مجلة وفاء wafaamagazine
كلفت وزارة الثقافة اللبنانية أمينة التراث السيدة ندى غندور تمثيل لبنان في المعرض التاسع والخمسين للفن المعاصر في بينالي – البندقية، ولمعرفة اهمية الموضوع على الصعيدين الثقافي والفني بالنسبة للبنان، أجرت “الوكالة الوطنية للاعلام” مقابلة مع غندور لفتت فيها الى أن “لبنان الوطن، يغرق اليوم في أزمات متنوعة. من هنا تبرز الحاجة الماسة لمحاولة الخروج منها، من خلال رسم مشهد ثقافي حافل يعبر عن جراحنا وإنجازاتنا. فالازمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عصفت بلبنان منذ نهاية العام 2019 هي غير مسبوقة. وسيردد مبنى الارسنال في البينالي صداها عبر أعمال الفنانين اللذين تم اختيارهما، واللذين حافظا على الحوار الجمالي والسياسي، وهما المخرجة السينمائية وصانعة الأفلام التسجيلية دانيال عربيد من الجالية اللبنانية والفنان التشكيلي أيمن بعلبكي من بيروت. ولذلك فإن وجود لبنان في البندقية يستجيب لهذه الدعوة”.
واعتبرت أن لمشاركة اللبناني في معرض البندقية أهمية كبرى، إذ “نستطيع تسليط الأضواء على الفنانين اللبنانيين وإظهار تميز وثراء الفن اللبناني”، شددت على أن “طموحنا هو نشر رسالة قوية لتشجيع الفنانين اللبنانيين على الاستمرار رغم الصعوبات التي تمر بها البلاد. إنها أيضا رغبة شديدة في الحفاظ على المشهد الفني والحديث عن لبنان في جميع أنحاء العالم من خلال فنه وثقافته”.
وأضافت: “يشرفني جدا أن أكون المفوضة العامة للجناح اللبناني. استجاب لدعوتي متخصصون بارزون متعلقون بتاريخ بلدي وثقافته وابداعه وكذلك رعاة محبون للبنان وآتون من خلفيات مختلفة ونحن مجموعة كبيرة نستثمر طاقاتنا بغية تحقيق هذا الحدث الاستثنائي المكرس لبلد يمر بظروف لا تقل استثنائية”.
وتطرقت الى عنوان الجناح اللبناني “العالم على صورة الانسان”، معتبرة أن “الجناح اللبناني في المعرض يهدف الى التأثير الدائم للخيال البشري على واقع العالم. وفي معرض العالم على صورة الإنسان، يشكل الخيال مصدر إلهام لحياتنا اليومية ويغذيها أكثر من أي وقت مضى. فنقطة انطلاق الفنانين هي نفسها، شوارع بيروت، مدينة شهيدة كما هي مدينة المستقبل”.
وقالت: “الفنانان أيمن بعلبكي ودانيال عربيد ينسجان عن بعد حوارا سياسيا وجماليا من خلال أعمال بعيدة قريبة في آن واحد. ويرتبط العملان بالموضوع نفسه، ويعيدان النظر في الموضوع العالمي للحالة الإنسانية في العصر الرقمي. وتؤدي بيروت، المدينة العالمية، دور المسرح حيث يتجسد هذا الموضوع الذي لا يعرف حدودا، فيستطيع الأشخاص من جميع الثقافات تناول هذا الموضوع واستئثاره من منظورهم الخاص”.
وتابعت: “إن الفن وحده هو القادر على فك رموز رؤيتنا وإعادة صياغتها وترجمتها بشكل أو بآخر. وهكذا، يصبح العمل الضخم الذي صممه أيمن بعلبكي صورة ذهنية باتت حقيقة بفضل عمله التشكيلي، فيما يتحول فيديو دانيال عربيد إلى واقع ملموس أصبح رؤية نقية في عينها. ويعكس هذا الحوار الذي ينسجه الفنانان مع مدينة بيروت المنافسة التي تشتد ضراوة بين الواقعي والافتراضي، وهذه النقلة النوعية التي أثرت في بيئتنا وأنشطتنا المتنوعة فأنشأت مكانا أصبح مشتركا للإنسانية جمعاء”.
أضافت: “عرف لبنان أيضا التقاليد والحضارة ومنذ القدم شكل قضية إقليمية مهمة. وبما أنه همزة وصل بين الشرق والغرب، لطالما عانى رغما عنه ضغوطا خارجية كانت في كل مرة تغير عمل الإنسان الفني الأكثر إنجازا ألا وهو المدينة. واليوم أكثر من أي وقت مضى، تؤدي المأساة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بلبنان منذ سنة 2019 إلى جعل بيروت محط أنظار العالم، هذه المدينة الشهيدة ومدينة المستقبل الصاعد. وقد اختارت دانيال عربيد وأيمن بعلبكي الحضارة المتعددة المعاني موضوعا للتأمل والإبداع، بين الافتراضي والواقعي، في خضم اضطرابات الأزمة العالمية وعدم الاستقرار العاطفي لعلاقة تكنولوجية خاصة بالعالم”.
