الرئيسية / آخر الأخبار / العراق يدخل مواجهة شارع مقابل شارع… وشرخ في علاقة تركيا بالجماعات المسلّحة في إدلب

العراق يدخل مواجهة شارع مقابل شارع… وشرخ في علاقة تركيا بالجماعات المسلّحة في إدلب

مجلة وفاء wafaamagazine

 كتبت صحيفة “البناء”:

خطف الوضع في العراق الأنفاس خشية الانزلاق إلى مواجهة تخرج عن السيطرة، بعدما بدا أن التيار الصدري يستفرد بتظهير الشارع كسلاح يملكه وحده لفرض رؤيته لحل الأزمة، فخرج الإطار التنسيقيّ الى الشارع أيضاً معلناً الاعتصام على تخوم المنطقة الخضراء، وصارت المواجهة بين الرؤيتين، حل المجلس النيابي وانتخابات مبكرة برعاية حكومة الرئيس مصطفى الكاظمي، أم أولوية تشكيل حكومة جديدة وبعدها مناقشة الخيارات تحت قبة المجلس النيابيّ، بما فيها الانتخابات النيابية المبكرة، وفيما يتهم التيار الصدري الإطار التنسيقي بمحاولة الاستئثار بمجلس النواب بعد استقالة نواب التيار الصدريّ، يتهم الإطار الصدريين بالسعي لتمديد ولاية الكاظمي وتعطيل الحياة السياسية، وبين الفريقين ينتظر أن تنشط المساعي بحثاً عن حل وسط يرجّح أن يقوم على ثنائية حكومة انتقالية جديدة ترضي الإطار التنسيقيّ، وتمهّد للانتخابات المبكرة بما يلبي تطلع التيار الصدريّ.

في موازاة التأزم العراقي تأزم آخر على جبهة العلاقة بين تركيا والجماعات المسلحة في إدلب، على خلفية ما أعلنه وزير الخارجية التركية شاويش أوغلو عن أولوية الحاجة لمصالحة مع الدولة السورية، وكشفه عن لقاءات سورية تركية قيادية على المستوى الأمني، وعن لقاء سريع جمعه بوزير الخارجية السورية فيصل المقداد على هامش مؤتمر حركة عدم الانحياز، وخرجت الاحتجاجات التي نظمتها الجماعات المسلحة الإرهابيّة التي تتصدّرها تشكيلات تنظيم القاعدة والإخوان المسلمين، تهتف “أردوغان برا برا” تعبيراً عن درجة التأزم التي تؤكد ما كانت القيادة التركية تتهرّب من الاعتراف به، وهو أن المراعاة والإيجابية لا تفيد في احتواء هذه الجماعات، وأن لا حل مع هذه الجماعات إلا بالاستئصال.

على المستوى الإقليميّ لا يزال النقاش حول مستقبل الملف النووي الإيراني في الواجهة، مع الإعلان الأوروبي عن اعتبار يوم الخامس عشر من آب الجاري، موعداً نهائياً للبت بمصير العرض الأوروبيّ المقدم لكل من واشنطن وطهران كصيغة نهائيّة للاتفاق المنشود، وفيما أعلنت واشنطن موافقة مبدئيّة على الصيغة الأوروبيّة، بقي الكلام الأميركي عن الاستعداد للذهاب لمواصلة التفاوض في فيينا تعبيراً عن ملاحظات أميركيّة، بينما أعلنت إيران عن إحالة الصيغة الأوروبيّة الى لجنة خبراء لدراستها، بينما قالت مصادر أوروبيّة إن إيران تلمح لطلب رسالة ضمانات أوروبية حول النقاط التي لم يتمّ توضيحها في الورقة، تكون مرفقة بالاتفاق في حال القبول به كصيغة نهائيّة.

