مجلة وفاء wafaamagazine
مع انتهاء كلّ موسم كروي، يكثر الحديث عن اللاعبين والمدربين دون ذكر الحكّام. قضاة اللعبة الذين يمتصّون الغضب في سبيل العدل، يظهرون ويعتزلون في صمتٍ بعيداً عن الأضواء، وقد أسفر هذا الموسم على تعليق ثلاثة حكّام لصافراتهم
كرة القدم ليست عادلة بحق الكادر التحكيمي. لا من حيث الأضواء، التقدير أو البدل المادي. محرك المباريات الأساسي ليس سوى شخصية ثانوية على الرقعة الخضراء بالنسبة إلى الجماهير والمدربين، الذين ينهالون بالشتائم والإهانات على الحكّام بعد كل قرار.
حتى بعد إضافة تقنية حكم الفيديو المساعد «VAR»، يستمر التحكيم في مكانته كإحدى أصعب الوظائف في كرة القدم تبعاً لتحليل وتدقيق كل قرار يُتّخذ. المسؤولية ليست محصورة داخل المستطيل الأخضر فحسب، بل هي حول الملعب كله. الحكم محط أنظار الجميع، وهو المتلقّي الأساسي لكلمات وتصرفات اللاعبين، الأجهزة الفنية، الجماهير ووسائل الإعلام. الضغط الشديد من مختلف الجهات له تأثيرات سلبية ذهنياً ونفسياً قد تساهم تباعاً في حصول نتائج عكسية على قرارات سير المباريات، على أن ينتهي كل لقاء يقوده الحكم بمصافحة ومصالحة أو محاضرة قانونية.
مايك دين في الواجهة
وضع الحكم الشهير، مايك دين، حدّاً لمسيرته بشكل رسمي بعدما أدار آخر مواجهة له في ختام منافسات الموسم الحالي من الدوري الإنكليزي الممتاز لكرة القدم، التي انتصر فيها تشلسي على خصمه واتفورد بهدفين مقابل لا شيء. ويعود سبب الاعتزال، حسب ما أكده دين سابقاً في تصريحاتٍ لصحيفة «سكاي سبورت»، إلى شعوره بعدم القدرة «على مجاراة النسق العالي للمباريات».
ظهر دين، البالغ من العمر 53 عاماً، لأول مرة في الدوري الإنكليزي الممتاز عام 2000 وتولى منذ ذلك الحين مسؤولية 559 مباراة، أظهر خلالها أكثر من 2000 بطاقة صفراء، وطرد أكثر من 100 لاعب كما أنه منح 183 ركلة جزاء.
لطالما أثار دين الجدل خلال المباريات التي أشرف على تحكيمها، بدءاً بأسلوبه الفريد في توجيه البطاقات دون النظر إلى وجه المتلقي نهائياً، مروراً بشخصيته «المتعالية» واتهامه بالانحياز إلى فريق توتنهام.
تعود أسباب ربط اسمه بتشجيع توتنهام (هو في الواقع من مشجعي نادي ترانمير روفرز المتعصبين) إلى حادثتين بدا خلالهما وكأنه يحتفل بأهداف «السبيرز»، خلال مباراتين كان يديرهما بنفسه: الأولى عندما قفز عالياً بعد الهدف الذي أحرزه لويس ساها في ديربي شمال لندن عام 2012 (قرر دين حينها عدم احتساب خطأ للاعبي توتنهام ومنحهم فرصة مواصلة اللعب)، ثم ظهوره وهو يمد ذراعيه بعد هدف موسى ديمبيلي عام 2015 في مرمى أستون فيلا (أوضح دين منذ ذلك الحين أنّ ما كان يحتفل به حقاً هو قراره بعدم إيقاف اللعب). تجدر الإشارة إلى أنّ جماهير آرسنال تكنّ عداءً خاصاً تجاه دين، لدرجة أن 100 ألف شخص من هذه الجماهير وقّعوا ذات مرة على عريضة تطالب بمنعه من التحكيم مجدداً. ولم يكن المشجعون فقط هم من يظهرون العداء لمايك دين الذي أثار أيضاً حفيظة الكثير من اللاعبين والنقاد حيث وصفه البعض بأنه «يريد أن يكون مركز الاهتمام»، مع توجيه آخرين انتقادات لاذعة عن أدائه خلال تحليل بعض المباريات. عموماً، لن ينتهي دين من «إزعاج» الناس بعد اعتزاله، حيث قال إنه سيعمل بدوام كامل حكماً لتقنية الفيديو المساعد (VAR).
