مجلة وفاء wafaamagazine
“لدي أسوأ حظ في العالم، يا إلهي كم أنا مشؤوم”، “لقد فشلت للتو في اختبار الرياضيات؛ أنا لست جيدًا في أي شيء في حياتي”، “هذا الشخص كذب علي، الجميع كاذبون”. نقع جميعًا في دوامة إطلاق هذه الأحكام وتعميمها بخاصة بعد التعرُّض لتجارب سلبية صادمة.
صحيح أنه من الطبيعي أن تساورك بعض تلك الأفكار التي تشعرك بالتشاؤم من وقت إلى آخر، إلا أن اتباعها بصورة دائمة مع مختلف المواقف المتغيرة قد يجني على حياتك.
ما التشوهات الإدراكية؟
ما سبق عبارة عن أمثلة على التشوهات المعرفية والأنماط الإدراكية المشوشة التي تجعل الناس يفسرون الواقع بطرق غير دقيقة يهيمن عليها التشاؤم والسلبية.
وهي أخطاء متكررة تتبعها في نمط تفكيرك، تؤدي إلى تشويه تصورك للحياة وتقييمك للظروف والأشخاص من حولك، لأنك عندما تعاني تشوهًا معرفيًّا، فإن تفسيرك غالبًا سيكون منحازًا وغير واقعي أو موضوعي.
صحيح أنها ظاهرة تحدث لكثير من الناس، لكن إذا تم تعزيزها واتباعها مع مختلف الأمور يُصاب الشخص بالتبعية بأمراض نفسية وعقلية مزمنة.
إذ تؤدي التشوهات الإدراكية إلى الإصابة بأمراض القلق المزمن والاكتئاب وتُهدد العلاقات وجودة الحياة.
كيف نُصاب بهذا النوع من تشوهات الإدراك؟
تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص يصابون بتشوهات معرفية كطريقة دفاعية عند التعامل مع أحداث الحياة الصعبة، وكلما طال أمد الأحداث القاسية وشدّتها زاد احتمال حدوث تشوه معرفي طويل الأمد عند المصاب.
تشير إحدى النظريات، حسب موقع “هيلث لاين” (Healthline) للصحة، إلى أن البشر يميلون إلى تطوير تلك المفاهيم المشوهة كنوع من أسلوب البقاء، حمايةً للنفس من المخاطر المُحتملة.
بعبارة أخرى، يمكن أن يدفع التوتر بعض الناس إلى تطوير تفكيرهم بطرق يظنون أنها مفيدة كي يظلوا بخير وفي حماية.
ليس بالضرورة أن تكون الأفكار عقلانية أو صحيحة أبدًا، بخاصة عند اتباعها لمدد طويلة وفي ظروف متباينة، ولكنها تتأصل وتصبح أقوى عند المصاب كلما تعرض للضغوط المثيرة التي تعزز شعور الخوف والإحساس بالخطر.
أنواع التشوهات الإدراكية
نمط الأبيض والأسود
يُعرف نمط “كل شيء أو لا شيء على الإطلاق” بتفكير “الأسود والأبيض”، أو التفكير المستقطب.
يتضمن هذا النوع من التفكير مشاهدة الأشياء من منظور مطلق وحصري؛ فالمواقف دائمًا إما صواب أو خطأ، وإما نجاح أو فشل.
وتكمن مشكلة هذا النوع من التفكير في أنه لا يسمح أبدًا بالاعتراف بأي شيء وسطي أو نسبي، وذلك يُضعف الدافع والثقة عند المصاب ويجعل من الصعب التمسك بالأهداف الطويلة المدى.
على سبيل المثال، إذا أخفقت في اختبار واحد ترى نفسك فاشلا أكاديميا.
التعميم المفرط
يحدث التعميم عندما تضع قاعدة بعد حدث واحد أو سلسلة من المصادفات، وتطبقها على الظروف المتغيرة الأخرى.
ومن علامات الإصابة بهذا النمط المشوش للتفكير استخدام كلمات مثل “دائمًا” أو “مطلقًا” باستمرار. ونظرًا لخبرة واحدة في موقف واحد، فإن ذلك يستدعي افتراض أن جميع الأحداث المستقبلية ستكون لها النتيجة نفسها.
وعادة ما يرتبط التعميم المفرط بتطور اضطرابات القلق المختلفة والمعاناة من اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD)، لأن الناس عندما يمرون بتجربة سيئة في موقف ما فإنهم يفترضون أن الشيء نفسه سيحدث مجددًا بالصورة نفسها.
التقليل من قيمة الإيجابيات
استبعاد الإيجابيات هو تشوه إدراكي يتضمن تجاهل أو إبطال قيمة الأشياء الجيدة التي تحدث لك، فترجعها إما إلى الحظ المحض أو إلى خطأ الآخرين.
