مجلة وفاء wafaamagazine
ممّا لا شك فيه انّ رسالة الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال عون الى مجلس النواب كانت بهدف جَر المجلس النيابي الى عملية تفسير للدستور وهو ما يتجنّبه المجلس منذ فترة طويلة حتى عندما كان الرئيس في قصره. ولذلك من المتوقع ان يُكتفى بتلاوتها، ذلك ان فتح باب النقاش في مضمونها سيقود الى مجموعة من الخيارات المستحيلة البعيدة عما تمنّاه واضعها. وعليه، ما هو المتوقع وما هي السيناريوهات المحتملة؟
منذ ان سحبت صلاحية تفسير الدستور من المجلس الدستوري كما اقترحت وثيقة الوفاق الوطني المعروفة بـ»اتفاق الطائف» وقبل تحوّلها دستوراً جديداً منذ العام 1992 باتت هذه المهمة منوطة بالمجلس النيابي دون سواه، وهو ما لم يُقدم عليه هذا المجلس ولو لمرة واحدة حتى اليوم مخافة فتح هذا الباب – الذي وان فتح مرة – فلا يمكن معرفة ما يمكن ان تؤول اليه الامور لتعدد القضايا الحساسة التي يمكن تناولها ولم يحن أوان البحث فيها.
ففي رسائل عون السابقة – التي أكثَر من استخدامها على عكس أسلافه السابقين – التزم المجلس النيابي بمضمون واحدة منها العام 2017 – بالنظر الى إلزاميتها الدستورية التي لا نقاش فيها – فجمّد المجلس النيابي جلساته شهرا كاملا بناء للصلاحية المطلقة التي لديه، مخافة ان يقر مشروع قانون الانتخاب بالصيغة التي كانت مطروحة يومها. وهو أمر انتهى الى إفساح المجال للتفاهم على الصيغة الجديدة للقانون بعد ان ولدت الإتصالات والمبادرات «تحالف الأقوياء الخمسة» الذي أقرّه واعتمد للمرة الاولى في اول دورة نيابية أُجريت في أيار من العام 2018.
وعَدا عن هذه الحالة، فإنّ المجلس لم يتجاوب مع عون في اكثر من رسالة وجّهها اليه بعدما تناولت مجموعة من القضايا المختلفة أبرزها تلك الخاصة بتفسير المادة 95 من الدستور والتي رفعها إليه في 31 تموز 2017. وبعدما وصلت الرسالة الى المجلس حُدد موعد تلاوتها في 17 تشرين الأول، ثم سُحبت وصُرف النظر عنها نظراً الى حساسية مضمونها منعاً للتوجه الى ما يشبه تفسيراً دستورياً ليس في أوانه. والى هذه الرسالة كان عون في صدد توجيه أخرى في كانون الأول 2018 في حمأة مأزق نجَم عن إخفاق الرئيس المكلف سعد الحريري في تأليف حكومة طوال سبعة أشهر طالباً سحب التكليف منه – وهي تشبه في هدفها رسالة الامس – ولكن سرعان ما غضّ الطرف عنها ايضا وتأخر التأليف الى الشهر التالي.
وعلى هامش النقاش في ما يتصل بأي تعديل دستوري يقود إليه تفسير اي مادة دستورية يقتضي الاعتراف بالحاجة الى موافقة ثلثي أعضاء المجلس النيابي. وهو ما زال أمرا صعبا منذ فترة طويلة خصوصا في القضايا التي يمكن ان تترك ترددات تقترب من احتمال ان تتسبّب بهزات كبرى لا قدرة على تطويقها واستيعابها في هذه المرحلة بالذات.
وبعيداً عما قال به الدستور، يلفت مرجع دستوري عند مقاربته لتفسير ما أثارته رسالة عون من ملاحظات حسّاسة ودقيقة، وفي ظل فقدانها عناصر القوة والتماسك بعد نهاية ولايته وعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية ودخول البلاد مرحلة خلو سدة الرئاسة من شاغلها، انّ هناك «مبدأ في علم القانون الدستوري يقول: يجب دوماً، تفسير الدستور بما يتجه نحو عدم الوصول الى حالة فراغ المؤسسات constitutions dans le sens qui évite le il faut toujours interpréter les « vide des institutions». وآخر يقول ان الضرورات تبيح المحظورات، اي وان كانت الحكومة تحكم بالمعنى الضيق، فإنها عند الضرورات تتمتع بأوسع الصلاحيات حفاظاً على مصلحة البلاد العليا التي تولى على اي اعتبار. فإذا تعرضت البلاد الى زلزال مدمر او الى اعتداء خارجي، الا تستطيع الحكومة ان تتحرك بحجة عدم الصلاحيات؟ «théorie de la nécessité» نظرية الضرورة. ففي المعركة إن قتل قائد القوة المقاتلة يستلم تلقائياً بعده الاعلى رتبة من دون حاجة الى قرار من القيادة وذلك حتى تعيين قائد جديد.
