مجلة وفاء wafaamagazine
شارك وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الاعمال أمين سلام (عن بعد)، في الدورة السنوية للمجلس التنفيذي لبرنامج الاغذية العالمي، بدعوة من البرنامج، في حلقة نقاش بعنوان “تنفيذ العلاقة بين العمل الإنساني والتنمية والسلام”، عقدت في مقر البرنامج في روما.
شارك في الحلقة الى الوزير سلام، كل من: سفينيا شولتز (الوزيرة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية في ألمانيا)، ديفيد بيسلي (المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة) شميم أحسن (رئيس المجلس التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي 2022) آن بياتي تفينيريم (وزيرة التنمية الدولية في النرويج)، فاليري غوارنييري (المدير التنفيذي المساعد لبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة)، لوان ماغاغي( وزير العمل الإنساني وإدارة الكوارث في النيجر).
استهل الوزير السلام كلمته، بـ”الشكر الجزيل، “على الفرصة التي منحتموني إياها اليوم لأشارككم الوضع الحالي السائد في لبنان الذي يزداد سوءا يوما بعد يوم كما تعلمون.مرت ثلاث سنوات تقريبا على الأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان ولا تزال البلاد تواجه أخطر التحديات في سبيل التعافي الاقتصادي. إذ يحافظ إجمالي الناتج المحلي الحقيقي على تراجعه المستمر بعد تسجيل انخفاض مفاجئ بنسبة 30 في المائة في العام 2021 (وفقا لتقرير البنك الدولي للعام 2022). وقد أدى الانخفاض الحاد في النشاط الاقتصادي المتزامن مع انتشار جائحة كورونا وارتفاع تضخم الأسعار إلى ازدياد نسبة الفقر والبطالة بين آلاف الأسر اللبنانية. إذ يعيش حوالى 82 في المائة من السكان في فقر متعدد الأبعاد كما يعانون نقصا في ستة أبعاد فقر على الأقل وهي التعليم والصحة والمرافق العامة والمسكن والأصول والممتلكات والوظائف والدخل (الإسكوا 2021). إضافة إلى الفقر المدقع، يقبع البلد المثقل بالديون الذي لا يزال يصارع الاختلالات الاقتصادية الكلية الهيكلية وعدم الاستقرار السياسي المتواصل تحت هيمنة الذكريات المؤلمة لـ “المجاعة الكبرى” التي سادت في الفترة الممتدّة من 1915 إلى 1918. هذا وتزداد المخاوف من حالة عدم الأمان الغذائي المتزايد على الصعيدين الوطني ودون الوطني بما أن مؤشرات الأمن الغذائي الرئيسية بدأت تأخذ مسارا مقلقا واضعة البلاد ضمن 20 دولة تعتبر بؤر الجوع الساخنة كما يحتل المرتبة الأولى ضمن دول الشرق الأوسط وفقا لمنظمة الفاو وبرنامج الأغذية العالمي (2021). أضف إلى ذلك، فقد أدى الانفجار المدمر الذي هز مرفأ بيروت في 4 آب 2020 إلى تكبيد لبنان، المرهق أصلا بسيل الأزمات المتلاحقة، أزمة إنسانية خطيرة. فقد تسبب الانفجار بمقتل أكثر من 200 شخصٍ وإصابة أكثر من 6500 شخصٍ فضلا عن تشريد أكثر من 300.000 لبنانيٍّ من منزلهم”.
أضاف: “إزاء ذلك، تسارع المجتمع الدولي فورا لتقديم المساعدات الإنسانية. لذلك، يشكل إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار(المعروف بـ 3RF ) الخطة التشغيلية الأولى التي تتمكّن الأمم المتحدة من خلالها من تطبيق العلاقة بين العمل الإنساني والتنمية والسلام. ووفقا للتقييم السريع للأضرار والاحتياجات في بيروت الذي نفِّذ في آب 2020 بمبادرة مشتركة من قبل مجموعة البنك الدولي بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، قدِّرت الأضرار بين 3.8 و4.6 مليار دولار أميركي بينما تراوحت الخسائر بين 2.9 و3.5 مليارات دولار أميركي.في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن إهراءات القمح الرئيسية في لبنان تدمرت بفعل انفجار مرفأ بيروت. وقد صنعت هذه الأهراءات من الخرسانة بسعة 125.000 طن متري مقّمة بالتساوي لتخزين القمح والذرة (والشعير) وهي قادرة على تخزين القمح لحالات الطوارئ لما يقارب 35 يوما. كما أنهى البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية دراسة قابلية الجدوى من أجل إعادة إعمار الأهراءات المعدنية الجديدة وصوامع التخزين في طرابلس بقدرة تخزينية إجمالية 110.000 طن متري . من المتوقع ان تساهم صوامع التخزين المتعددة في الحد من المخاطر”.
