مجلة وفاء wafaamagazine
لم يسجّل أمس أي اتصال او تطور عملي على خط التأليف الحكومي، اذ بدا انّ هذا الملف قد وضع جانباً لدى المعنييين وحتى لدى كل القوى والجهات المهتمة داخليا وخارجيا لينشط الهمس والغمز واللمس حول الاستحقاق الرئاسي الذي تقترب البلاد من دخول مداره العملي مطلع ايلول المقبل، فيما البلاد تغرق اكثر فأكثر في انهيارها الاقتصادي والمالي والمعيشي الذي يُفاقمه عجز السلطة عن ايجاد الحلول العملية لوقفه ويُفاقمه اكثر جشع التجار والمحتكرين ولصوصية المصارف المتواصلة في السطو على اموال المودعين ورواتب الموظفين في كل القطاعات التي تتعرض لـ»هيركات» مُستدام منذ بداية الازمة عام 2019 وحتى اليوم.
ويُفاقم في الازمة ايضاً الارتفاع المستمر في الاسعار التي تكوي المواطنين يومياً بنارها تحت وطأة حر الصيف اللاهب الذي يزيده لهيباً انقطاع الكهرباء وانتعاش تجارة كهرباء المولدات وألواح الطاقة الشمسية.
وفي هذه الاجواء برز الى الواجهة مجدداً الملف القضائي لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة من خلال دهم قوة من جهاز امن الدولة مكتبه في مقر مصرف لبنان بناء على اشارة المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، ولكنها لم تجده، وقد اثار هذا الدهم ردود فعل سياسية ومصرفية وصلت الى حد اعلان موظفي مصرف لبنان الاضراب لثلاثة ايام، فيما اعلنت الهيئة الادارية لرابطة موظفي الادارة العامة في لبنان «الاستمرار في الاضراب المفتوح حتى تحقيق المطالب».
غاب ملف التأليف الحكومي عن الاهتمامات الرسمية والسياسية امس، على نحوٍ بَدا انّ البلاد ستمضي قدماً تحت سلطة حكومة تصريف الاعمال الى حين انتخاب رئيس جمهورية جديد، فالرئيس المكلف تأليف الحكومة الجديدة نجيب ميقاتي يواظِب على نشاطه اليومي كرئيس حكومة تصريف اعمال في السرايا الحكومية وكأنه رئيس حكومة اصيلة لا ينقصها فقط سوى انعقاد مجلس الوزراء، ولم تصدر بعد اي اشارات منه او من رئيس الجمهورية ميشال عون حول «لقاء تأليفي» حكومي بينهما، ما يعكس ان باب الاتفاق على تركيبة الحكومة الجديدة ما زال موصداً.
وبعد تبادل بيانات احتواء التشنّج على خط التأليف بين بعبدا والسرايا شُبّه للمراقبين ان لقاء ثالثا سينعقد فور عودة الرئيس المكلف من إجازته، لكنّ يومين مضيا ولم يحصل هذا اللقاء. وسألت «الجمهورية» مصادر متابعة عن كثب للملف عن سبب عدم حصول هذا اللقاء وكان الجواب ان ميقاتي وضع جانباً صفة «المكلف» ويستخدم حالياً صفة رئيس حكومة تصريف الاعمال في انتظار ان يتلقى اتصالا من القصر الجمهوري وُعِد به منذ اسبوعين ولم يأت…
واكدت هذه المصادر «ان ميقاتي لا يزال على موقفه وهو لن يبادر الى الاتصال ببعبدا لطلب موعد، في اعتبار انه وضع مسودة حكومية لدى الرئيس عون ولم يناقشه بها بل اكتفى بتسليمه اقتراحات من دون أن يتبادل الرأي معه. وبالتالي، فإن ميقاتي يعتبر ان الكرة هي في ملعب رئيس الجمهورية فإذا أراد البحث في الصيغة هو حاضر واذا لا فإنّ الحكومة الحالية «شغّالة» والظروف لا تتحمل المكابرة او المناورة».
دهم «الحاكم»
وقد خطف الاضواء امس دهم دورية من جهاز امن الدولة مقر مصرف لبنان المركزي في الحمرا بحثاً عن حاكمه سلامة المدعى عليه قضائيا بتهم عدة، والذي يقال انّ موضوع إقالته هو احد الموانع التي تحول دون الاتفاق على الحكومة الجديدة، حيث يشترط رئيس التيار الوطني الحر ان تكون هذه الاقالة في مقدم مهمات هذه الحكومة.
