مجلة وفاء wafaamagazine
تزايَد الحديث في الأسبوع الماضي عن إمكانية فرض الولايات المتحدة عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، مع تأكيد المتحدّثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، أن واشنطن «منفتحة» مع شركائها على احتمال اتّخاذ مثل هذه الخطوة. وأشارت بساكي إلى أن بلادها تبحث في التأثيرات المحتملة لذلك على الأسواق العالمية وأسعار الطاقة في الولايات المتحدة. كما برزت مواقف للمستشار الألماني، أولاف شولتز، أعلن فيها أن برلين تعمل لتخفيف اعتمادها على الغاز الروسي. وفي هذا الشأن، كشفت وزارة الاقتصاد الألمانية أن بنك «كيه أف دبليو» الألماني وقّع مذكّرة تفاهم مع شركتَي الطاقة، «نيديرلاندسه خاسيوني» الهولندية و «آر دبليو إي» الألمانية، لبناء محطّة غاز طبيعي مسال في مدينة برونسبويتل الساحلية، شمالي البلاد. من جهتها، تحدثت «وكالة الطاقة الدولية»، يوم الخميس الماضي، عن خطّة من عشر نقاط لتقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي بنحو 50 مليار متر مكعّب (أي بمقدار الثلث)، خلال سنة واحدة.
وتعتمد أوروبا على روسيا في نحو 40 في المئة من الغاز الطبيعي الذي يأتيها معظمه عبر خطوط «أنابيب يامال-أوروبا» التي تَعبر بيلاروس وبولندا إلى ألمانيا، و»نورد ستريم 1» الذي يذهب مباشرة إلى ألمانيا، أكبر مستهلك للغاز الروسي، مروراً بأوكرانيا. ووفقاً لمركز «Bruegel» للأبحاث، لا يزال الاتحاد الأوروبي يدفع ما يصل إلى 660 مليون يورو (حوالى 722 مليون دولار) يومياً لروسيا، أي حوالى ثلاثة أضعاف المستوى الذي كان قائماً قبل أن تهاجم الأخيرة أوكرانيا. وعلى رغم كثرة الحديث الغربي عن إمكانية الاستغناء عن الغاز الروسي، إلّا أن البنك الدولي يعتبر أن ذلك لا يزال غير ممكن في الوقت الحالي، مع وجود أمل في أن يتغيّر الوضع في السنوات الخمس المقبلة. وفي الاتجاه نفسه، أكد عدد من خبراء الطاقة، في تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال»، أن «استبدال الغاز الروسي ليس بالأمر السهل»، مضيفين أن «مصادر الطاقة المتجدّدة ستستغرق وقتاً أطول لإحداث فرق». ولفت الخبراء إلى أن المورّدين الأقرب إلى أوروبا، مثل النرويج والجزائر وأذربيجان، غير قادرين على زيادة الإنتاج بشكل كبير، متابعين أن «الروابط الداخلية بين شبكات أنابيب الغاز في أوروبا غير مكتملة، ممّا يجعل من الصعب توزيع أيّ غاز إضافي موجود».
أمّا موسكو، فلا تزال تؤكد استمرارها في العمل على تزويد أوروبا بالغاز، الذي زادت تدفّقاته بحدود الضعف في الأيام الماضية، وفق ما أفادت به شركة «غازبروم» الروسية. وبشأن العقوبات المحتملة على قطاع الطاقة، تبدو روسيا مطمئنّة إلى أن هذا الخيار صعب اللجوء إليه في المدى القريب، وفق محلّلين. وفي هذا الإطار، يلفت الخبير الرائد في «مؤسّسة أمن الطاقة الوطنية»، ستانيسلاف ميتروفيتش، إلى أن «فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي ستكون له تداعيات كبيرة على السوق»، خصوصاً أن روسيا هي ثالث دولة في العالم من حيث إنتاج النفط وأكبر مصدّر له (حوالي 5 ملايين برميل يومياً أي 12% من التجارة العالمية)، وأن صادراتها من المنتجات البترولية تبلغ 2.85 مليون برميل يومياً (15% من التجارة العالمية). بدوره، يعتقد الخبير في «معهد الطاقة والتمويل»، سيرغي كونغراتييف، أنه وفقاً للظروف القائمة، «من المستحيل وقف استيراد الغاز الروسي من قِبَل الاتحاد الأوروبي»، مشيراً إلى أنه «ليس ثمّة بدائل جدّية في العالم، بالنظر إلى أن الدول القادرة على تعويض غياب روسيا في الساحة الدولية، أي إيران وفنزويلا، لا يمكنها لعب دور فعّال على المدى المنظور».
