مجلة وفاء wafaamagazine
نجاحٌ خارجي آخر يُسجّل لكرة السلة اللبنانية ويرتبط بتحوّلها من خزانٍ للاعبين الموهوبين إلى رافدٍ أساسي في بلدان العالم العربي للمدربين الناجحين الذين قدّموا أنفسهم بقوة هذه السنة بقيادتهم فرقاً مختلفة إلى ألقاب بطولات بلادها. إنجازاتٌ تعكس تفوّقاً واضحاً للمدرب اللبناني على نظرائه العرب، مستفيداً من ظروفٍ عدة امتزجت مع مشواره التدريبي فكانت النتائج المثالية
ضجّت وسائل الإعلام الرياضية العربية أسبوعاً بعد آخر بإنجازات فرقٍ عريقة في كرة السلة، لكن اللافت أن العقول المنفّذة لهذه الانتصارات تحمل الصبغة اللبنانية، فكانت الدلالة الواضحة على تطوّر مستوى المدربين اللبنانيين وتقدّمهم على غيرهم، إضافةً إلى إدراك إدارات الأندية العربية بأن مدربي لبنان يحملون المطلوب للوصول إلى الأهداف المنشودة.
هي أمورٌ بحثت عنها الفرق اللبنانية في الماضي البعيد، حيث وصل المدربون المصريون أو الجزائريون مثلاً إلى مراحل سبقت تطوّر المدرب اللبناني، فرأينا أسماءً بارزة مثل المصري شريف عزمي والأردني مراد بركات على رأس الأجهزة الفنية لفرقٍ لبنانية. لكنّ الصورة اختلفت الآن بعدما أصبح أي مدرب قادمٍ من لبنان هو الأفضل في نظر الكثير من الأندية العربية.
قبل مدة وصل مدرب منتخب لبنان السابق جو مجاعص إلى البحرين ليقود فريق الأهلي إلى لقب كأس خليفة بن سلمان. وأخيراً حقّق أهلي حلب لقبه الـ20 في الدوري السوري لكرة السلة، بعد تفوّقه على البطل السابق، نادي الكرامة، مع المدرب فؤاد أبو شقرا الذي قاده إلى اللقب الأول بعد غياب عن منصة التتويج لمدة 16 عاماً.
وفي موازاة إنجاز أبو شقرا، حقّق مدرب مخضرم آخر هو غسان سركيس بطولة الدوري الليبي بعد فوز فريقه الأهلي الطرابلسي باللقب للمرة السابعة في تاريخه على حساب نادي المروج.
وفي بلدٍ عربي أفريقي قريب من ليبيا، انتقلت فورة نجاحات المدربين اللبنانيين إلى ملاعب السيدات، حيث حقّق المدرب عزت إسماعيل لقب الدوري التونسي مع فريق الأمل الرياضي ليقوده إلى إحراز «الدوبليه»، في واحدةٍ من أصعب البطولات في «القارة السمراء»، والدليل أن فريق المدرب الشاب تلقّى خسارتيه الوحيدتين أمام سابع وتاسع الترتيب قبل أن يُتوّج باللقب.
لكن كيف وصل المدرب اللبناني إلى هذا المستوى التدريبي؟
الفضل لبطولة لبنان
الواقع أن السبب الأول يعود إلى طبيعة البطولة المحلية التي منحت المساحة للمدرب اللبناني لكي يسبق منافسيه، فالتحسينات التي أصابت الدوري اللبناني موسماً بعد آخر، تحديداً على صعيد المنافسة القوية، راكمت خبرةً واسعة عند المدرب ورفعت من مستوى أفكاره الذهنية. وهذه المسألة ساهم فيها أيضاً وصول لاعبين أجانب مميزين وأصحاب خبرة، فشكّلوا إضافةً فنية للأفكار التدريبية الخاصة بالمدربين، وخصوصاً أولئك الذين شقّوا طريقهم التدريبي بسنٍّ صغيرة، فاستفادوا من خبرة لاعبين وافدين عاشوا تجارب في الخارج مع مدربين كبار، فبدا أن بعضهم يساهم بالخطط الاستراتيجية والجوانب الفنية عند كل وقتٍ مستقطع خلال المباريات.