وابدى ميقاتي في بيان له امس أسفه «للطريقة الاستعراضية التي يتم فيها معالجة ملفات قضائية حساسة لها ارتباط بالاستقرار النقدي في البلاد، مما يعرّض البلد لاهتزاز لا تحمد عقباه». وقال: «إن مداهمة المصرف المركزي بهذا الشكل الاستعراضي وسط تداخل الصلاحيات بين الاجهزة القضائية ليس الحل المناسب لمعالجة ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. قلتُ وأكرر لسنا متمسكين بأحد، ولا ندافع عن احد، بل نتمسك بالقضاء العادل بعيدا عن الاستنسابية، مع الحرص على سمعة لبنان المالية دولياً. والمطلوب ان تتم معالجة هذا الملف بتوافق سياسي مُسبق على حاكم جديد لمصرف لبنان، ولتأخذ القضية مجراها القانوني المناسب بعد ذلك».
وكانت قوّة من المديرية العامة لأمن الدولة دَهمت قبل ظهر امس مكتب سلامة في مصرف لبنان، إلّا أنّها لم تدخل اليه بعد صدور إشارة منع عن القاضي المناوب في النيابة العامة الاستئنافية في بيروت رجا حاموش، لكنّ النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون حضرت ودخلت الى المصرف برفقة عدد من عناصر أمن الدولة وتمكنت من الوصول الى الطبقة الموجود فيه مكتب الحاكم، ولم تدخله وغادرت. وقالت من محيط المصرف: «أتت إشارة من القاضي رجا حاموش لإخلاء المكان». واضافت: «قيل لنا انّ حاكم مصرف لبنان ليس هنا، والمدعي العام التمييزي لم يعط جوابًا ولم يرد علينا، كما أنّ النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي حاموش كان قد سمح الدخول لكن من دون تصادم».
إضراب لثلاثة ايام
وإحتجاجًا على هذه الخطوة، تجمَّع الموظفون ونفذوا وقفة إعتراضية عليها، وقال رئيس نقابة موظفي مصرف لبنان عباس عواضة: «كرامة المؤسسة والموظفين أعلى من كل شيء ونرفض أن نُعامل بطريقة ميليشيوية ونعلن الإضراب. نحن نحترم القضاء وتحت سقف القانون».
ولاحقاً، اصدرت نقابة موظفي مصرف لبنان بياناً موسّعا قالت فيه: «عطفاً على إضرابها التحذيري السابق وبياناتها التي طالبت من خلالها جميع المعنيين حماية مؤسسة مصرف لبنان وموظفيها، خصوصاً أنها المؤسسة الوحيدة التي تعمل في لبنان بطاقتها الكاملة رغم الظروف الصعبة. وبعد عدم التجاوب مع مطالبها مما يطرح علامات استفهام حول نية البعض إقفال هذه المؤسسة وتعطيل عملها. وعطفاً على كل ما سبق، ونظراً لكل هذه التصرفات التي مورست وشكّلت تجنّياً وإفتراء على المؤسسة وموظفيها، إتخذ مجلس النقابة بالاجماع قراراً بإعلان الاضراب والإقفال التام لمدة 3 ايام ابتداءً من نهار الأربعاء الواقع فيه 20 تموز 2022 (اليوم)، إتاحة للعقلاء للتدخّل حمايةً للمؤسسة».
وناشدت «كافة المعنيين، لا سيمّا وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى والمدعي العام التمييزي، التدخل لوضع حد لهذه التصرفات غير اللائقة من قبل القاضية غادة عون، والتي تخرج عن كل الاصول القانونية في سابقة لا مثيل لها، حتى لا نضطر آسفين لإعلان الإضراب المفتوح».
