مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت “النهار”
لم تبدل أيام “الحفاوة” المتصاعدة باتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل حرفا في الانعكاسات الفورية على الأقل على المسار المالي المأزوم والاخذ في شد الخناق على اللبنانيين. فلم يكف اللبنانيين “القصاص” الذي تنزله بهم المصارف “بالجملة ” عبر اقفال أبوابها وحتى معظم صرافاتها الالية منذ اكثر من أسبوع، حتى اقفل أسبوع الحفاوة باتفاق الترسيم بسقف قياسي جديد غير مسبوق في تدهور سعر الليرة اللبنانية امام الدولار الأميركي الذي اخترق امس للمرة الأولى سقف ال40 الف ليرة في السوق السوداء. بدا واضحا بذلك ان التطور “التاريخي” على أهميته ودلالاته الاستثنائية الذي تمثل في اتفاق الترسيم الحدودي ، لم يسقط بردا وسلاما بدوره على معطيات مالية واقتصادية وسياسية داخلية اخذة في التأزم المتدحرج ما دامت صورة الدولة وواقعها متجهين نحو مرحلة شديدة الخطورة في ظل ما بات شبه حتمي من شغور رئاسي وغموض خطير في الواقع الحكومي. وعلى مقربة الأسبوعين الأخيرين من العهد العوني، باتت ترتسم معالم حقبة تصعيدية في الاستحقاق الرئاسي ترجمها التصرف الفاقع في نمط تعامل معظم قوى “محور الممانعة” بقيادة “حزب الله” باسقاط نصاب جلسات الانتخاب الرئاسية بحيث سيغدو متعذرا توقع انعقاد أي جلسة أخرى قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول الحالي ، وتحت شعار اشتراط التوافق لانتخاب الرئيس المقبل سيجري زج لبنان في حقبة فراغ رئاسي ومؤسساتي يعرف الجميع موعد بدايتها ولا يعرف احد تاريخ نهايتها.
كولونا
ولذلك اكتسبت الزيارة الخاطفة التي قامت بها وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا لبيروت منذ مساء الخميس حتى عصر الجمعة طابع نقل التحذيرات الأشد صرامة وجدية وحزما من فراغ لم يعد لبنان يتحمله وستكون لارتداداته عواقب وخيمة للغاية . اذ ان كولونا التي نقلت هذا التحذير الشديد النبرة الى كل من الرؤساء عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي، شددت علنا أيضا على أنه “يجب انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل انتهاء هذا الشهر” مشيرةً الى أنّ “الرسالة التي أحملها هي وجوب احترام الاستحقاق الدستوري وهذه ضرورة أساسية للبنان وهو لا يحتمل خطر الفراغ في السلطة”. واكدت في مؤتمر صحافي من مطار بيروت الدولي في ختام جولتها على القيادات اللبنانية أنّ “انتخاب الرئيس اللبناني المقبل يعود إلى اللبنانيين وحدهم، وعليهم اختيار رئيس يستطيع أن يرأس الشعب ويعمل مع اللاعبين الإقليميين والدوليين لتخطّي الأزمة الحالية لضمان استقرار وأمن وسلامة لبنان”. كما لفتت الى أنّ “الاتفاق التاريخي الذي عقده لبنان مع إسرائيل في موضوع ترسيم الحدود البحرية لن يحلّ مكان الإصلاحات التي تبقى أولوية”، مشددة على أنه “يجب تطبيق الاتفاق مع البنك الدولي وهذا الخيار الوحيد لإرسال رسالة ثقة إلى المستثمرين والإتيان بالتمويل الذي يحتاج إليه لبنان” . وأضافت أن “من غير المقبول أن يستمر الشعب اللبناني بتحمّل عواقب أزمة هو غير
مسؤول عنها ونحن ندعم هذا الشعب ونساعده طالما يُساعد نفسه”، مشيرةً الى أنه “بعد عامين من انفجارات مرفأ بيروت ينتظر اللبنانيون العدالة بعيدا من أي نفوذ سياسي”. ورأت كولونا أنّ “الشعب اللبناني قادر أن يتّحد عندما يُريد ذلك، وبعد انتخاب رئيس جديد ستكون في المستقبل حكومة تمارس عملها بالكامل”. وعن موضوع النازحين السوريين ، كشفت أنّ “الإتحاد الأوروبي تمكّن من جمع مبالغ للغاية لمساعدة النازحين، وهي مأساة إنسانية يتحملها لبنان ومفتاح هذا الوضع يتعلق بتحسن الأوضاع في سوريا”.