كان مايك دين يستيقظ في الثالثة صباحاً ليذبح 140 ألف دجاجة
وفي تصريحاتٍ نقلتها صحيفة «ديلي ميل»، استعرض دين أكثر لحظات مسيرته إثارةً مشيراً إلى أن مباراة مانشستر سيتي الشهيرة ضد كوينز بارك رينجرز التي تُوج فيها السيتي في الدقائق الأخيرة بهدف أغويرو عام 2012 كانت أفضل مباراة شارك فيها، مع تأكيده بأنها «أفضل نهاية على الإطلاق ولن يتم تجاوزها مرة أخرى أبداً».
يعتقد البعض بأن دين جعل اللعبة أكثر حيوية بسبب شخصيته «الشريرة» في العرض الكروي، لكن هناك أيضاً وجهة نظر أخرى مفادها أنه لا يوجد أي شخص يشتري تذكرة لرؤية حكم بعينه. وتحدّث دين في برنامج مع اللاعب السابق بيتر كراوتش عن صعوبة مسيرته التحكيمية، حيث أشار إلى أنه كان يستيقظ في الثالثة صباحاً ويذهب إلى وظيفته ليذبح 140 ألف دجاجة في أحد المصانع، ثم ينتقل إلى وظيفة التحكيم بدوامٍ جزئي بعد الظهر. ومن هنا، يرى البعض بأن الدافع الحقيقي لدى معظم الحكام هو الرضا الذاتي بالنظر إلى متطلبات المنصب المرهقة مقارنةً بالبدل المالي، إذ يظهر التحكيم كإحدى أكثر المهن «التطوعية» التي لا تأخذ حقها كما يجب في عالم الاحتراف.
تجدر الإشارة إلى اعتزال مارتن أتكينسون وجون موس التحكيم هذا الموسم أيضاً بعد سنواتٍ طويلة قادا فيها لقاءات حاسمة، الأمر الذي يُعتبر خسارةً حقيقيةً للدوري الإنكليزي الممتاز. يُعد الثلاثة من ضمن قائمة حكّام النخبة، ومن المرتقب أن يُستثمر فيهم لتدريب حكام آخرين وضمان استمرار تألق الأسماء الشابة لقيادة مختلف المباريات.
هوّة في الرواتب
هناك فارق كبير بين رواتب الحكام مقارنةً بأي كادر كروي آخر (لاعبين ومدربين وأطباء)، علماً بأن الحكم يلعب أهم دور على أرض الملعب. بحسب موقع «GOAL»، يمكن للحكام في الدرجة الأولى في إنكلترا ربح ما يصل إلى 70 ألف جنيه إسترليني سنوياً، حيث يتقاضون رواتبهم السنوية الأساسية ما بين 38500 و42000 جنيه إسترليني بناءً على الخبرة، ثم يتم دفع 1150 جنيهاً إسترلينياً لكل مباراة علاوةً على ذلك.
في إسبانيا، يحصل الحكام على 6000 يورو للمباراة الواحدة فيما يتقاضى حكام الدرجة الأولى في فرنسا وألمانيا رواتب تزيد قليلاً عن نصف هذا المبلغ. يتم تقسيم حكام دوري أبطال أوروبا إلى مستويات اعتماداً على خبرتهم، وبالتالي فإن كبار الحكام يتقاضون راتباً يزيد عن 6600 يورو لكل مباراة إذا كانوا في فئة النخبة ويحصل الحكام في الدرجة الأقل على 4500 يورو في كل مباراة، بينما يحصل حكام أدنى درجة على قرابة 850 يورو لكل مباراة.