مجلة وفاء wafaamagazine
بين كانون الثاني (يناير) الماضي (مرحلة تسجيل المغتربين)، والسادس والثامن من أيار (مايو) الحالي (انتخابات المغتربين)، مسار واحد رسمَ المعادلة الإعلامية اللبنانية التي أحدثت انقلاباً على نفسها قبل ثلاثة أعوام، أي تاريخ تظاهرات «17 تشرين»، واستكملته في آب (أغسطس) 2020، عقب انفجار مرفأ بيروت. مسار اتّكأ على خطاب مستجدّ على الساحة الإعلامية اللبنانية، يسوّق لقوى تكنّي نفسها بـ «التغييرية» وتشيطن الأحزاب التقليدية، ما خلا «القوات» و«الاشتراكي» و«الكتائب»، المصنّفة في قاموس هذه المنصات بأنها «معارضة»، تتلاقى مع «قوى الثورة»!
خمسة أشهر مرّت على شاشات رهنت نفسها طيلة الفترة الماضية، الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية في الأسبوع المقبل، لوجوه وأسماء تعاقبت على مساحات إعلامية انتخابية دعائية، سوّقت لها ولحضورها الانتخابي رغم تشرذمها وتشتّت لوائحها، في مقابل إقصاء واضح لباقي القوى المكوّنة للأطياف اللبنانية. مشهد قابلته «نهضة» لافتة من قبل قنوات حزبية، صمتت طيلة السنوات الثلاث الماضية، وتركت الساحة مباحةً لشيطنة أحزابها، وتحميلها مسؤولية الانهيار. وإذ بها، قبل الاستحقاق الانتخابي، تستنهض قواها، وتعمل على شدّ العصب من جديد، في محاولة لاستعادة شعبية أحزابها، أو تصحيح البوصلة التي حرّفت عن مسارها. هذه المشهدية المنقسمة بين شاشات تروّج لقوى «المجتمع المدني» و«التغيير» (الجديد، lbci وmtv)، وأخرى تحاول استعادة زمام الأمور بأدواتها الخاصة (المنار وotv)، عادت وتظهّرت يومَي الجمعة والأحد الماضيين، عقب انتخابات المغتربين التي امتدت على يومين اثنين، وشملت في المرحلة الأولى، مشاركة عشر دول عربية إلى جانب إيران، بلغت النسبة الكبرى منها في سوريا (84%)، وإيران (74%)، فيما دخلت 48 دولة أمس دائرة انتخابات المغتربين من ضمنها الإمارات، ودول غربية أوروبية وأميركية وأفريقية يتواجد فيها اللبنانيون المغتربون.
اللافت في كل هذه العملية التي رافقها الصمت الانتخابي، قفزة واضحة للقنوات الثلاث المهيمنة، التي بدت على شاشاتها مظاهر البذخ والاستعداد اللوجستي مع انتشار مراسليها في أكثر من نقطة حول العالم. هكذا، في وقت قياسي، فتحت هذه الشاشات منابرها، ليطلّ المراسلون المنتشرون في القارات الأوروبية والأميركية والأفريقية، وفي الداخل غيّرت بعض القنوات حلّتها في نشرة الأخبار، كما فعلت lbci، التي نفضت عنها مظاهر الديكورات والغرافيكس القديمة، واتّشحت باللون الأحمر في استديو الأخبار، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة عنوانها الانتخابات، مع اتخاذها شعار «Elections 2022 الاغتراب» لمواكبة انتخابات المغتربين. وكما دأبت lbci خلال مرحلة تسجيل المغتربين، على رفع شعار «التغيير»، والاحتفاء بالأعداد الكبيرة للناخبين في الخارج، كذلك فعلت في انتخابات المغتربين، مع دعوتها للتصويت «للتغيير» أو vote for change عبر شاشتها، واستعراضها صوراً أرشيفية عن الانهيار المالي والتظاهرات الشعبية وتفلّت السلاح، وتوظيفها للحضّ على معاقبة الطبقة السياسية. في التغطية الحيّة لانتخابات المغتربين، التي جاوزت فيها مساحة النشرة الإخبارية المسائية الثلاث ساعات، بدا مضحكاً في مكان ما قاله مراسل المحطة يزبك وهبة، وجزمه بأن السعودية شهدت «اقتراعاً كبيراً» للمجتمع المدني، من دون أن يملك أدلة حسية على هذه المعلومة. كذلك كان لافتاً التقرير المطوّل الذي أعدّه عن العلاقة التاريخية التي جمعت لبنان بالدول العربية منذ قرن تقريباً. تقرير (4:25)، تكرّر مراراً على شاشة lbci، تضمّن سرداً للمراحل التي مرت بها هذه العلاقة بين مدّ وجزر، ولم يخلُ من امتداح الإمارات وقطر والسعودية على دعمها السياسي والمالي للبنان، والجزم في الختام بأن لا «بديل للبنان عن أشقائه العرب».
