مجلة وفاء wafaamagazine
صحيح أن الرئيس سعد الحريري، بعد استعادته من أسره السعودي في تشرين الثاني 2017، لم «يبق البحصة» كاملة، محتفظاً حتى الآن بـ «تفاصيل الرواية الحقيقية لغدر سمير جعجع به»، لكنه لم «يبلعها» كلها. سرّب الحريري بعض أسرار هذا الغدر، وفي أحيان كثيرة وجّه الاتهام بشكل علني، تاركاً العنان لجمهوره وبعض المسؤولين في التيار في الهجوم. اللسعة القواتية لا تزال آثارها حاضرة، وترجمتها رفض سنيّ لدعم لوائح القوات في الانتخابات أو التصويت لمرشحين قواتيين، رغمَ كل الدعم السعودي لجعجع.
ومع أن تحريض القوات اللبنانية على الحريري لدى السعوديين خرج إلى العلن بعد التسوية الرئاسية مع العماد ميشال عون، إلا أن «كتابة التقارير» كانت سابقة لذلك، وتعود إلى المرحلة التي كان فيها الملف اللبناني في يد بندر بن سلطان حتى عام 2014 (عندما كانَ رئيساً للاستخبارات السعودية). واستمر التحريض بوتيرة أعلى، لاحقاً، في ظل قيادة خالد الحميدان لجهاز الاستخبارات السعودي مع بدء «عصر» محمد بن سلمان. وهو ما يؤكّده مضمون وثائق خاصة حول علاقة التنسيق بينَ القوات والاستخبارات السعودية (خلال ولاية بندر خصوصاً)، والتي كانَ يديرها عن معراب النائب بيار بو عاصي عندما كانَ يتولّى مسؤولية مكتب القوات في باريس. في هذا المكتب، كانت تعقد اللقاءات التنسيقية بينَ الطرفين بإشراف بو عاصي ومساعده زياد لحد، ورحاب مسعود، الموظف «المقرب جداً» من الأمير بندر.
السنيورة مدقق حسابات وبخيل
بعد قرار ولي العهد محمد بن سلمان إقصاء الحريري عن المشهد السياسي في لبنان وإجباره على عدم الترشح للانتخابات النيابية، بدأ الحديث عن «حالة فوضى وتشتت» في الطائفة السنية، وتزايدت الدعوات المُطالبة بمقاطعة الانتخابات، خصوصاً من جمهور المستقبل. الانكفاء السني وتداعياته السلبية على وضعية بعض مرشحي القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، دفعت معراب إلى مطالبة الرياض بتكليف الرئيس فؤاد السنيورة العمل على ملء الفراغ الذي خلّفه غياب الحريري. لكن النتائج جاءت مخيبة للآمال مع رفض قسم وازن من جمهور تيار المستقبل ومن قيادييه التعامل مع السنيورة. الأداء السعودي التدميري للواقع السني في لبنان (الذي يساهم فيه بشكل كبير السفير السعودي في بيروت وليد البخاري)، استفزّ قيادات سعودية كانت معنية في فترات سابقة بالشأن اللبناني، من بينها الفريق التابع لبندر بن سلطان، وعلى رأسه رحاب مسعود. ويحمّل هؤلاء جعجع مسؤولية ما آلت إليه أوضاع الطائفة السنية في لبنان بفعل تحريضه المستمر على الحريري بسبب رفض الأخير الصدام مع حزب الله وإقحام السنّة في محرقة. أوساط قريبة من مسعود كشفت عن بعض مضامين التحريض الذي مارسه جعجع ضد الحريري، ولم تسلَم منه قيادات أخرى في 14 آذار كانت تُعتبر حليفة للقوات، مثل حزب الكتائب وبعض الشخصيات المسيحية المستقلة.
لم تترك القوات، في إطار تحريضها على الحريري، صفة تضرب صورته إلا وأدرجتها في رسائلها. بحسب مضمون رسائل اطلعت «الأخبار» على بعضها، يتمتّع الحريري، في رأي القوات، بـ«حضور شعبي وإعلامي جيد لدى الطائفة السنية، لكنه يفتقِد الحس السياسي والرؤية الاستراتيجية، كما يفتقِر لمعرفة كيفية إدارة أي مواجهة. ولا تنسجِم خطواته في أغلب الأحيان مع الأهداف التي يريد بلوغها». ومن ضمن ما نقلته الرسائل القواتية التحريضية أن الحريري «لا يتمتّع بشخصية قوية وقدراته التنظيمية محدودة، فضلاً عن تأثّره بالمحيطين به وحتى بعض مرافقيه، وتنقصه صفات القيادة الحقيقية». وفي السنوات الأخيرة، «فقد الحريري الكثير من مصداقيته في الدول الغربية، حيث لم يثبُت فعالية أثناء تولّيه رئاسة الحكومة لأن قدرته على التركيز والعمل الجدي محدودة، وثقافته الفكرية والسياسية ضعيفة».
