مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت “نداء الوطن”
بعدما بيّنت الجولة الرئاسية الثانية بشكل فاقع وفاضح أنّ السلطة تسير بخطى ثابتة نحو فرض الشغور في سدة الرئاسة الأولى، وأنّ دعوات رئيس المجلس النيابي نبيه بري لإنجاز الاستحقاق ما هي سوى “لزوم المشهد” بانتظار انقضاء المهلة الدستورية، أتت زيارة وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى بيروت لتضع الإصبع على مخطط الاستنزاف الممنهج للاستحقاق الرئاسي، فعكّرت مزاج الطبقة الحاكمة بتحريكها المياه الرئاسية والإصلاحية الراكدة، ناقلةً “رسالة سهلة” حسبما وصفتها، تشدد على وجوب “احترام الاستحقاق الدستوري لأنّ لبنان لم يعد يستطيع تحمّل خطر الفراغ”.
وإذ نبّهت إلى أنّ الظروف اختلفت عن العام 2014 “فالوضع تدهور اقتصادياً واجتماعياً ولبنان لا يستطيع في العام 2022 أن يسمح بفراغ دستوري” كما كان يحصل في السابق، حرصت الوزيرة الفرنسية تكراراً ومراراً خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدته في ختام زيارتها اللبنانية على التأكيد على كون الرسالة التي نقلتها إلى المسؤولين “ليست فقط باسم فرنسا إنما هي رسالة من فرنسا ومن شركائنا في الاتحاد الأوروبي وأصدقاء لبنان الذين تجمعوا حوله لمساعدته في الآونة الأخيرة”، مشددةً في جوهر هذه الرسالة على أولوية إنجاز الاستحقاق الرئاسي ضمن المهل الدستورية على قاعدة أنّ لبنان قادر على تخطي مشاكله من خلال “انتخاب رئيس جديد وبعد ذلك يكون هنالك حكومة بالمستقبل تمارس مهامها بالكامل”.
وفي معرض تشديدها على أهمية الاستحقاق الرئاسي، حذّرت كولونا من أنّ هذا الموقف لا ينطلق من مجرد ضرورة “احترام المهل فقط”، بل أيضاً في سبيل “تجنّب العواقب الاقتصادية والمالية”، داعيةً المسؤولين اللبنانيين إلى “اليقظة” لأنّ باريس و”الشركاء والأصدقاء متّحدون” حول الرسالة التي حملتها معها إلى بيروت لأنّ “ما تغيّر الآن هو أنّ الوقت قد مرّ والوضع قد تدهور ولم يعد لدينا وقت كافٍ للتحرّك… وبالتالي يجب ألا نضيّع الوقت من الآن وصاعداً”.
ولم تتردد رأس الديبلوماسية الفرنسية في تحديد مكمن “الخطر والتحدي” في هذه المرحلة وهو “تجنّب أي فراغ رئاسي بعد انتهاء مدة الرئيس الحالي”، مجددةً التشديد على أنّ الموقف الذي تعبّر عنه “واضح وأنقله بكل بساطة وهو موقف نشاركه مع كل أصدقاء لبنان في أوروبا والعالم”، لكنها ومقابل التأكيد على أنه “يعود للبنانيين وحدهم اختيار رئيسهم” وضعت المواصفات المرتقبة لرئيس الجمهورية اللبنانية الجديد من المنظار الفرنسي والأوروبي والدولي، بحيث يجب أن يكون رئيساً “يستطيع ان يرأس الشعب اللبناني ويعمل مع اللاعبين الإقليميين والدوليين لتخطي الأزمة الحالية لضمان استقرار وازدهار وأمن وسلامة لبنان”.
وبالتوازي مع دعوتها المسؤولين اللبنانيين إلى اعتماد “الديناميكية نفسها التي ظهرت حول التوافق على الترسيم الحدودي البحري مع إسرائيل” في مقاربة الاستحقاق الرئاسي، نوّهت كولونا بـ”الاتفاق التاريخي” بين لبنان واسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية للبلدين، لافتةً الانتباه إلى أنّ فرنسا “عملت بقوة لإنجاز هذا الاتفاق إلى جانب الأميركيين”، لكنها سارعت إلى قطع الطريق أمام أي محاولة من جانب أركان السلطة اللبنانية للتملّص من الإصلاحات المطلوبة دولياً من لبنان تحت غطاء اتفاق الترسيم البحري، جازمةً بصريح العبارة على مسامع المسؤولين بأنّ هذا الاتفاق لن يعفيهم من مسؤولية الإصلاح لأنه “لن يحلّ مكان الاصلاحات الاقتصادية والمالية التي تبقى ضرورية”، مع الإشارة في هذا المجال إلى أنّ “الأولوية بالتأكيد هي لتطبيق الاتفاقية التي تم التوصل إليها مع صندوق النقد الدولي العام المنصرم، وذلك هو الخيار الوحيد لارسال رسالة ثقة إلى المستثمرين من القطاع الخاص والإتيان لهذا البلد بالتمويل الذي يحتاجه لمواجهة تدهور الخدمات العامة والقيام بالإصلاحات الضرورية للنظام الاقتصادي والمالي”.
وكانت وزيرة الخارجية الفرنسية قد جالت على الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي، ناقلةً رسالة موحّدة من باريس وشركائها تشدد في عناوينها العريضة على وجوب “انتخاب رئيس جديد للجمهورية وإقرار الإصلاحات الضرورية للنهوض الاقتصادي”، مؤكدةً أهمية “إتمام الاستحقاقات الدستورية في موعدها واستكمال الاصلاحات الضرورية للانتقال إلى التوقيع النهائي لاتفاق لبنان مع صندوق النقد”، مع التشديد على كون “المجتمع الدولي ككلّ” يتطلع إلى إتمام الاستحقاق الرئاسي لأنّ “حصول الفراغ من شأنه أن يضعف الموقف اللبناني في إدارة عمليات التفاوض (مع الصندوق) لحل أزماته ومعالجة ملفاته الضرورية”.