بالتوازي تردّد أميركيّ إسرائيليّ يعكس حالة الارتباك ما بعد حرب غزة الأخيرة، التي يبدو أنه كان مخططاً لها لتغيير قواعد اشتباك تطال الموقف من مفاوضات الترسيم مع لبنان، ويأتي الارتباك لأن نتائج الحرب جاءت معاكسة للخطة، فأعادت تعزيز معادلة الردع، وانعكست لصالح المقاومة في لبنان وشروطها، ويدور التردد الأميركي الإسرائيلي حول ما كان قد تمّ تسريبه كمقترح لتأجيل البت بملف الترسيم بالتزامن مع تأجيل الاستخراج من حقل كاريش في بحر عكا، حتى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، وسبب التردد هو الخشية من فرضيات يتمّ تداولها حول احتمال قيام رئيس الجمهورية بتوقيع مرسوم تعديل الخط 23 واعتماد الخط 29 رداً على المماطلة، وقيام المقاومة بتفعيل معادلة ما بعد كاريش، وفقاً لما سبق وقاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من أن هدف هذه المعادلة هو استباق فرضيّة قيام “إسرائيل” بالمماطلة والإعلان عن تأجيل الاستخراج من كاريش، والمضي بالاستخراج من سائر الحقول وترك لبنان ينتظر.

لبنانياً، بقيت قضية المودعين تتصدّر النقاشات اللبنانيّة، في ظل تهرّب الحكومة ومصرف لبنان والمصارف من وضع خريطة طريق قانونيّة تقول للمودعين كيف ومتى وبأية شروط سيتمكّنون من التصرّف بودائعهم، بينما عادت قضيّة المحروقات تدقّ أبواب اللبنانيين مع تعديلات مصرف لبنان على طرق السداد والمخاوف من أزمات جديدة بسببها، وبقي السؤال المحيّر حول ردّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على العرض الإيرانيّ الذي قدّمه السيد نصرالله بهبة مجانية من الفيول لزوم كهرباء لبنان، حيث تستعدّ طهران لاستقبال وفد لبناني تقني للبحث في ترتيبات ملف الفيول، دون أن يصدر عن الحكومة ووزارة الطاقة أية إشارة بهذا الاتجاه بانتظار موقف رئيس الحكومة.

وإذ تراجع ملف ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة خطوات الى الوراء في ظل الأجواء السلبيّة التي تنقل عن مباحثات الوسيط الأميركيّ عاموس هوكشتاين في «تل أبيب»، وغموض الردّ الإسرائيليّ على الموقف اللبناني في اجتماع بعبدا الأخير، بقي اللقاء بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي في صدارة المشهد الداخلي، لكونه حرك المياه السياسية الراكدة وقد يفتح كوة في جدار الاستحقاقات الداخلية المقفل لا سيما تأليف الحكومة الجديدة وخطر الفراغ المتوقع في رئاسة الجمهورية، وسط ترقب سياسي وخارجي لنتائج هذا اللقاء على المستوى السياسي في ضوء تأكيد حزب الله ورئيس الاشتراكي وليد جنبلاط على استكمال اللقاءات والحوار للاتفاق على حلول للأزمات وتأمين توافقات سياسيّة أوسع على ملفات أساسيّة كالكهرباء والاتفاق مع صندوق النقد الدوليّ ورئاسة الجمهورية.

وعقب لقاء كليمنصو، برز حراك جنبلاطيّ على خطوط المرجعيات السياسية والدينية لوضعها في أجواء اللقاء والتباحث في نتائجه وتسويق النقاط المشتركة، إذ أوفد جنبلاط نجله رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط إلى الديمان لإطلاع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على أبعاد تواصله مع حزب الله. وقال جنبلاط بعد اللقاء: “زيارتنا لنؤكد لصاحب الغبطة أن شراكتنا الوطنية والتاريخية شراكة ثابتة بدأت بمصالحة الجبل وإن شاء الله ستستمر في المستقبل لمصلحة لبنان ولاستقلاله ولسيادته رغم كل الضغوطات والمواقف السياسية”.

كما أوفد جنبلاط الوزير السابق غازي العريضي الى عين التينة، حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري وجرى عرض للأوضاع العامة والمستجدات السياسية، وغادر العريضي من دون الإدلاء بتصريح.

وعلمت “البناء” أن الحوار بين حزب الله والاشتراكي سيتفعّل لا سيما في ملف انتخاب رئيس للجمهورية فور الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، حيث سيتمّ التوافق على أسماء وسطيّة ثم طرحها على القوى السياسيّة الأخرى، لا سيما على الساحة المسيحيّة لتأمين توافق حولها ويمكن لجنبلاط أن يلعب دوراً محورياً على هذا الصعيد، وذلك لتسهيل الانتخاب ولتفادي الفراغ في الرئاسة الأولى والذي سينعكس فراغاً على كافة مفاصل البلد لا سيما على الصعيد الحكومي.

