مجلة وفاء wafaamagazine
أقامت جمعية المبرات الخيرية احتفالا تأبينيا في قاعة الزهراء – حارة حريك، لمناسبة مرورأربعين يوما على رحيل نائبة المدير العام للتربية والتعليم الأستاذة رنا إسماعيل، في حضور وجوه تربوية واجتماعية ونيابية، بالإضافة إلى رؤساء بلديات وهيئات محلية وممثلين عن منظمات وهيئات دولية.
فضل الله
وألقى العلامة السيد علي فضل الله كلمة في المناسبة جاء فيها: “لم يهمل المرض الحاجة رنا حتى تستكمل مسيرتها التي بدأتها في المبرات والتي استطاعت من خلالها أن تصنع الفارق العلمي والتربوي والأخلاقي حتى في ظل هذا الهجوم المفاجئ الذي لم ينل من جسدها فحسب بل أصاب المبرّات في الصميم، ولم يوجع قلبها فقط، بل أوجع كل أولئك الذين تطلعوا إلى استكمال كل خطوات البناء التربوي إلى جانبها ومن خلال أفكارها المتميزة ومتابعاتها اللصيقة وحرصها الدائم على الارتقاء بالمبرات وبالمسيرة العلمية الكبيرة التي لم تبتعد عنها حركة وهدفا منذ كانت خطواتها الأولى”.
وتابع: “لقد اختارت الحاجة رنا المبرات لأنها رأت في أهدافها ما كانت تهفو إليه، فهي لم تكتف بالإشادة بها بل جعلتها في صلب مهامها ودورها، وهو ما منح لحياتها المعنى الرسالي الذي انطلق من فكر مؤسسها سماحة السيد محمد حسين فضل الله. لقد أخلصت الحاجة رنا لهذا المشروع، بل كانت ممن شارك في وضع مداميكه الأولى، وأعطته كل جهدها وحياتها ووفرت كل الظروف التي تضمن نجاحه رغم الصعوبات والتحديات التي واجهت هذا الوطن في كل المراحل السابقة”.
وأضاف: “لم يكن غريبا أن يكون هاجسها اكتشاف واستثمار أي إبداع في الميدان الإداري أو التربوي أو العلمي لتوظيفه في تنمية وتطوير ليس المبرّات فحسب، بل لتضع كل ذلك في خدمة قطاع التربية على مستوى الوطن، وتشهد على ذلك بصماتها الساطعة، هي وزملاؤها وزميلاتها، في ما أنجز من مناهج تربوية رسمية، ولا يزال الكثير مما اختزنته تجاربها من قفزات وإضاءات أمورا نحتاج إليها في تطوير الجانب التربوي والذي ينبغي للدولة أن توليه العناية الأساسية، فلا تهمله تحت وطأة الضربات المتوالية للأزمات المعيشية والاقتصادية”.
واعتبر فضل الله أن: “خسارة الراحلة رنا هي خسارة كبيرة للمبرات، وللجسم التربوي والعلمي في لبنان”، وقال: “الخسارة أن ترحل في هذه الأيام بالذات التي نعول فيها على مثل هذه الشخصيات المبدعة حيث الوطن بأمسّ الحاجة إليها، فبمثل هذه الشخصيات تقوم الأوطان وتنهض الشعوب ويصنع المستقبل”.
الأشقر
بعد ذلك، كانت كلمة وزير التربية والتعليم العالي القاضي عباس الحلبي ألقاها المدير العام للتربية عماد الأشقر، عدد فيها مزايا الراحلة قائلا: “قلما أجمعت الأسرة التربوية على محبة شخصية تربوية ومهنية كما أجمعت على حب الراحلة العزيزة السيدة رنا إسماعيل. فقد زينت بحضورها ورجاحة عقلها وعمق مقاربتها للقضايا التربوية، كل مؤتمر تربوي وكل اجتماع تربوي وكل لجنة تعمل من أجل التربية ومن أجل ذوي الإحتياجات الخاصة والصعوبات التعليمية. كما كانت شريكة فاعلة وصاحبة رأي مسموع في ورش المناهج التربوية وفي كل مشاركة في هذا الميدان الذي يحزن ويتألم لرحيلها”.
