مجلة وفاء wafaamagazine
اليوم، يختم الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى أسبوعه الثاني، ومكونات الصراع الداخلي، بكّرت في إشهار إفلاسها وتعرية نفسها من الحدّ الأدنى من المسؤولية السياسية والوطنية والاخلاقية تجاه بلد منكوب، وكيّفت نفسها مع هذا الفراغ وتموضعت خلف متاريس الخصام والصدام، خدمة لنزواتها وأجنداتها وحساباتها ومكاسبها السياسية وغير السياسية، ومن بعدها فليجرف الطوفان لبنان الذي يكاد يفقد صفته كوطن، واللبنانيين المخنوقين بأزمة طحنت مقومات حياتهم وباتت الشريحة الكبرى منهم تعيش بالتسوّل.
مشهد نافر
في موازاة المشهد السياسي وما فيه من تعرجات، تبدّى أمس، في تقديم القاضية غادة عون دليلاً اضافياً يؤكّد المنحى المتعرّج الذي درجت عليه، وإمعانها بالاستهتار بالقضاء، ومحاولة الافلات من المحاسبة بعدم امتثالها للمرة الخامسة لاستدعاء المدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، على خلفية التغريدة الخبيثة التي اطلقتها قبل ايام، وطالت فيها بالافتراء على كرامات العديد من الشخصيات السياسية، واتهام تلك الشخصيات كذباً بتحويلات مالية بملايين الدولارات إلى البنوك السويسرية.
وقد سارع القاضي عويدات إلى الادعاء الفوري على القاضية عون بجرائم القدح والذم والتحقير ونشر أخبار كاذبة، والإخلال بواجبات الوظيفة وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية. وأحال ادعاءه على الهيئة العامة لمحكمة التمييز لمحاكمة عون بالجرائم الجنحية المدّعى بها عليها.
وكانت القاضية عون، قد تخلّفت عن المثول أمس امام القاضي عويدات لاستجوابها في شكوى رئيس مجلس النواب نبيه بري وزوجته رنده ضدها ، فيما استمع عويدات الى افادة وكيل بري وعقيلته المحامي علي رحال الذي كرّر شكواه ضد عون.
وتقدّمت القاضية عون بدعوى ردّ ضد عويدات امام محكمة التمييز المدنية. وقالت وكيلتها القانونية باسكال فهد: «القاضية عون لم تحضر بل تقدّمت بطلب ردّ لوجود خصومة مع القاضي غسان عويدات، إضافةً إلى عدم اختصاص النيابة العامة التمييزية بالدعوى».
وقال محامي رئيس مجلس النواب علي رحال، إنّ «الدعوى قانونيّة وهناك إصرار على المضي بها حتى النهاية. فهناك كرامات ولن نتراجع».
المشهد الرئاسي
في زمن الإفلاس هذا، ليس معلوماً كم سيضيع من عمر لبنان بلا رئيس للجمهورية وحكومة فاعلة تلملم أشلاءه التي تتبعثر كل يوم، تعيد للبنانيين شيئاً من أمانهم المضحّى به على مذبح التعطيل وسدّ كل معابر الانفراج، وعقلية الهدم المصرّة عن سابق تصوّر وتصميم على إهدار فرص التقارب ونسف اي مساحة تفاهم مشتركة، وإسقاط ما تبقّى من أعمدة قائمة في هذا البلد.
مع واقع فاضح سياسياً، ومع مكونات حسمت خيارها بتعطيل الانفراج، يصبح السؤال مشروعاً عن أي مصير يُدفع اليه هذا البلد؟ بل كيف لهذا البلد أن يقوم من جديد من مكونات كهذه؟
هذا الواقع المستمر منذ ما قبل الفراغ، والمستفحل ما بعده، سلّم رقبة البلد للفلتان، وسيّده على الناس، وتركهم فريسة سهلة للصوص من كل الانواع تسرق حياتهم؛ تجار فجّار واحتكار، ورفع اسعار ومافيا دولار، وجعلهم لاهثين خلف اللقمة، يأكلهم القلق والخوف والذعر مما هو آتٍ عليهم.