وتابع: “وانطلاقا من مبدأ توفر الغذاء، لا تزال المؤشرات الرئيسية مقلقة نسبيا. إذ أن هشاشة الوضع يدعو إلى القلق وبخاصة أن لبنان هو مستورد صاف للسلع الغذائية فضلا عن شح احتياطات الدولار المخصَّصة للاستيراد. تجدر الإشارة إلى تراجع الواردات من ناحية الكمية والتنوع (برنامج الأغذية العالمي 2021) في الوقت الذي بدأ فيه متوسط كفاية إمدادات الطاقة الغذائية يسجل منحى انكماشيا على الرغم من تسجيله نسبة مقبولة لغاية الآن. هذا وقد بدأت البلاد تعاني نقصا في كمية القمح والسلع الاستهلاكية الأساسية الأخرى في وقت تبدو المحافظة على مخزون واف أمرا في غاية الصعوبة لأسباب عدة:
أولا: يعتمد الاستهلاك الغذائي بشكل كبير على الواردات حيث تحتل الحبوب صدارة فئات المواد الغذائية الأكثر استهلاكا بين الواردات (الإسكوا 2016). إذ يشكل القمح والحبوب حوالى 35 إلى 39 في المائة من نسبة استهلاك الطاقة اليومية حيث تصبح مسألة توافرها أمرا أساسيا للبقاء على قيد الحياة. وقد درجت العادة على توفير حوالى 96 في المائة من الحبوب الأساسية لاسيما القمح إما من روسيا وإما من أكرانيا (وزارة الاقتصاد والتجارة 2022)، ما يساهم بالتالي في تقلبات الأسعار. ونظرا لاستمرار الحرب الروسية الأوكرانية في ممارسة الضغوط على أسعار السلع العالمية وتوافرها، فقد أصبحت هذه الأخيرة باهظة ومن العسير للغاية تأمينها. هذا وأصبحت نسبة مخزون القمح إلى الاستخدام منخفضة نسبيا والأمر عينه ينطبق على مستوى الاحتياطات الاستراتيجية في ظل توافر كمية قليلة من مخزون القمح يكفي استهلاكها لمدة شهر واحد.
وفي أيار 2022، وافق البنك الدولي على منح قرض في حالات الطوارئ بقيمة 150 مليون دولار أميركي لتوفير الأمن الغذائي وتمويل الواردات من القمح، في انتظار إقرار هذا القرض من قبل مجلس النواب الجديد علما أنه يكفي لمدة تتراوح بين 7 و9 أشهر فقط.
ثانيا: تميل الطبيعة الاحتكارية لسوق الواردات الغذائية اللبنانية والنظام الغذائي، بصورة عامة، إلى تنفعة قلة قليلة من الجهات الفاعلة لتزيد بذلك من تحكمها بالأسعار والكمية المتوافرة من الإمدادات والمخزون (منظمة الفاو والاتحاد الأوروبي والمركز الفرنسي للتعاون الدولي للبحوث الزراعية من أجل التنمية CIRAD)، الأمر الذي يؤثر على توافر الإمدادات الغذائية واستقرارها. فيما يتعلق بالإنتاج المحلي يواجه المزارعون، وبخاصة المؤسسات الصغيرة الحجم التي يتكون منها أغلبية المزارعين في لبنان، صعوبات في الحصول على المدخلات الزراعية (البذور والمخصبات وأدوية مكافحة الحشرات والوقود) علما أن معظم هذه المدخلات يتم استيراده وبالتالي يتم تسعيرها بالدولار في الوقت الذي تباع فيه معظم المنتجات الزراعية بالليرة اللبنانية. وبالتالي، فإن قدرة المزارعين على مواصلة أعمالهم الزراعية تتعرض للتقويض بشكل كبير من دون أن نغفل بأن معظم المزارعين يفتقرون إلى السيولة المطلوبة لشراء هذه المدخلات نظرا لعدم توافر الاعتمادات الموسمية التقليدية للمزارعين المقدمة من قبل موردي المدخلات (منظمة الفاو والاتحاد الأوروبي والمركز الفرنسي للتعاون الدولي للبحوث الزراعية من أجل التنمية CIRAD 2022).