استعراض صور أرشيفية عن الانهيار المالي والتظاهرات الشعبية وتفلّت السلاح، وتوظيفها بهدف «معاقبة الطبقة السياسية»
على شاشة «الجديد»، لم يكن المشهد مغايراً، بل ربما فاقعاً أكثر، مع التغطية المنحازة والموجهة في انتخابات المغتربين. قبل انتهاء عملية الانتخابات في الخارج والداخل، جزمت المحطة في مقدمة نشرة أخبارها، بأن «المزاج العام للبنانيين المهاجرين كان يصبّ في مصلحة التغيير وإزالة أسباب الهجرة التي اضطروا إليها على خلاف إرادتهم». المحطة ذهبت في مغالاتها إلى حدّ اعتبار أن مئتَي صوت انتخابي اغترابي «سيبدلون معادلة الداخل ويقلبون حواصل صناديقها»، وأنّ «أصواتهم ستصوّب البوصلة»، وتمنح «الأمل في إصلاح ما أفسده دهر السياسيين». كلام لاقى ترجمة فورية لدى مراسليها في الخارج، إذ دأب بعضهم على توجيه أسئلة معلّبة إلى الناخبين لدى استصراحهم. على سبيل المثال، كرّرت ريف عقيل للمستصرحين في باريس سؤالاً حول تغيير «خياراتهم السياسية»، وآخر حول إسهام العملية الانتخابية في «تغيير الأوضاع في لبنان»، وتردادها أكثر من مرة بأن هناك «رغبة كبيرة في المشاركة في التغيير» بعد كل الذي مرّ على لبنان من أزمات. وأضافت أنّ العاصمة الفرنسية التي تضم أكبر جاليات المغتربين اللبنانيين، تشهد على «صرخة عدد كبير منهم لانتهاز فرصة التغيير». كذلك، لاقتها زميلتها رواند أبو ضرغم، في أبو ظبي، التي جزمت بدورها بأن هناك «نقمة على من أوصل البلاد إلى الانهيار»، وأن العاصمة الإماراتية تشهد على ما وصفته بـ«النقمة على الأحزاب» والرغبة في «التغيير» وبناء «لبنان أفضل». «الجديد» التي روّجت لهذه القوى، خيّم الالتباس على مواكبتها لانتخابات المغتربين، في محاولتها لإسقاط نتائج هذه الانتخابات على موعد 15 الجاري، في انتخابات المقيمين على الأراضي اللبنانية. فقد حاولت في أحد تقاريرها إسقاط نتائج المغتربين على نتائج الأحد المقبل، والجزم بأن هناك «مزاجاً شعبياً قد تغيّر بعد 17 تشرين وانفجار المرفأ». التقرير استضاف الخبير الإحصائي ربيع الهبر، الذي أكد بأن انتخابات الجمعة الفائتة، سجّلت النسبة العليا من المشاركة من سوريا وإيران، وبالتالي صبّ معظمها في لوائح «الثنائي الشيعي»، ولفت إلى أن هذا الأمر سينسحب على العملية الانتخابية المقبلة. ورغم بروز هذه النتيجة، الا أن التقرير أصرّ على السؤال بأن «هناك تغييراً حاصلاً» في لبنان!