وأشار إلى أن ” جمعية المبرات الخيرية رسمت لنفسها خطا واضحا في الإيمان بالله، وتعزيز الوطنية الصادقة، واحترام القانون، والتواصل مع الآخر في الوطن، فحفظت جيدا خط المؤسس العلامة السيد محمد حسين فضل الله في الإيمان والقيم والأخلاقيات التي تدعو إلى العلم والثقافة والتمسك بتراثنا الوطني، وانفتاحا على الثقافات واللغات العالمية والإنخراط في التقدم العلمي”.
وأضاف:”ها هي المبرات اليوم برئاسة العلامة السيد علي فضل الله، تتابع مسيرة التطوير والعناية بالموارد البشرية من خلال المؤسسات التربوية والجامعية والمؤسسات الإجتماعية ومؤسسات العناية الطبية، والاهتمام بكل أبناء المجتمع، وخصوصا الذين قست عليهم الحياة”.
الأمين
ثم ألقى الباحث في الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية الدكتورعدنان الأمين كلمة جاء فيها: “تدهشني رنا اسماعيل بجمعها بين الخلفية الفكرية العريضة التي تملكها وقدراتها العالية على التحسس بالممارسات، وبجمعها بين الصلابة والمرونة، وبين هدوء الكلام وقوة الحجّة، وبين الانفتاح على النظريات الغربية والتمسك بتقاليد مؤسسية ودينية واجتماعية، كان هذا الانفتاح هو مدخل العلاقة التي تطورت بين جمعية المبرات والهيئة اللبنانية للعلوم التربوية”.
أضاف:”ما جمعنا بالجمعية بقيادة الأستاذة رنا هو أولوية المعرفة على الإيديولوجيا، والاعتقاد بأن التعليم يستهدف الطلبة وتوفير أعلى نوعية تعلم لهم، وما عدا ذلك كله وسائل: تعيين المديرين والمعلمين وتدريبهم واختيار المواد الدراسية وغير ذلك، لا تظنوا أنني أقول فكرة بديهية مفروغا منها، أراهنكم بأن ما يحصل في عدد كبير من زوايا مجتمعنا اللبناني هو العكس، الوسائل فيها هي الغاية، المدارس تُنشأ وتملأ لخدمة القائمين عليها، مثلما أن بعض المستشفيات ينشأ لخدمة القائمين عليها وليس من أجل المرضى”.
اليونيسكو
بعد ذلك، ألقى عاصم أبي علي كلمة مكتب اليونيسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية، ومما جاء في كلمته:
“عملت الراحلة رنا مع مكتب اليونيسكو بكل أمانة وحرفية لتقديم أفضل ما لديها، حيث كانت مرجعا لليونيسكو في مواضيع الدعم النفسي – الاجتماعي وفي مجالات التربية والتعليم والطفولة المبكرة. واتسمت علاقتها المهنية مع مكتب اليونيسكو بالأمانة والحرفية، فقد شاركت في تطوير برامج تدريب متخصصة ووضعت أدلّة تدريبية وأعدّت تقارير إقليمية وشاركت في الكثير من المؤتمرات والنقاشات المحلية والإقليمية والعالمية أيضاً”
وأضاف: “شاركت السيدة رنا وبشفافية عالية خبراتها التراكمية، وخاصة خبرتها في جمعية المبرّات الخيرية، مع كل من عملت معه وكل من درّبته في لبنان، سوريا، الأردن، مصر، السودان وغيرها من الدول التي نعمل فيها، فما انتجته من تقارير وأدلة تدريبية سيبقى مرجعا ومصدرا للعلم والتطور لكثير من المعلمين والمربين والمدربين في لبنان والدول العربية، وستبقى بصماتها وسيرتها مصدر إلهام لنا جميعا. لقد كانت دائما صوتا مدافعا عن قضايا الطفولة والتربية والتعليم، خاصة عن أولئك الذين هم بخطر أو يعيشون في أماكن أو أوقات صعبة”.
