مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة الأنباء”:
انتقال الأزمة اللبنانية إلى نيويورك عبر اللقاءات التي أجراها رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، يؤكّد مرة جديدة أنّ لبنان ما زال يحظى باهتمامٍ عربي ودولي كبيرين، ولكن على قاعدة ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم. فلا أحد من القادة الذين التقاهم ميقاتي يملك عصا سحرية يستطيع من خلالها أن يحلّ مشكلة لبنان المعقدة التي تجاوزت بتعقيداتها وتشعباتها أصعب الأزمات في العالم، فإذا لم يتمكّن اللبنانيون من مساعدة أنفسهم فلا يمكن لأي قوة مهما بلغ شأنها أن تساعدهم.
اليوم، ومع دخول البلاد في الاستحقاق الدستوري، وضرورة انتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للرئيس ميشال عون المنتهية ولايته في ٣١ تشرين أول، يكون الاستحقاق قد دخل مراحله الحاسمة وسط الانقسام المتحكم بالطبقة السياسية والإخفاق بقيام أكثرية في الانتخابات النيابية الأخيرة، لذلك لن يتمكن المجلس من انتخاب رئيس للجمهورية من دون تدخلات خارجية، ما يعطي الأزمة اللبنانية بُعداً عربياً وإقليمياً ودولياً.
هذا وفيما يصرّ رئيس الجمهورية وفريق الممانعة على تشكيل حكومة لتحاشي الفراغ السياسي، يشدّد الفريق السيادي، ونواب التغيير، والمستقلّين، على الذهاب إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي قبل أي شيء آخر، مع التشديد على عدم انتخاب رئيس جمهورية تابع لفريق الممانعة.
في هذا السياق، يأتي تحرّك السفير السعودي، وليد البخاري، ليعطي هذا الاستحقاق بُعداً عربياً في أعقاب الاجتماعات التي عُقدت مؤخراً في باريس بحضور السفير الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط باتريك دوريل، والمستشار الملكي السعودي نزار العلولا، والسفير السعودي في لبنان.
السفير البخاري الذي بدأ تحرّكه مع أكثر من مرجعية، نقلت عنه أوساطه تشديد بلاده على انتخاب رئيس يحظى بإجماع القوى السياسية، وأن يكون غير منغمسٍ بالفساد، ومن دون الدخول بالأسماء، مقابل عودة العلاقات السعودية مع لبنان إلى سابق عهدها مع توفير الدعم اللّازم لانتشال لبنان من الانهيار.
في مقابل ذلك يأتي اللقاء الموسّع للنواب السنّة، المرتقب في دار الفتوى بعد غد السبت، برئاسة المفتي عبد اللطيف دريان ليكتسب أهمية خاصة في هذه الظروف. اللقاء سيحضره غالبية النواب السنّة باستثناء نائبين أو ثلاثة نواب، وسيُختتم ببيانٍ يشدّد فيه على وحدة المكوّن السنّي، وتحصين موقع رئيس الحكومة، واعتبار الطائفة السنّية إحدى أهمّ الركائز الوطنية في الدولة اللبنانية.
في هذا السياق، لفت نائب الجماعة الإسلامية، الدكتور عماد الحوت، إلى عدم وجود رابط بين اللقاء المرتقب في دار الفتوى والحراك الذي يقوم به السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، مشيراً في حديثٍ مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى أنّ لقاء دار الفتوى يهدف لإظهار موقف المكوّن السنّي حيال التطورات على الساحة المحلية، والذي يجب أن يكون موقفاً متقارباً وموحّداً يدفع باتجاه إنجاز الاستحقاقات الدستورية في موعدها. أمّا حراك السفير السعودي فيهدف إلى استقرار البلد، والذهاب الى انتخاب رئيس جمهورية، ضمن الاستحقاقات الدستورية وعدم السماح بتأجيلها. أمّا بالنسبة للعلاقة بينهما فمن حيث الشكل لا يوجد رابط بين اتصالات السفير مع القوى السياسية التي يلتقيها ولقاء سماحة المفتي مع النواب السنّة، لكن الاثنين يهدفان إلى نتيجة واحدة تلتقي على هذه المعايير.
وعن تشديد البخاري على انتخاب رئيس جمهورية من خارج فريق ٨ اذار، قال: “هذا أمر يُسأل عنه السفير السعودي، أمّا نحن فمن مصلحتنا أن نلبنن الاستحقاق الرئاسي مع وجود مناخ إقليمي ودولي مشجّع، فمسألة تحديد المواصفات تنطلق من خيارات لبنانية، وأنّ السنوات الست من تجربة الرئيس ميشال عون كانت تجربة فاشلة أدّت إلى وصول لبنان إلى ما هو عليه، فلبنان لا يستطيع أن يتحمّل رئيس طرف، لذلك نقول لا لرئيسٍ من ٨ آذار، ولا لرئيسٍ ينتمي لأي فريق آخر. نريد رئيسَ جمهورية يمتاز بالاستقامة والنزاهة، ويملك رؤية واضحة لإنقاذ لبنان”، متوقعاً أن يعقب لقاء دار الفتوى بيانٌ يوضح فيه الموقف السنّي الوطني، كاشفاً أنّ الملف الرئاسي أصبح بحكم المؤجّل، وهذا يفسّر الاستعجال في تشكيل الحكومة.
أسابيع مزدحمة بالأحداث والمواقف سيشهدها لبنان، ولا شك أنّ لقاء السبت محطة أساسية في مسار الاستحقاق الرئاسي، ورفع أسهم أي مرشح للرئاسة.