والى هذه القراءة الدستورية لما طرحته رسالة عون وتسببت بإثارته في شكلها ومضمونها وتوقيتها فإنّ العودة الى جلسة المجلس النيابي اليوم، تقتضي التوقف عند بعض الملاحظات ابرزها، انها ولتكون بكل المواصفات الدستورية تتطلب انعقادها بدعوة من رئيس المجلس نبيه بري لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومناقشتها في حضور الغالبية المطلقة التي يتألف منها المجلس النيابي وفقاً لاحكام المادة 10 من الدستور، أي في حضور 65 نائبًا.
وبموجب أحكام المادة 145 من النظام الداخلي لمجلس النواب فإن من واجب رئيسه ان يدعو الى الجلسة في خلال مهلة ثلاثة أيام كأقصى حد، وهو ما استنفدها من دون ان يكون لذلك اي تأثير فالرسالة وجّهها عون قبل 36 ساعة تقريبا من نهاية الولاية ولم يكن ممكنا ان تعقد هذه الجلسة قبل نهايتها. وأن اي قرار يمكن ان يصدر عنها كما هو حاصل لن تكون له اي مفاعيل، فالمعنى بها لم يعد في موقعه الدستوري عندما وجّهها خصوصاً ان انتهى الأمر الى قرار بالتعاطي مع عملية تكليف ميقاتي بتشكيل الحكومة كما تمنّاه عون سواء بالنسبة الى سحب التكليف أو اي قرار آخر له علاقة بوجود رئيس للجمهورية وقد خَلت سدة الرئاسة من شاغلها.
وإلى هذا الخيار المستحيل، فإنّ اي سيناريو آخر يلجأ إليه المجلس يحتاج الى من يلاقيه من الطرف الآخر، ولذلك لا يمكن للمجلس ان يتخذ اي قرار في شأن الحكومة سلبا كان ام ايجابا في ظل خلو سدة الرئاسة. وان قيل انّ المجلس – في اقتراح همايوني – يمكن ان يمنح هذه الحكومة ثقته المفقودة منذ ان تسلّم مهماته في 22 ايار الماضي ستكون سابقة لم تحصل من قبل. فمنحها ثقته – كما يتمنى او يتخيّل البعض – يجب ان تلي صدور ثلاثة مراسيم ليس هناك من يصدرها. وهي مرسوم قبول استقالة حكومة تصريف الأعمال ومرسوم تسمية الرئيس الذي كلف نتيجة الاستشارات النيابية الملزمة قبل صدور المرسوم الثالث الخاص بتسمية الوزراء وإسقاط اسمائهم على الحقائب الى ان تضع الحكومة الجديدة بيانها الوزاري الذي على أساسه تنال ثقة المجلس. ولذلك عُد الخيار الاخير وهماً ولا اساس قانونيا ولا دستوريا له على الاطلاق.
وبناء على ما تقدم، قد تتلى الرسالة اليوم وان طلب أحدهم الكلام لن يكون مفاجئا فقد تردد ان رئيس الحكومة سيتولى الرد على الرسالة وهو أمر لا وجود له في جدول اعمال الجلسة. فبموجب الفقرة 10 من المادة 63 من الدستور، فإنّ الجلسة مخصصة لتلاوة الرسالة فقط وليس هناك من اشارة واضحة الى اي كلمة أخرى سوى ان طلب النواب إلقاء كلمة وسط حديث عن نيّة رئيس تكتل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل الكلام والذي لا يمكن رد طلبه. ولكن السؤال سيكون منطقيا، فهل سيبقى النصاب قائما بعد تلاوة الرسالة؟ وإن طار النصاب يعتبر بري ان المجلس أخذ علماً بمضمونها ويرفع الجلسة فيقفل المحضر بعد اشارته الى وقائع ما حصل، ونقطة على السطر.
الجمهورية