ومع ذلك ظل اتفاق ترسيم الحدود البحرية في واجهة الاهتمامات والمواقف والترددات الخارجية ايضا . وفي هذا السياق رحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالاتفاق، وعبر المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك – في بيان وزعه فجر امس عن “الاعتقاد القوي للأمين العام بأن هذا التطور المشجع يمكن أن يعزز الاستقرار المتزايد في المنطقة، ويعزز الرخاء للشعبين اللبناني والإسرائيلي”. وأكد “استمرار التزام الأمم المتحدة بمساعدة الطرفين، والتزامها بدعم التنفيذ الفعّال لقرار مجلس الأمن 1701 (2006) والقرارات الأخرى ذات الصلة، والتي أشار إلى أنها تظل أساسية لاستقرار المنطقة”.
مشاركة قطر
اما في التطورات الإجرائية البارزة المتصلة بالاتفاق فعقد الرئيس ميقاتي امس اجتماعا مع وزير الطاقة والمياه وليد فياض واعضاء هيئة ادارة قطاع البترول كشف بعده فياض عن رغبة قطرية في الدخول إلى التحالف للتنقيب عن النفط في البلوكين 4 و9. وقال “لقد وردت الرغبة القطرية عبر رسالة من وزير النفط القطري سعد الكعبي أعلن فيها نوايا دولة قطر الشقيقة بمشاركة لبنان بالدخول الى التحالف الذي سينقب في البلوكين 4 و9 لتصبح قطر الشريك الثالث لشركتي ” توتال” “وأيني” في هذين الحقلين، وهذا أمر مهم جدا، لأننا نعرف قدرة قطر الاستثمارية ورغبتها التي أعلنت عنها عبر زيارات مختلفة لسفيرها للوزارة للاستثمار في النهوض الاقتصادي للبنان في قطاع النفط والغاز، في التنقيب وانتاج الطاقة”.
العودة “الطوعية”؟
وسط هذه الأجواء بدات التحركات والمواقف الرسمية اللبنانية المتصلة بمسألة إعادة اعداد من النازحين السوريين الى سوريا تثير التباسات مع الجهات الخارجية المعنية بازمة النازحين السوريين . وامس شدد عون مجددا امام كولونا على “أهمية عودة النازحين السوريين الى بلادهم، خصوصاً وان العودة آمنة في ظل الاستقرار الذي تنعم به معظم المناطق السورية”، مجدداً “رفض لبنان القاطع لدمج النازحين في لبنان”، معتبراً ان “اللبنانيين جميعاً يقفون ضد هذه الخطوة لما تحمل من سلبيات للشعبين السوري واللبناني على حد سواء”.
ولاحقا دعت منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية إلى “وقف تنفيذ خطة لإعادة اللاجئين السوريين بشكل غير طوعي إلى بلادهم” بعد تصريحات لمسؤولين عن استئناف ترحيلهم على دفعات بدءاً من الأسبوع المقبل.
وتقدّر السلطات وجود أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري على أراضي لبنان بينما يبلغ عدد المسجلين منهم لدى الأمم المتحدة أكثر من 830 ألفاً.
في هذا الإطار قالت نائبة مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة ديانا سمعان إنّ “السلطات اللبنانية توسّع نطاق ما يُسمّى بعملية العودة الطوعية (…) بينما ثبت جيداً أن اللاجئين السوريين في لبنان ليسوا في موقع يسمح لهم باتخاذ قرار حرّ” حول عودتهم، بسبب إجراءات تتخذها الحكومة السورية تقيّد “تنقلهم ومكان إقامتهم”، فضلاً عن تعرضهم “للتمييز وعدم تمكنهم من الوصول إلى الخدمات الأساسية”. وأضافت أنّه “من خلال تسهيلها بحماسة عمليات العودة هذه، تعرّض السلطات الللبنانية، عن قصد، اللاجئين السوريين لخطر المعاناة من انتهاكات شنيعة والاضطهاد عند عودتهم إلى سوريا”.
وكان المدير العام للأمن العام عباس ابرهيم قال الخميس إنّ استئناف عملية إعادة اللاجئين ستتم وفق الآلية نفسها المتبعة سابقاً، مشيراً إلى أنّ الدفعة المقبلة ستضم 1600 شخص. وأوضح أنّ الجانب اللبناني لا يزال ينتظر رد السلطات السورية للبتّ بمواعيد إعادتهم. ويُرسل الجانب اللبناني قوائم بأسماء اللاجئين إلى السلطات السورية التي بدورها تمنح موافقتها الأمنية والقضائية على الأسماء المسموح بعودتها.