
مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت الديار :
انتفض “حزب الله” أخيراً على ملف ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي، كما على الوساطة الأميركية في المفاوضات غير المباشرة التي تجري لترسيم الخط البحري الحدودي والتي يؤدّيها اليوم آموس هوكشتاين، الذي قال عنه رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمّد رعد أخيراً بأنّه “جاء الى لبنان في الأيام الماضية للعب دور الثعلب في قِسمة الجبنة بين المتخاصمين”.. كما ردّ على أقاويله بأنّ الحفر في المياه قد يُظهر وجود “حقل غاز مشترك” بين لبنان و”الإسرائيلي”، بالتشديد على “أنّنا نُبقي الغاز مدفوناً في مياهنا الى يوم نستطيع فيه أن نمنع “الإسرائيلي” من مدّ يده الى قطرة ماء من مياهنا.. ولسنا قاصرين، وليعلم ذلك العدو، ومن يتواصل معه، من وسيط وغير وسيط”. وهدّد رعد بأنّ “الإسرائيلي لن يتمكّن من التنقيب عن الغاز في جوارنا ما لم نُنقّب نحن عن الغاز ونستثمره كما نريد”..
وبعد هذه الإنتفاضة من قبل المقاومة، سارعت الإدارة الأميركية لطرح عرض جديد على لبنان لم ينقله الوسيط الأميركي هوكشتاين هذه المرّة، الذي كان سيزور لبنان لتبلّغ الردّ اللبناني على طرحه السابق خلال شهر آذار الجاري، بل جرى تمريره للسفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا والتي حملته بدورها في رسالة الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون… هذا الطرح الجديد الذي حيّد نفسه عن مسألة “تقاسم وتوزيع موارد الحقول النفطية في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان والعدو الإسرائيلي”، بعد انتقادات رعد، عارضاً ترسيم “خطّ متموّج”، كما أُثير في وقت سابق، يجعل كامل “حقل قانا” من حصّة لبنان، وكامل “حقل كاريش” للجانب الإسرائيلي، وذلك بغية التوصّل الى اتفاق سريع، يُعطي لبنان فرصة البدء بأعمال الإستكشاف والتنقيب في البلوك 9، وتحديداً في “حقل قانا” الذي يدخل ضمنه. كما يُتيح للإسرائيلي بمتابعة عمله في “حقل كاريش” من دون أي تهديدات أو مخاطر أمنية قد تُخيف أو تُعيق عمل شركات النفط العالمية.
فهل انتفاضة المقاومة في ملف الترسيم تعني “فشل المفاوضات غير المباشرة”، وبالتالي وقف عملية التفاوض بوساطة أميركية، أم أنّها جاءت لوضع النقاط على الحروف أمام الطروحات الأميركية التي تهدف بالدرجة الأولى الى تامين مصالح “العدو الإسرائيلي” ومصالحها، وليس مصلحة لبنان، على ما تدّعي؟! وهل سيعود هوكشتاين الى لبنان والمنطقة، وهل سيتمّ توقيع اتفاق ما بين لبنان والعدو الإسرائيلي بواسطة الأميركي، أم عدنا الى نقطة الصفر في المفاوضات غير المباشرة؟! وهل سيُعيد لبنان الرسمي النظر في مسألة درس عرض هوكشتاين، الذي تبدّل أخيراً، عبر اللجنة الخاصّة التي تشكّلت لهذه الغاية، لا سيما بعد موقف الحزب من الملف ككلّ ومن الوساطة الأميركية بشكل خاص؟!
أوساط ديبلوماسية متابعة لملف ترسيم الحدود البحرية والبريّة، ذكرت بأنّ “حزب الله” يرفض العرض بالمطلق، كما المشاركة في اللجنة التي تدرس الطرح الأميركي الجديد كون وزير الأشغال العامّة والنقل علي حميّة من حصّته، وأنّ ممثّلاً عن رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي يجب أن يكون ممثّلاً في اللجنة، وأنّه يترك التفاوض للدولة اللبنانية، وما الى ذلك.. وأوضحت أنّ الحزب يتخذ سلسلة مواقف في الوقت نفسه، ستجعل الجميع يتوقّف الآن، ويأخذ حذره.
وبحسب رأيها، فقد آن الأوان لكي يُشمّر اللبنانيون عن سواعدهم ويقاربوا المفاوضات بجديّة أكثر وبموقف واحد موحّد لأنّهم يواجهون عدواً شرساً يُريد أن يُضيّق عليهم مجالهم البحري الطبيعي الذي يكرّسه القانون الدولي. فما يُواجه لبنان حاليّاً ليس “مزارع شبعا بحريّة”، بل هو “اجتياح وغزو بحرّي”.
وهل يعني هذا أنّه لن يكون هناك أي إتفاق قريب أو سريع لترسيم الحدود البحرّية، على ما كان يريد هوكشتاين من جهة، ولهذا وضع شهر آذار الجاري كآخر مهلة لانتهاء مهمّته التي وصفها بالفرصة المتاحة أمام لبنان للبدء بإنتاج وبيع الغاز والنفط وتسديد ديونه وتحسين وضعه الإقتصادي المنهار، وما كان يتمنّاه رئيس الجمهورية من جهة ثانية كونه يريد توقيع اتفاق الترسيم كإنجاز مهم له قبل نهاية عهده، أجابت الأوساط بأنّه “قد يحصل “إعلان نوايا” أو “بيان مشترك” لبناني- أميركي.
وإذا كان يُسهّل “إعلان النوايا” هذا بدء عمليات التنقيب من الجانب اللبناني لا سيما في البلوك 9 أو في “حقل قانا”، أشارت الى أنّه عندما تُشاهد الدول الكبرى والشركات الأجنبية صلابة وأحقيّة وجديّة اللبنانيين، ستُبادر هي الى التنقيب في المناطق الأخرى خارج المنطقة المتنازع عليها.. فالغاز والنفط غير محصورين في البلوكات المتطابقة من منطقة النزاع.
وفي المقابل، لفتت الأوساط الديبلوماسية الى أنّه بمجرد النظر إلى خريطة الخطوط البحريّة التي يطرحها العدو، يتبيّن لنا كيف أنّ نواياه غير سليمة تجاه لبنان على الإطلاق. فكلّ الدول على شاطئ البحر المتوسط مناطقها الإقتصادية الخالصة تنطلق من الشاطئ وتنفتح متوسّعة كلّما ابتعدت إلى داخل البحر، إلّا في حالة لبنان. كلّما ابتعدنا إلى داخل البحر، نجد أنّ المنطقة الخالصة التي يُخصّصها لنا العدو تضيق وتنقبض.