السعي وراء «الفريش» منح البلدان العربية فرصة الاستفادة من مدرّبي النخبة اللبنانيين
وفي هذا الإطار، تحدّث عزت إسماعيل إلى «الأخبار» قائلاً: «لدى المدرب اللبناني أفضلية اليوم على غيره لأنه دمج بين العقلية العربية وتلك الأجنبية في التعاطي مع عمله وأيضاً في أفكاره الفنية». ويضيف: «ساعد ظهور المدربين اللبنانيين في الاستحقاقات الخارجية عبر نتائجهم الجيّدة في جعلهم مطلباً للفرق العربية، إذ على سبيل المثال كنت قد واجهت فريقي الحالي في نهائي البطولة العربية عام 2019 وتفوّقت عليه مع نادي بيروت فيرست كلوب، وهو أمر ساهم بشكلٍ مباشر في سعيهم للحصول على خدماتي».
بطبيعة الحال، بدا المدرب الذي أنتجته «الباسكت» اللبنانية وكأنه يسبق غيره بقدرته على «تركيب» الفرق الفائزة بسرعةٍ قياسية، وهي مسألة نتجت من الضغط الدائم الذي وُجد في الدوري اللبناني للارتقاء إلى مستوى التحدي، فظهر المدرب بحاجةٍ دورية إلى تطوير مستواه وأفكاره وإيجاده الحلول للظروف المختلفة، ومنها طرق اللعب بحسب المرحلة المرتبطة بالموسم، وأيضاً مستوى اللاعب الأجنبي القادم والقدرة على دمجه في الفريق بسرعة.
من هنا، ومع تأثّر الكثير من إدارات الأندية العربية بقوة الدوري اللبناني وتفوّقه مع مدربيه على أكثر البطولات العربية، صبّت نقطةٌ أخرى في مصلحة تفضيل المدرب اللبناني على غيره، وهي خبرته في إدارة الأمور بعيداً من الملعب، وقدرته على تنظيم النادي والفريق بالشكل المناسب، ومعرفته فنون التواصل مع الإدارة واللاعبين بحكم معرفته أصلاً بالبيئة والعقلية العربيتيْن، إضافةً إلى عامل اللغة الذي يجعل منه خياراً أفضل للأندية التي لن تشغل بالها باستقدام مترجمين أو تقلق من عدم وصول الأفكار الفنية الصحيحة إلى لاعبيها.
هجرة أكبر مرتقبة
كما تضاف مسألة أخرى وهي النجاحات السريعة التي أصابها المدربون اللبنانيون، وعلى سبيل المثال لا الحصر تلك الفترة الأولى التي قضاها سركيس مع الوحدة السعودي الذي كان في مركزٍ متأخر، لكن في موسمه التالي قاده إلى نهائي الدوري السعودي. ويعقّب إسماعيل على هذه النقطة بالقول: «مجرد ما إن يحقق أيّ مدرب لبناني نتائج جيدة في الخارج، حتى تتحسّن سمعة جميع المدربين اللبنانيين، وما حصل أخيراً ينبئ بخروج مدربين محليين أكثر باتجاه الدول العربية».
وتابع: «لدينا خزّان كبير من المواهب وأيضاً من الفنيين، وقلت دائماً بأنّه إذا استثمر بعضُنا في بعض سنصل إلى مكان أبعد بكثير في كرة السلة، وهو ما قرأته الأندية العربية في المدربين اللبنانيين، فأرادت الاستفادة من طاقاتهم، وخصوصاً أن مدربينا يسعون دائماً للاحتكاك بالعقليات الأميركية والأوروبية بعدما طوّروا من مستواهم من خلال مواجهتها في الدوري اللبناني، فبات كل شيء يتلقّونه في الدورات الخارجية التي يسعون للمشاركة فيها، وسيلةً لتحقيق النجاحات في لبنان والعالم العربي».
هذا العالم العربي محظوظ بهؤلاء المدربين الذين باتوا يجدون فيه أيضاً ملاذاً لإكمال مسيراتهم بعدما بات الوضع المالي صعباً في لبنان حيث حصلوا سابقاً على مبالغ أكبر مما يتقاضونه حالياً في الخارج، لكنّ السعي وراء «الفريش» بدّل من كل شيء، ما يسرّع اليوم من عمليات الانتقال التي يُرجّح أن تنقل معها المزيد من مدربي النخبة إلى بلدانٍ عربية أخرى في الأشهر المقبلة.