حذر الكرملين من تداعيات فرض قيود على شراء النفط الروسي
وإذا كان الغاز الطبيعي المسال هو الوحيد القادر فعلياً على تعويض غياب روسيا، فإن الأمر سيعتمد كثيراً على الولايات المتحدة وقطر. وبحسب الأرقام، تنتج قطر الآن 77.7 مليون طن سنوياً (طن واحد من الغاز الطبيعي المسال يعادل 1.4 آلاف متر مكعب من الغاز الطبيعي). لكن المشكلة الرئيسة هي أن 85% من هذه الكمّيات قد جرى حجزها، منها نحو 70% مُوجّهة إلى السوق الآسيوية. أمّا الولايات المتحدة، فبلغت التقديرات في شأن إنتاجها في نهاية 2021 نحو 72 مليون طن، وفي الحدّ الأقصى يمكن أن تصل إلى 87 مليون طن. ويرى الخبراء أنه في الأشهر المقبلة يمكن لواشنطن والدوحة أن تساهما في سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي بمقدار 35 مليار متر مكعب إضافي، إلّا أن ذلك يظلّ أقلّ من صادرات الغاز الروسية، والتي تُقدَّر بنحو 200 مليار متر مكعب كلّ عام.
وعلى رغم ما تَقدّم، يبقى السؤال الأهم ما مدى ارتداد فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي على الاقتصادَين الروسي والعالمي؟ في هذا الشأن، حذر الكرملين من تداعيات هكذا عقوبات، منبّهاً على لسان المتحدث باسمه، دميتري بيسكوف، إلى «عواقب وخيمة ستقلب أسواق الطاقة العالمية». بدورهم، تحدّث الخبراء الروس عن «ضربة خطيرة للإنتاج المحلّي والوظائف، فضلاً عن عائدات الميزانية الروسية»، التي حقّقت، وفقاً لدائرة الجمارك الفيدرالية، 493.3 مليار دولار من الصادرات العام الماضي، نحو 54% منها من بيع النفط والغاز. كذلك، سيشكّل أيّ قرار بفرض عقوبات على قطاع الطاقة ضربة لخطط الحكومة الروسية لمواجهة العقوبات الأخيرة، وتحديداً مسألة إلزام المصدّرين ببيع 80% من إيراداتهم بالعملة الصعبة لدعم الروبل. على أن هذه الأضرار لن تقتصر على موسكو وحدها، بل إن أوروبا كلّها ستتضرّر بشكل كبير، فضلاً عن الانعكاسات التي ستطاول الاقتصاد العالمي، وفق ما بدأ يظهر في ارتفاع أسعار النفط والغاز إلى مستويات كبيرة في الأسبوع الماضي، مع تحذيرات من احتمال أن يتخطّى سعر برميل النفط 150 دولاراً.
وتتناغم التحذيرات الروسية في هذا الشأن مع رأي مركز «Bruegel» للأبحاث، الذي قدّر أن ملء مخزون كافٍ من الغاز في أوروبا قبل الشتاء المقبل، سيكلّف ما لا يقلّ عن 70 مليار يورو بالأسعار الحالية، مقارنة بـ12 مليار يورو في السنوات السابقة. وفي الاتجاه نفسه، نبّه مدير برنامج الطاقة والمناخ في «مركز دراسات الديموقراطية» في بلغاريا، إلى أنه «إذا توقّف الغاز الروسي، فلن يكون هناك سقف للأسعار». كذلك، خفضت شركة «كابيتال إيكونوميكس للأبحاث» توقّعاتها للنمو الاقتصادي في منطقة اليورو في 2022 بنحو نقطة مئوية واحدة على خلفية العقوبات. وقالت إن «إنهاء تسليم الغاز الروسي يمكن أن يقلّل النموّ بمقدار نقطتَين مئويتَين أخريَين ويؤدي إلى ركود».