وتشير أوساط سياسية لـ”البناء” الى أن “مبادرة جنبلاط للقاء مع حزب الله تعكس التحولات والمتغيرات في المشهدين الإقليمي والدولي خلال الأشهر القليلة الماضية والتي يقرأها رئيس الاشتراكي جيداً، لا سيما تقدّم المفاوضات بين الإيرانيين والأميركيين والقوى الغربية والاقتراب من توقيع الاتفاق النوويّ، ما سيحدث انفراجاً في العلاقات الإيرانية مع الغرب وتحديداً مع الأميركيين، بموازاة الحوار السعودي الإيراني، والسعودي السوري، واللقاءات التركيّة السوريّة التي حصلت مؤخراً، ما يعني أن مشهداً جديداً يتشكل في المنطقة ستفرزه هذه الحوارات والاتفاقات، سينعكس على الداخل اللبناني وقد يعزّز النفوذ الروسي والإيراني والسوري على الساحة اللبنانية”.

كما قرأ جنبلاط وفق الأوساط، الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة وفشلها في القضاء على حركة الجهاد الإسلامي ولا حتى وقف تساقط صواريخ الجهاد على المستوطنات، فكيف بالحرب مع حركة حماس أو حزب الله أو إيران؟ ما يشير الى تحول كبير وتاريخيّ في موازين القوى العسكرية بين محور المقاومة و”إسرائيل”، وما يعزز هذا التحول في هذا الميزان العسكري، تهديدات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله التي فرضت على العدو معادلة عسكرية نفطية غازية جديدة تمثلت بمنعه من استخراج الغاز والنفط من كامل شاطئ فلسطين المحتلة قبل ضمان الحقوق السياديّة في شاطئ لبنان واستثمارها، الأمر الذي فرض على العدو تأجيل استخراج الغاز من كاريش لتجنب الحرب بعدما أخذ تهديدات السيد نصرالله على محمل الجدّ.

كما التقط جنبلاط، وفق المصادر نفسها، الحرب الروسية – الأوكرانية والتي أدّت الى التقدم الروسي على الساحة الدولية مقابل فشل الأميركيين في تحقيق أهداف الحرب التي ورطت أوكرانيا فيها وتلقت أوروبا تداعياتها السياسية والاقتصادية السلبية والتي ستتعمّق أكثر مع حلول فصل الشتاء بسبب القرار الروسيّ بوقف توريد الغاز الى الدول الأوروبيّة، الأمر الذي سيدخل أوروبا في أزمة تاريخيّة في ظل تعذّر إيجاد بديل عن الغاز الروسيّ كما وعد الأميركيّون، وفي ظل تعثر الاتفاق على ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة مع فلسطين المحتلة إثر التوجّه الإسرائيلي لتأجيل استخراج الغاز من حقل “كاريش” والذي كان من المفترض توريده الى اوروبا.

ولم يشهد ملف الترسيم أية معطيات جديدة في ظل ترجيح الأجواء السلبيّة، ووفق معلومات “البناء” فإن الوسيط الأميركيّ لم يبلغ أية رسالة للمسؤولين اللبنانيين، بل هناك أجواء متواترة تنقل عن مسؤولين أميركيين عن سلبيّة عاد بها هوكشتاين من الأراضي الفلسطينية بعد محادثاته مع المسؤولين الإسرائيليين. وتشير مصادر قناة “المنار” الى أن “آخر تواصل لبنانيّ مع هوكشتاين أكد فيه حصول تقدم، لكن التصعيد في غزة فرمَلَ الأمور، كما قال، وعند هذا الجواب توقفَّت المعطيات اللبنانية”.

وتحذّر مصادر مطلعة لـ”البناء” من التعنت والمكابرة الإسرائيلية في ملف الترسيم، علماً أن الحكومة الإسرائيلية تدرك أن لا مفرّ من توقيع الاتفاق في نهاية المطاف لتجنّب الحرب مع لبنان أولاً وضمان استخراج الغاز من كاريش ثانياً، وبالتالي أي خيار آخر سيلجأ اليه العدو سيرتب عليه تداعيات كبيرة قد تكون الحرب العسكريّة منها. وتؤكد المصادر أن حزب الله يراقب الوضع الحدوديّ وينتظر زيارة الوسيط الأميركيّ الى لبنان لمعرفة الرد الإسرائيليّ للبناء على الشيء مقتضاه، وأن أية مماطلة أو مناورات خداعيّة لن تنطلي على المقاومة غير المقيّدة بحسابات ومهل إسرائيليّة وتقرأ حركة الوسيط الأميركي والموقف الإسرائيلي وتدرس حساباتها وخياراتها جيداً والتي لن تكون أقل من التحرك عسكرياً في الوقت المناسب والذي لن يطول وقد يكون مفاجئاً للعدو.

