مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت “نداء الوطن”
مع وصول الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، انتهى عملياً مفعول رسائل “الترغيب والترهيب” التي عامت على سطح التصريحات والمواقف الإعلامية منذ لحظة مناشدته زيارة لبنان “على وجه السرعة” للبحث في مسألة وصول السفينة اليونانية لاستخراج الغاز من حقل “كاريش”، ليبدأ الغوص تالياً في خطوط الترسيم البحري انطلاقاً مما سيبديه الجانب اللبناني الرسمي أمامه من مرونة في مقاربة ملف المفاوضات الحدودية على أساس معادلة: “أعطونا قانا وخذوا كاريش”.
وعشية جولة محادثاته الرئاسية المكوكية، بين قصر بعبدا وعين التينة والسراي الكبير، استهل هوكشتاين عملية “التنقيب” في مستجدات الموقف اللبناني الرسمي من خلال سلسلة لقاءات استكشافية استهلها من المديرية العامة للأمن العام حيث اجتمع مع اللواء عباس ابراهيم، مروراً بوزارة الطاقة حيث ناقش ملف استجرار الكهرباء إلى لبنان من الأردن ومصر عبر الأراضي السورية، وصولاً مساءً إلى الرابية حيث أولم نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب على شرف الضيف الأميركي لإضفاء طابع الود والمودّة على أجواء الزيارة تمهيداً لإنجاح المساعي الهادفة إلى استئناف مفاوضات الترسيم مع إسرائيل انطلاقاً من إحداثيات الخط 23.
وإذ نقلت مصادر مطلعة على أجواء مأدبة عشاء بو صعب أنّها شهدت “نقاشات إيجابية ومثمرة باتجاه تأكيد الرغبة المتبادلة في تفعيل الوساطة الأميركية لإنجاز ملف الترسيم البحري في جنوب لبنان”، نبّهت أوساط ديبلوماسية مواكبة لهذا الملف إلى ضرورة أن يغتنم المسؤولون اللبنانيون الفرصة السانحة راهناً بوصفها “الفرصة الأخيرة لإنجاح الوساطة الأميركية ونزع فتيل أي مواجهة محتملة على الجبهة الحدودية مع إسرائيل”، موضحةً أنّ “المعنيين على ضفتي الحدود يؤكدون رغبتهم بتجنب الصدام، لكن تبقى العبرة بترجمة النوايا غير الصدامية للحؤول دون أي انزلاقة غير محسوبة العواقب والتداعيات ليس فقط على لبنان وإسرائيل إنما على المنطقة برمتها”.
ورأت الأوساط نفسها أنّ “الإدارة الأميركية راغبة فعلاً بمساعدة لبنان على ترسيم حدوده البحرية مع إسرائيل لكنها لن تقبل بأن تخضع وساطتها لعملية استنزاف مستمرة في الوقت والجهد، خصوصاً وأنّ مبعوثها الخاص لهذه المهمة سبق أن قدّم طرحاً مكتوباً للجانب اللبناني حول تصوّره لحل النزاع الحدودي البحري مع الجانب الإسرائيلي لكن الأمور بقيت تراوح مكانها دون تلقيه أي موقف لبناني موحد إزاء هذا الطرح، إلى أن أعادت الإجراءات الإسرائيلية الميدانية عند حقل “كاريش” تحريك المياه الراكدة في ملف المفاوضات ما استدعى استعجال المسؤولين اللبنانيين المساعدة الأميركية لاستئناف عملية التفاوض”، مشددةً على أنّ “المرحلة الراهنة لم تعد تحتمل مزيداً من المراوحة والضبابية في المواقف لأنّ عامل الوقت أصبح ضاغطاً خصوصاً وأنه لم يعد يفصل إسرائيل عن البدء بعملية استخراج الغاز سوى أسابيع قليلة، بينما لبنان لا يزال في بداية رحلة طويلة من التنقيب والاستكشاف قبل الوصول إلى مرحلة الاستخراج”.
وكان رئيس الجمهورية ميشال عون قد أكد أمام زواره أمس عزم لبنان على إعادة إحياء المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية الجنوبية عبر الوساطة الأميركية، لافتاً إلى أنّه “سيتم إبلاغ السفير هوكشتاين بموقف لبناني موحد حيال الطروحات المقترحة لاستئناف المفاوضات بما يحفظ حقوق لبنان في ثروته الغازية والنفطية”. لكنه ومقابل الإشارة إلى أنّ توقف هذه المفاوضات أتى “بعد رفض العدو الاسرائيلي الاقتراح اللبناني باعتبار الخط 29 خطاً تفاوضياً ورفض الجانب اللبناني للخط الاسرائيلي رقم 1 وخط هوف” الأميركي، رمى عون كرة المسؤولية في عدم اعتماد لبنان رسمياً إحداثيات الخط 29 لترسيم الحدود البحرية في ملعب مجلس الوزراء الذي لم يقرّ “الموافقة على اعتماد هذا الخط لإحالته إلى مجلس النواب وفقاً للأصول”.
حكومياً، وبمعزل عن تأكيداته المتكررة أمام الموفدين الدوليين والبعثات الدبلوماسية بأنّ مسار الاستحقاقات الدستورية سيُستكمل بعد إنجاز الانتخابات النيابية من خلال الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل الحكومة الجديدة، لا يزال رئيس الجمهورية “يماطل” في الدعوة إلى إجراء هذه الاستشارات وفق تعبير مصادر نيابية “تارةَ بحجة استكمال انتخابات رئاسة ومكتب ولجان المجلس النيابي، وتارةً بحجة انتظار تشكيل الكتل والتكتلات النيابية، واليوم بذريعة الانشغال بزيارة الوسيط الأميركي لترسيم الحدود، بينما الغاية الحقيقية من وراء هذه المماطلة اختزلها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل خلال مقابلته المتلفزة الأخيرة بالإفصاح صراحةً عن مطلب اتضاح الشخصية التي سيصار إلى تكليفها تشكيل الحكومة سلفاً قبل توجيه عون الدعوة للاستشارات”.
وفي هذا السياق، لفتت المصادر إلى أنّ “باسيل يعود كما درجت العادة عند الاستحقاقات الحكومية إلى تسخير الصلاحيات الرئاسية لصالح تحسين شروطه التفاوضية في عمليتي التكليف والتأليف، وهذه المرة يسعى لقطع الطريق أمام إعادة تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة العتيدة لا سيما وأنه يدرك أنّ الأكثرية النيابية مؤمنة لتكليف ميقاتي، ويسعى بالتالي للاستفادة من الفترة الزمنية الفاصلة عن الدعوة المرتقبة للاستشارات الأسبوع المقبل لتحصيل مكاسب معينة في البازار الحكومي”، لكنّ المصادر أكدت في المقابل أنّ ميقاتي “مش مستعجل” ولا يبدو في وارد “الخضوع لأي ابتزاز ولا إلى تقديم أي تنازلات أو تعهدات مسبقة لاستعجال تكليفه”.