الى ذلك اكد الحزب التقدمي الاشتراكي، في بيان، «وجوب سيادة مبدأ المحاسبة على الجميع، وفق الأصول وضرورة التحقيق بكل الملفات المطروحة أمام القضاء لتقديم العدالة، إزاء ما يشهده اللبنانيون من تفلّت غير مسبوق في بعض الملفات القضائية». وسأل عن «المعيار الذي يتحرّك القضاء على أساسه، إذ كيف تقف التحقيقات في ملف وطني كانفجار المرفأ، بينما تتحرّك تحقيقات أخرى بمجرد طلب سياسي ما أو جهة سياسية ما؟ أين هو مبدأ الفصل بين السياسة والقضاء؟». وقال: «لعله من المفيد، في هذا السياق، سؤال المعنيين عن مصير التشكيلات القضائية التي أوقفتها الوصاية الجبرية المفروضة على القضاء؟ وهل تكون العدالة بخروج قاضية عن أصول القانون والصلاحية المكانية وتكرار الاستعراضات الإعلامية التي تؤكد للبنانيين شكوكهم حول جدوى القضاء وسلامة عمله؟ وهل العدالة القضائية تكون بالاستدعاء المثير للاستغراب لرئيس إدارة المناقصات جان العلية في محاولة لمعاقبته على كَشفه الحقائق للرأي العام وفَضحه للممارسات التي راكَمت نصف الدين العام في قطاع الكهرباء وحده؟».
إضراب الموظفين
في غضون ذلك اصدرت الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة بياناً قالت فيه: «في ضوء ما توصلت اليه اللجنة الوزارية المعنية بدرس واقع موظفي الادارة العامة والذي لا يلبّي الحد الادنى من مطالبهم المحقة، وامام هذا التجاهل المستمر والمستغرب لحقوق الموظفين، وفي ظل عجز الموظف عن بلوغ مركز عمله وعن تأمين ادنى مقومات الحياة الكريمة له ولعائلته، تعلن الهيئة الادارية لرابطة موظفي الادارة العامة في لبنان الاستمرار في الاضراب المفتوح حتى تحقيق المطالب».
ملفات قضائية وعسكرية
الى ذلك حضرت أمس رزمة من الملفات الإدارية والقضائية والمالية على طاولة رئيس الجمهورية، وتحديدا في اللقاء الذي جمعه مع نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب. وفي الوقت الذي اعلن مكتب الإعلام في القصر الجمهوري ان «البحث تناول الأوضاع العامة في البلاد والتطورات الأخيرة، وخصوصا الملفات التي يتولى الرئيس بوصعب معالجتها ومنها أسباب توقّف التحقيقات في جريمة مرفأ بيروت، وعدد من المراسيم العالقة»، قالت مصادر واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية» ان بوصعب اطلع رئيس الجمهورية على نتائج الاتصالات التي أجراها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزيري المال والعدل ومجلس القضاء الاعلى من اجل توقيع المراسيم الخاصة بمحكمة التمييز العليا للإفراج عن التحقيقات المجمّدة منذ اشهر عدة في جريمة المرفأ، وإمكان استئنافها على يد قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار.
واضافت هذه المصادر ان المشاورات جارية على قدم وساق لترتيب هذه الامور بغية التوصّل الى حل لمختلف هذه القضايا، وانّ تقدماً قد أحرز من دون الوصول الى حل كامل يؤدي الى تسييل هذه الملفات لتنطلق العملية القضائية كما يجب ان تكون.
ترقية الضباط
وكشفت المصادر لـ»الجمهورية» انّ ملفاً آخر أضيف إلى الملفات من ضمن السلة المطروحة للحل هو ملف الترقيات الخاصة بالضباط المجمّدة من رتبة عقيد الى رتبة عميد، نتيجة الخلافات التي تنامت حول مصير الترقية الخاصة بدورة العام 94 المعروفة بدورة «ضباط عون»، قبل ان تتوسّع لتشمل بقية الضباط وربما تصل الامور، ان توجّهت الى الجو الايجابي المرتقَب، الى توقيع مراسيم الترقية قبَيل عيد الجيش في الأول من آب المقبل.
ترسيم وتهديد
وعلى صعيد ترسيم الحدود البحرية من المفترض أن يصل الوسيط الأميركي عاموس هوكشتا ين إلى لبنان خلال الأسبوع الجاري، بعدما كان قد زار إسرائيل الاسبوع الماضي واجتمع بوزيرة الطاقة كارين الهرار، وقال في ختام الاجتماع إنّ «الفجوات تقلّصت».