كرامي
ثم ألقت رئيسة قسم التربية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة ريما كرامي كلمة قالت فيها: “قل ما نلتقي بقادة تربويين تجتمع في صفاتهم سمات القائد التربوي التغييري والمخطط الإستراتيجي والإداري الفعّال، رنا جمعت هذه الصفات وترجمتها إنجازات للمؤسسات التربوية التي نذرت مسيرتها المهنية لخدمتها. لقد امتلكت رنا رؤية تجديدية بامتياز، وقدرة على هندسة خطط استراتيجية لتحقيقها، ومهارات لإدارة عملية تنفيذها بكل تفاصيلها، وانفتاح على تقييم ما قامت به، والشجاعة على تبني نتائج هذا التقييم بعين نقدية مستعدة للتحسين والتعلم”.
أضافت :”كانت رنا عرابة برنامج التطوير الإداري الذي أطلقته جمعية المبرات وقامت بتنظيمه وإدارته طوال عشر سنوات، فأصبحت مؤسسات جمعية المبرات السباقة في إعداد كوادرها الإدارية في حقبة لم يكن فيها مفهوم التدريب الإداري، لا سيما في القطاع التربوي والرعائي، مدونا أو معتمدا بعد”.
وأشارت إلى أن: ” قيادة وإدارة رنا الحكيمة لمدة خمس وعشرين سنة لمبادرات تجديدية تلو الأخرى وتحويلها إلى سياسات ساهمت في حياكة نسيج مؤسساتي للمبرّات زرعت فيه بزورالتجديد المستمر، فتألقت مدارس المبرات كنماذج لمؤسسات تربوية متميزة قل نظيرها في العالم العربي، لأنها مؤسسات مرحبة تحترم سياقها وتمتلك آليات الجودة وسياسات دعم التطوير المستمر وتثمر تفوقا لطلابها وطالباتها”.
وختمت كلمتها بدعوة المهتمين بتطوير القطاع التربوي وكل المعنيين به في لبنان والعالم العربي إلى “الاعتراف برنا إسماعيل كقامة تربوية شامخة، تستحق مسيرتها التكريم والدراسة، ليس فقط اعترافا بجميلها وعطاءاتها وإرثها التربوي الذي تجاوز الأثر المنظور في المبرات، إنما تثبيتا للنموذج التربوي الذي جسدته، عسى أن يساهم ذلك في إعادة المعنى والمكانة لمهنة ودور المربي في نهضة المجتمع الإنساني”.
مليحة الصدر
كذلك ألقت مليحة الصدر كلمة أصدقاء العائلة، قائلة: “كيف أحكي عن صديقة، وهي خيار؟ وماذا أحكي عن أخت شيدت منزلها في قلبي تستضيف فيه الفجر والأحلام والفرح، وماذا سأحكي بعد السلام عليها وفيها انطوت عوالم من إنسانية اشتعلت نبض إيثار وأشعلت معها شموعا تنير ليالي الجهل والخوف”.
وتابعت: “رنا إسماعيل هي الفارسة التي شدّت رحالها إلى موطن السكينة للقاء أحبة بلسموا الوجع وأضاؤوا بأناملهم مرارة الزمن حين خف ضجيج الأقدام عن بابنا. هي المعلمة، معها تتسع مشارف المعرفة وتخضر الحروف وتسمو إشراقات نجاحات لأرواح استرشدت بعقلها النير”.
كلمة العائلة
وألقت سمية علي كلمة العائلة تحدثت فيها عن “رنا الأم والمرشدة والمعلمة والرائدة”، معلنة عن “منحة رنا إسماعيل الدراسية الممولة من قبل عائلتها وأصدقائها والتي تغطي تكاليف عام دراسي كامل لعشرة طلاب سنوياً، من الطلاب المسجّلين في ثانوية الكوثر في جميع المراحل الدراسية، وسوف يتم اختيارهم وفقاً لمعياري التحصيل العلمي والحاجة المادية”.
وفي ختام الحفل منح مديرعام التربية باسم وزير التربية والتعليم العالي “وسام المعلم” تقديرا لها لما قدمته من عطاءات وتضحيات وتفان وتميز بالإخلاص والسيرة الحسنة.