التحريض القواتي، وإن كانَ موجهاً على الحريري بشكل كبير، لم يستثن قيادات أخرى في 14 آذار. التقارير التي أرسلت إلى «المشغّل» السعودي طاولت الرئيس السنيورة الذي تعتبره القوات «أكثر صلابة وثباتاً من الحريري، لكن تنقصه صفات القيادة الحقيقية». وهو، إضافة إلى أنه «بخيل، تطغى عليه صفة مدقّق الحسابات. ليسَ شفافاً ولا يُعبّر عن آرائه العميقة. يصلح أن يكون ضمن فريق عمل لا أكثر إذ لا امتداد شعبياً له».
ومن بين الوشايات القواتية، واحدة تناولت العلاقة بين الحريري والسنيورة، جاء فيها أنه «بعدَ استشهاد رفيق الحريري، بدأ صراع بينَ الرجلين بقيَ صامتاً. وقد بدأ الصراع إثر اختيار السنيورة لترؤس أول حكومة بعد ثورة الأرز، ما جعل الحريري والفريق المحيط به يتخوفان من احتلال السنيورة للواجهة السياسية. ومنذ عام 2005 كانَ هدف جماعة الحريري احتواء السنيورة في دور محدد. فعند تسلّم الحريري رئاسة الحكومة قام بتبديل الكثير من كبار الموظفين في السراي الحكومي، لأنهم من فريق السنيورة». وبحسب رسائل التحريض القواتية «احتدم الصراع لاحقاً بسبب بعد الحريري عن الساحة الداخلية وبقاء السنيورة في الداخل، ما جعله (السنيورة) نقطة استقطاب لكل العلاقات والاتصالات السياسية، بالتالي تخوّف الحريري من أن يتحوّل السنيورة إلى رقم صعب في معادلة تيار المستقبل الداخلية، لذا كانَ يعمد إلى ضرب عرض الحائط بكل ما كان يفعله السنيورة في الداخل للقول بأنه هو صاحب القرار».
الكتائب يشبِه قطر
شبّهت الرسائل القواتية دور حزب «الكتائب» بـ «دور دولة قطر في مجلس التعاون الخليجي، حيث الهمّ الأساسي هو التمايز عن بقية المكونات». إضافة إلى ذلك «يعيش آل الجميل همّ إعادة أمجاد الماضي رغم أنهم بعيدون كل البعد عنها. فالدور الذي يطمحون إليه أكبر بكثير من إمكانات أمين وسامي الجميل الفردية أو الشعبية». وتقول الرسائل إن «الرئيس أمين الجميل مر عليه الزمن، ولا يُمكِن أن يلعب دوراً فعلياً في المستقبل، وتطغى عليه المصلحة الآنية المباشرة»، وأن الجميل الأب كما السنيورة «بخيل، وهذا كلّفه السقوط في الانتخابات النيابية عام 2007». وذكّرت «القوات» بـ «عهد الجميل الفاشل، إذ كادت أن تنتهي الجمهورية مع انتهاء عهده»، متهمة إياه بأنه «قصير النظر إلى حدّ تسليم السلطة لميشال عون عام 1988».
وصفت رسائل القوات للرياض الحريري بأنه يتأثر بالمحيطين به وحتى بعض مرافقيه ويفتقد صفات القيادة الحقيقية
رغم ذلك، قد تُعتبر الوشاية القواتية بأمين الجميل «أرحمَ» من تلكَ الخاصة بنجله سامي الذي وُصف بأنه «نسخة مشوهة من والده وعمه بشير، ويعاني مشاكل نفسية وشخصية عميقة جداً». ومع أن «ثقافته السياسية والقانونية كما مقاربته الإعلامية جيدة»، لكن «الخلفية الأساسية لمواقفه هي التمايز عن الآخرين ما يجعل التعامل معه في غاية الصعوبة، لأن مواقفه لا تنبع من مبادئ ورؤية بل تهدف للتمايز وهذا ما يفسر علاقته بوالده وبالقوات».
وشايات متفرقة
إلى ذلك، تولّت الرسائل القواتية تصنيف عدد من قيادات 14 آذار. من بين هؤلاء نائب رئيس مجلس النواب السابق فريد مكاري الذي وصفته بأنه «محسوب على تيار المستقبل»، وميشال فرعون «المقسوم بين القوات والمستقبل»، إضافة إلى بطرس حرب ودوري شمعون وميشال معوض الذين «يدورون في فلك المستقبل وهم أقرب إلى سعد الحريري».
الأخبار