عربيد
وعرضت عربيد مقطع فيديو بعنوان “ألو، حبيبتي” Allô Chérie وأيمن بعلبكي نصبا يدعى “بوابة يانوس” Janus Gate ويفسر البعد السياسي لهذين العملين على ضوء الوضع الراهن في لبنان. فيقترن السباق المحموم إلى جني الأموال بالعنف الذي يحتدم اليوم في لبنان. أما المضاربة العقارية التي تعد بالأحلام فتخفي الهلاك وتضلل المشتري. وبدأ القلق بشأن الانهيار الاقتصادي والسياسي في لبنان يتمظهر أكثر فأكثر. ويحيي كلاهما بوسائله الخاصة وبسيرهما على خيط العودة الأبدية جسد لبنان في خضم فوضاه وكمال جماله.
وأكدت أن “الفيديو الذي سيتم عرضه عمل يستجيب من خلال لقطاته لعمل أيمن. في هذا العمل، إن الشخصية في الفيديو وهي أمي في الحقيقة، تشبه صورة هذا البلد فإنها تجسده، بعقليتها القاتلة، حبها للمخاطرة، واندفاعها للحياة. إنها مأسورة في سباق جامح لكسب المال تجول في سيارة حول مدينة بيروت. إن كفاحها مرتبط ارتباطا وثيقا بالعنف المسيطر في لبنان اليوم الذي عاشته بلدان أخرى، في أوروبا أو أماكن أخرى”.
بعلبكي
من جهته، شدد بعلبكي على أنه انطلق من مدينة بيروت “التي أراها مدينة غنية بالأماكن الأخرى بحسب مفهوم ميشال فوكو. فإن بيروت هي مكان مغاير وزمن مغاير في آن واحد، كما لو كانت تتطور باستمرار في زمانين مكانيين مختلفين لهما حدود معينة. وهكذا، استنادا إلى شكل كلمة لبننة التي تشير إلى تفكك الدولة، أقترح كلمة البيرتة للإشارة إلى الأماكن التي تنغص عليها المتاريس والكتل الخرسانية، أي للإشارة إلى تقطيع المدينة وتقسيمها إلى كتل منفصلة”.
وتابع: “فكرت عندئذ في يانوس، الإله الروماني الذي يملك وجهين، الذي ينظر إلى الداخل والخارج، الماضي والمستقبل. لقد بنيت هيكلا تتعايش فيه مساحتان: مساحة خارجية مشعة ومساحة داخلية تشبه جميع الأحياء الفقيرة في العالم، أو تمثل صورة خيالية بعض الشيء لهذه الأحياء الفقيرة”.
وردا على سؤال، قال: “سيقام معرض العالم على صورة الإنسان في إحدى غرف الارسنال (l’Arsenal de Venise)، هذا المبنى المصنف كمعلم تاريخي. كان على سينوغرافيا الجناح اللبناني أن تلبي متطلبات مشروع تنظيم الأعمال الفنية، أي فكرة الحوار التي تعتبر عاملا أساسيا في روح هذا المشروع. وكصدى لأعمال عربيد وبعلبكي، تقدم المهندسة المعمارية ألين أسمر دامان جولة في قلب لبنان: تتخذ الهندسة المعمارية للجناح شكل صدفة بيضاوية صلبة لتشير بذلك إلى العهد الأبدي بالنهضة والوحدة. يدعو الشكل الهندسي المغلف الأعمال إلى الحوار من دون حيل، بل وجها لوجه وعبر تقصير المسافات، كما هو حال محادثة فطرية وطبيعية”.
وأضاف: “تشير الهندسة المعمارية الأولية للجناح اللبناني إلى الآثار المعاصرة للمشهد العمراني اللبناني، وإلى البيضة في وسط المدينة لجوزيف فيليب كرم، وإلى مبنى المعرض الدولي رشيد كرامي وأوسكار نيماير في طرابلس”.
إشارة الى أن هذا المعلم السينوغرافي الذي تبلغ مساحته 150 مترا مربعا تقريبا، والمستمد من العمارة ال brutaliste التي ازدهرت في لبنان منذ الستينيات، يشير إلى تجوال أيمن بعلبكي ودانيال عربيد في بيروت. تغطي المعلم ألواح منحنية مطلية بنسيج خرساني يشير إلى هذه المدينة التي هي طور إعادة بناء دائمة. يفتتح روشن العمل على الهيكل البارع للسقف الفينيسي في مثابة دعوة إلى الارتفاع.