تجدر الإشارة إلى أن مصادر التمويل المتعددة الأطراف المقدمة عبر البرامج التابعة للأمم المتحدة والتمويل الثنائي المقدم من قبل سفارات الدول لمساعدة المزارعين الصغار ومنتجي المواد الغذائية فضلا عن مبادرات خاصة ومحلية أخرى تقدمها المنظمات الدولية غير الحكومية والمنظمات غير الحكومية المحلية الناشطة وحتى في بعض الأحيان تلك المقدمة من الوزارات. إضافة إلى ذلك، فقد شهد العامان المنصرمان ارتفاعا في وسائل الأجر مقابل العمل والتدريب الفني والمساعدة العينية. وفي الوقت الذي نجحت فيه هذه البرامج في توفير المساعدة والدعم القصيري الأجل إلى الأطراف المستفيدة إلا أنها حققت نجاحا خافتا في خلق تأثير على المستوى الكلي.
ويعزى ذلك لأسباب كثيرة نذكر منها:
1) غياب خطة شاملة لتوجيه هذه الأنشطة وتنسيقها فضلا عن خلق أوجه تعاون على المدى الأطول لتثبيت تأثيرها.
2) عملية المراقبة الميدانية الركيكة. وانطلاقا من وجهة نظر الحصول على الغذاء، فإن الوضع ينذر بالقلق أكثر فأكثر بالتزامن مع ارتفاع أسعار الغذاء محليا وعالميا. وفقا التقارير إدارة الإحصاء المركزي، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 208 في المائة في الفترة الممتدة من آذار 2021 إلى آذار 2022 بينما ارتفعت أسعار الأغذية بنسبة 390.3 في المائة في الفترة الزمنية ذاتها (إدارة الإحصاء المركزي 2022). من المتوقع أن تشهد هذه الأسعار ارتفاعا إضافيا في ظل التقهقر السريع للعملة المحلية وارتفاع أسعار النفط العالمية والمواد الاستهلاكية الغذائية المستوردة بسبب تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية. هذا وكانت منظمة الإسكوا قد حذرت في أوائل العام 2020 إلى أن 50 في المائة من السكان سيكونون معرضين بحلول نهاية العام لخطر عدم القدرة على الحصول الاحتياجات الغذائية الأساسية.
وتابع سلام :”أضف إلى ذلك، أدت معدلات التضخم التصل إلى خانة المئات إلى تقليص القدرة الشرائية لدى المستهلك. في الواقع، ارتفعت تكلفة الحد الأدنى لسلة الإنفاق للبقاء قد ارتفعت منذ تشرين الأول 2019 بنسبة 557 في المائة (برنامج الأغذية العالمي).الحاجة إلى اتخاذ إجراء فوري: تسارعت عملية تدهور الظروف الاقتصادية الكلية بشكل مطرد وحاد مقارنة استجابة الحكومات المتتالية البطيئة وغير الملائمة”.
وأردف: “نظرا إلى الظروف الحالية، وفي ظل غياب أية خطة تعاف اقتصادية شاملة، يزداد خطر تهديد انعدام الأمن الغذائي ناحية النطاق والخطورة. لذلك، فإن الحكومة في أمس الحاجة لإعطاء الأولوية لمعالجة مسألة الأمن الغذائي واتخاذ اجراءات فورية لمحاربة الجوع فضلا عن إرساء برنامج شبكة أمان عبر وضع خطة شاملة طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز كافة ركائز الأمن الغذائي بدعم من المجتمع الدولي مع إعطاء الأولوية للحلول المستدامة مثال دعم المزارعين في أراضيهم التي عرفت تاريخيا بـ “اهراءات روما”.
وختم سلام:” كلي أمل، أن لبنان قادر على استعادة دوره الرائد في مجال الزراعة في المنطقة والتمتع بسوق مستدام ذاتي الاكتفاء بفضل التزام الحكومة ودعم المجتمع الدولي”.