وفي هذا السياق اكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، امس، أنّ «مخزونات الغاز الخاصة بإسرائيل في منصة كاريش يمكن أن تساهم في حل أزمة الطاقة في العالم». وشدد خلال جولة جوية فوق منصة كاريش على أنّه «يُمكن للبنان الإستفادة من مخزونات الغاز في مياهه عبر المفاوضات التي ينبغي إتمامها في أسرع وقت». وشدد على أن «هذه المنصة الجديدة هي مستقبل الطاقة لإسرائيل وتشكل فرصة اقتصادية، تشمل تصدير الغاز إلى مصر وأوروبا، سيستفيد منها كل مواطن إسرائيلي في المستقبل القريب».
وفي جولة له عند الحدود مع لبنان برفقة وزير الدفاع بيني غانتس، وجّه لابيد تحذيراً إلى «حزب الله»، فقال: «إسرائيل مستعدة وجاهزة للتصدي لأي تهديد، نحن لا نسعى للمواجهة، لكن أيّ شخص يحاول المَس بسيادتنا أو مواطني إسرائيل سيكتشف بسرعة أنه ارتكب خطأ فادحًا». واضاف: «لا مصلحة لنا في التصعيد، لكن عدوان «حزب الله» غير مقبول، ويمكن أن يجرّ المنطقة بأسرها إلى تصعيد لا داعي له»، وفق تعبيره.
الى ذلك أشار المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي الى أنه «رغم محاولة ذباب «حزب الله» ترديد الأكاذيب فهذا لا يجعلها حقيقة»، لافتاً الى أنه «في الأسبوع الأخير لم تسقط أي مسيّرة لجيش الدفاع على الحدود اللبنانية».
وكانت معلومات صحافية قد افادت امس عن «سقوط مسيّرة إسرائيلية، في منطقة الوزاني بعد ساعة على احتفالات الإسرائيليين بالسيطرة على مسيرة تصوير أعراس».
قيود اميركية
من جهة ثانية أشارت وزارة الخارجية الأميركية في بيان أمس إلى أنه «يأتي اليوم لحظة من التفكير الكئيب للضحايا والناجين من هجومين شنيعين لـ»حزب الله»: تفجير 1994 لـAsociación Mutual Israelita Argentina (AMIA)، مركز الجالية اليهودية في بوينس آيرس، الأرجنتين، وهجوم 2012 على حافلة سياحية في بورغاس، بلغاريا، تقلّ سياحًا إسرائيليين. هَجمتا «حزب الله» اللتان تم تنفيذهما بدعم إيراني دمّرتا مئات العائلات».
وأضافت: «لقد أبرز هجوم معاد للسامية الأكثر دموية منذ أكثر من نصف قرن، سلّط تفجير «آميا» الضوء على طموحات «حزب الله» العالمية وهو مثال واضح على دعم إيران للإرهاب الدولي. تَورّطَ مسؤولون حكوميون إيرانيون رفيعو المستوى مباشرة في الهجوم، ونفّذه «حزب الله» بتوجيه من النظام الإيراني. في حين لم يتم تقديم أي شخص مسؤول عن الهجوم إلى العدالة، تعتقد الولايات المتحدة أن جميع الأرجنتينيين يستحقون محاسبة المسؤولين عن هذا الهجوم الحقير والجبان».
ولفتت الوزارة إلى أنه «بعد ثمانية عشر عامًا، قتل «حزب الله» خمسة سياح إسرائيليين وسائق حافلة بلغاري في هجوم بالقنابل في بورغاس، مما أدى أيضًا إلى إصابة 45 شابًا إسرائيليًا كانوا على متن الحافلة. في حين دانت المحاكم البلغارية اثنين من نشطاء «حزب الله» غيابيا فيما يتعلق بالتفجير، لم تتحقق العدالة بعد». وشددت على أن «الولايات المتحدة ملتزمة بمواجهة النفوذ الخبيث لـ»حزب الله» وإيران. التمويل والتدريب والأسلحة وغيرها من أشكال الدعم تقدّم إيران لـ»حزب الله» دعمًا لهجمات إرهابية معقدة وشنيعة مثل هذه. إن القتل الوحشي للمدنيين يجب ألا يصمد. بدعمنا، أصدرت أكثر من 12 دولة في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الجنوبية وأميركا الوسطى والمحيط الهادئ تسميات أو حظرًا أو قيودًا أخرى على المستوى الوطني ضد «حزب الله». نحضّ المزيد من الدول على اتخاذ إجراءات مماثلة، مما يجعل من الصعب على الجماعة وداعميها في طهران تهديد السلام والأمن في جميع أنحاء العالم».
الجمهورية