وحسب موقع “فيري ويل مايند” (Very Well Mind) للصحة النفسية، فعند تحقيق نجاح مهني معين تُرجع الأمر إلى إخفاق مرؤوسيك في تقييمك بدقة، أو إلى الحظ فقط.
وعندما يستخدم الناس هذا النمط الإدراكي فإنهم يرون الإيجابيات كأنها حظ أو حدثت بالخطأ. ونظرًا لأن الإيجابيات تُقدر دائمًا على أنها استثناء غير واقعي، فلا يتوقع المصاب حدوثها مرة أخرى.
يقوِّض هذا التشوه إيمانك بقدراتك، ويصيبك بالإحباط وتدنّي القيمة.
وبدلًا من التعرف على قوتك، فإنك تفترض أنك لست مؤهلًا، وإنما حالفك الحظ فقط، أو استطعت خداع الآخرين.
القفز للاستنتاجات
هناك 3 طرق متّبعة في القفز إلى الاستنتاجات:
قراءة الأفكار: عندما تعتقد أن شخصًا ما سيتفاعل بطريقة معينة، أو تعتقد أنه يفكر في أشياء بعينها. مثلاً، الحُكم على شخص أنه يتحدث عنك بمجرد أنه نظر إليك.
التكهُّن: عندما تتوقع أن الأحداث ستؤول إلى نتيجة معينة، وتشرع في التشاؤم استعدادًا لوقوع خطب ما. مثلًا، الاعتقاد أنك ستموت إذا ما انفصل عنك شريك حياتك ولن تجد السعادة أبدًا.
التهويل: يرتبط التهويل بالقفز للاستنتاجات، وفي هذه الحالة تقفز نحو أسوأ نتيجة ممكنة في كل سيناريو، مهما كان غير واقعي، وغالبًا ما يأتي هذا التشوه المعرفي مع أسئلة مثل “ماذا لو؟”.
على سبيل المثال: ماذا لو لم يرن المنبه، وتأخرت عن الاجتماع، وطُردت من العمل بعد أن عملت بجد كل تلك السنوات؟
شخصنة الأمور
تقودك الشخصنة إلى الاعتقاد بأنك مسؤول عن الأحداث الخارجية بأكملها، وغالبًا ما يؤدي هذا التشوه المعرفي إلى الشعور بالذنب أو إلقاء اللوم وتوجيه الاتهامات لنفسك وللآخرين.
وبالشخصنة يمكنك أيضًا أن تأخذ الأمور على محمل شخصي مفرط.
على سبيل المثال، إذا تحدث صديقك عن معتقداته الخاطئة في ما يتعلق بالتربية ستعدّ كلماته هجومًا على أسلوبك مع طفلك.
طرق تصويب التشوهات الإدراكية
يمكن عكس معظم أنماط التفكير اللاعقلانية بمجرد إدراكك لها، وهذا ينطبق أيضًا على التفكير السلبي. ومع ذلك، قد تترافق التشوهات المعرفية أحيانًا مع اضطرابات نفسية وعقلية، مثل اضطرابات الشخصية، وذلك يجعل علاجها أكثر صعوبة.
وتساعد الاستعانة بمتخصص بالصحة النفسية في العلاج السلوكي المعرفي في معرفة الطرق الأمثل لتصويب المشكلة الأساسية لكل معتقد.
في غضون ذلك، حاول أن تتذكر أن ما يزعجك في كثير من الحالات ليس الأحداث نفسها، بل أفكارك وتقديرك وتفسيرك للأمور.
صحيح أنك قد لا تتمكن من تغيير الأحداث، ولكن يمكنك العمل على إعادة توجيه أفكارك وتغيير نظرتك للعالم من حولك.
ومن خلال التغييرات التالية وفقًا لموقع “سايك سنترال” (Psychcentral) للصحة النفسية، يبدأ التعافي:
مراجعة أفكارك: إذا كان هناك حدث يزعجك فابتعد عنه نسبيًّا وركِّز على ما تقوله لنفسك عن الأمر بشكل موضوعي. استبدال “المُطلق” بمجرد التركيز على أفكارك وتحديد نمط سلبي، فكر في استبدال عبارات مثل “دائمًا” و”لا شيء” بـ”أحيانًا” و”ربما”.
تعريف نفسك والآخرين: حاول تصنيف السلوك لا أن تعمم المفهوم على نفسك والآخرين، بمعنى أنه بدلًا من تصنيف الآخر “بالكسول” حدد أنه احتاج إلى يوم إضافي للراحة قبل مساعدتك.
تركيز الإيجابيات: حتى لو كان الأمر صعبًا في البداية، ماذا لو وجدت على الأقل 3 أمثلة إيجابية لكل شيء.
ومن خلال إدراك الأفكار السلبية وإعادة توجيهها، يمكنك تحسين مزاجك ونوعية حياتك بشكل جذري.