وقال نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم عبر “تويتر”: “نحن معنيّون بأن يحصل لبنان على حقوقه في المهلة المحدّدة، ولسنا معنيين بظروف الحكومة الإسرائيلية والانتخابات في الكيان، وحزب الله قوة داعمة للدولة لاسترجاع الحقوق بالترسيم والحفر والاستخراج من دون تسويف أو مماطلة”.

بدوره، شدّد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، النائب محمد رعد على أن “حزب الله ينتظر ما سيعود به الموفد الأميركي، من الكيان الصهيونيّ”، لافتًا إلى “أننا ننتظر لكن ليس لوقت طويل”، مشددًا على أن “على العدو الصهيونيّ أن يعرف بأن حسابنا معه سيبقى مفتوحًا إلى أن يتحقق التحرير الكامل لمياهنا وأرضنا وستبقى يدنا على الزناد”.

ونفّذ جيش الاحتلال مناورة حماية بحريّة لحقل “كاريش” والمجال المحيط به على مقربة من السواحل اللبنانية، وشملت حضور قوات البحر والجو والسايبر.

ولفتت صحيفة معاريف إلى أن “الجانب الإسرائيليّ يتابع التهديدات من قبل حزب الله بضرب منصات الغاز على خلفيّة النزاع على الحدود البحريّة”، مضيفة أن “المؤسسة الأمنيّة اعتبرت أن هذه المناورة ممتازة”.

ونقلت الصحيفة عن مصدر أمنيّ صهيونيّ رفيع المستوى قوله إن “الرسالة التي أردنا نقلها فُهمت جيدًا في لبنان وفي أماكن إضافيّة”.

ووفقًا للصحيفة، تقدر المؤسسة الأمنية أنه “على الرغم من تهديدات حزب الله، في نهاية المطاف سيتمّ التوصل إلى تسوية، بناء على فرضية أن كل الأطراف يدركون أن مطالب حزب الله ليست مرتبطة بالواقع”.

على صعيد آخر، تفاعلت قضية المودع بسام الشيخ حسين. فبعدما تلقى الأخير وعوداً من ضباط أمنيين تولوا التفاوض معه لإخراجه من المصرف، بأنه لن يتم توقيفه، أفيد أمس أن المحامي العام التمييزي في بيروت القاضي غسان خوري أعطى اشارة قضائيّة ليلا بتوقيف الشيخ حسين، ما دفع أهالي المودع الى قطع طريق الأوزاعي احتجاجاً على توقيفه.

وبدأ الشيخ حسين إضرابًا عن الطعام، وقد هدد خلال اتصال هاتفيّ مع محاميته بشنق نفسه ما لم يتم الإفراج عنه كما تم الاتفاق معه.

وفيما كان متوقعاً أن تحرّك الحادثة الأمنيّة في الحمرا المسؤولين للبدء بوضع خطة عاجلة لإعادة الودائع الى أصحابها بشكل تدريجيّ لطمأنة المودعين، لا يزال الخلاف مستحكماً بين المسؤولين المعنيين بالشأن المالي والمصرفي لا سيما على خطة التعافي المالي وإقرار القوانين الإصلاحيّة المطلوبة لتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدوليّ.

ورأى نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي في بيان أن “لبنان يقف الآن على مفترق طرق ويبرز مساران لا ثالث لهما: الاعتراف بالواقع وبالأزمات العميقة التي نعاني منها، والتعامل معها وجهاً لوجه مما يعني اتخاذ الإجراءات المطلوبة والقيام بالإصلاحات الضروريّة والملحّة، والتي تضع البلد على السكة الصحيحة؛ أو ترك الأمور على ما هي عليه واستمرار حالة الإنكار عند البعض لن يبقينا حيث نحن الآن، بل سيدفع بالبلاد إلى المزيد من الانزلاق إلى الهاوية”.