تكون النساء والفتيات في مركزه والقوى الدافعة له.
الجمهورية