حاولت «الجديد» إسقاط نتائج المغتربين على ما ستؤول إليه انتخابات الأحد المقبل
على مقلب mtv، بدت نسبة التحريض السياسي والطائفي بشكل أعلى، إذ دعت قناة «المرّ» أول من أمس، اللبنانيين المغتربين الى التصويت للرد على «7 أيار». وكلنا يعلم ما يعني هذا التاريخ في قاموس المحطة من اختزال وتضليل وتحريض على المقاومة. فقد دعت في مقدمة نشرة أخبارها يوم السبت، المغتربين إلى التصويت للرد على «7 أيار» أي بحسب مفهومها للردّ على «الدويلة»، و«السلاح المتفلّت»، و«الاستقواء»، و«التفرد بقرار السلم والحرب». ولم تتوانَ المحطة عن استكمال تحريضها عندما استهجنت مراسلتها في برلين جويس عقيقي، وجود 10 آلاف شخص من الطائفة الشيعية، واقتراعهم «للثنائي الشيعي». عقيقي لم تكتف بهذا التصريح التحريضي الفاقع، بل راحت تسأل سفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب عن «احتلال أهل الجنوب واستيلاء الشيعة على السفارة»! في مقابل هذه البروباغندا الجازمة بنتائج انتخابات المغتربين، والرافعة للواء «التغيير» على طريقتها، وتضليلها للرأي العام، بما أنها تتّكئ على توقعات وتبيع أوهاماً، كانت otv، تصفّي حساباتها مع «القوات» التي اتهمتها بتقصّد شرذمة العائلات والناخبين في الخارج عبر عملية التسجيل، بخلاف ما كانت تتهم به حلفاءها. كذلك كان لافتاً في تغطية المحطة لهذه الانتخابات ــ التي للمناسبة بدت متواضعة مقارنة باستعدادات باقي القنوات ـــ امتداح جبران باسيل، الذي «ناضل مع تياره لأجل تحقيق وإقرار حق المغترب في الاقتراع» بحسب المحطة البرتقالية. كذلك، ركّزت على النسبة المتدنية للمشاركة «السنّية» في الاقتراع في السعودية، وأكدت بأن ذلك «مؤشّر» إلى ما سيكون عليه الاقتراع السني في الداخل اللبناني. من جهتها، بدت «المنار» مرتاحة على وضعها، من خلال استخدام ورقة المخالفات الانتخابية التي اقترفتها «القوات» وغيرها من الأحزاب في الدول العربية، لتبين مدى خواء خطابها الذي يتهم «حزب الله» بالهيمنة والتضييق على الناخبين. وإذ بهذه الأحزاب ـــ تبعاً للمحطة ــ تسجّل، خصوصاً في السعودية، «تجاوزات وترهيباً في أقلام الاقتراع».
سلّم على الصّمت الانتخابي
قبل دخول لبنان مرحلة الصّمت الانتخابي الذي سرى ليل الخميس الماضي، مع حلول انتخابات المغتربين على دفعتَين يومَي الجمعة والأحد الماضيَين، بدت القنوات، سيّما المهيمنة منها، في سباقٍ مع الوقت، مع تخصيصها مساحات أكثر للمرشّحين، وتقصير نشراتها الإخبارية كسباً للمزيد من هذا «البيزنس». إذ إن التّحايل بدا واضحاً في التغطيات. أوّل من أمس، قطعت كلٌّ من «الجديد» وmtv، وlbci، نشراتها الإخبارية ونقلت مهرجان «مؤسسة العرفان التوحيدية» وكلمة رئيس الحزب «الاشتراكي» وليد جنبلاط، بحضور نجله تيمور، المرشح للانتخابات النيابية. كذلك، عرضت lbci، برنامجها الانتخابي، «نصّ المزح جد»، حيث ظهرت المرشّحة جينا شمّاس في خرق لقانون الانتخاب. في مقابل هذه الخروقات على الشاشات، كانت المنصات الافتراضية سيّما تويتر، تشهد ضجيجاً عالياً، ومنافسة واضحة بين الأحزاب والمرشّحين. تكفي نظرة سريعة على قائمة «التريندينغ» اللبناني، لنرى المناكفات ومساحات الترويج للمرشّحين، وأيضاً الصراعات السياسية التي تتجلّى على موقع التدوين المصغّر، ويصل بعدها إلى درجة عالية من التوتّر وشدّ العصب الطائفي والسياسي.
انبطاح وتهديد
في انتخابات المغتربين، عاد مشهد الانبطاح لبعض الإعلاميّين والناشطين نحو دول الخليج. انتخابات المغتربين في الإمارات أمس، كانت فرصة لهؤلاء كي ينشروا تغريدات تمتدح بـ «ديموقراطية» الإمارات وتنظيمها هذه العملية، مع دعوتهم إلى إحداث «التغيير» في وجه «سلطة قطعت سبل عيشهم». وعلى الخط «الديموقراطي» عينه، برزت بعض الأصوات «القواتية» التي راحت تهدّد علناً مناصري «التيار الوطني الحرّ» في السعودية، من المشاركة في الانتخابات والإدلاء بأصواتهم، متّكئين على تاريخ المملكة وأيضاً أبو ظبي، في قمع الأصوات واعتقال المعارضين. إذ بدا واضحاً من مضامين هذه التغريدات تهديد هؤلاء المناصرين بملاقاة مصائر لبنانيّين اعتُقلوا في هاتين الدولتَين مثل ريشار خراط وسمير صفير، وانسحاب المشهد عينه عليهم.
الأخبار