واما في السياسة، فيحكمها فلتان موصوف، يتبدّى في الصراعات التي لا تنتهي بين تجار التعطيل والتعقيد، وفي نرجسية الاستعلاء ونزعة الالغاء، وفي الإمعان في اجترار اسباب الفرقة والصدام، وأذية الناس والبلد في آن معاً، باستعراضات هي الأردأ، على حلبة مجلس النواب، والخميس المقبل موعد لاستعراض جديد، وفشل جديد في انتخاب رئيس للجمهورية.
وامام هذا المنحى، تسقط حتماً، اي دعوة الى التفاهم والتوافق على رئيس للجمهورية، طالما أن لا إرادة بسلوك هذا السبيل، وكذلك تسقط أي دعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية، خارجياً كان مصدرها او داخلياً، طالما انّ احداً لن يستجيب لها، او بمعنى أدق، لا استجابة جماعية او شبه جماعية لها، ولا قدرة لطرف بمفرده ان يستجيب ويفرض سريان تلك الدعوة.
الاستخفاف مرفوض!
يبرز في هذا السياق، ما يقوله مرجع روحي لـ«الجمهورية»: «انتخاب رئيس للجمهورية لا يحظى بالأولوية لدى السياسيين، هناك لعب خطير بمصير لبنان، واستخفاف غير مقبول بموقع رئاسة الجمهورية، ولا يمكن السكوت ابداً على جعل شغور موقع رئيس الجمهورية امراً واقعاً، حيث اكثر ما اخشى منه هو ان يكون هناك من يعمل في الخفاء على نسف الاستحقاق الرئاسي وتعويد لبنان على الفراغ».
على الهامش
وفيما وجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة رسمياً الى انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية قبل ظهر بعد غد الخميس، تخلو الجعبة النيابية من اي مفاجآت في تلك الجلسة، بل ستبقى عالقة في دائرة العجز ذاتها، في انتظار ان تحين «لحظة الجد» التي ستطوّع الجميع وتقودهم الى الانتخاب.
وإذا كان العجز عن انتخاب رئيس في جو الصدام والتناقض القائم يقدّم دليلاً دامغاً في كل جلسة انتخابية تُعقد على استحالة تمرير انتخاب رئيس الحمهورية في غياب التوافق السياسي حوله، فإن توقعات القارئين في الفنجان الرئاسي يرجحون ان تتبدّى «لحظة الجد» مع بداية السنة الجديدة. وخصوصاً انّ مسلسل الجلسات سيسير حتماً بوتيرة متقطعة في الاسابيع المقبلة وفي مواعيد متباعدة، خلال شهر كانون الاول، أي شهر الاعياد. الّا إذا نجحت المحاولات الخجولة لصياغة توافق قبلها، وهذا احتمال قائم، الّا انّه ضعيف جداً.
3 مشاهد
وعلى ما تقول مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية»: انّ الدخول الى عمق الاستحقاق الرئاسي لم يتمّ بعد، على الرغم من كل الصخب السياسي الذي يضج الأرجاء. ذلك انّ كل المجريات المرتبطة بالانتخابات الرئاسية التي تتوالى على المشهد الداخلي، تدور على هامش الاستحقاق الرئاسي لسبب بسيط ومعلوم، وهو أنّ لا أحد من بين كلّ اللاعبين، يملك مفتاح باب الدخول الى أعماق الاستحقاق وسبر أغواره وملامسة قطبه المخفيّة وفكّ ألغازها. وهو ما يتأكّد مع كل جلسة انتخابية، التي تكرّر 3 مشاهد متناقضة؛
المشهد الاول، الترشيح الفولكلوري للنائب ميشال معوض، ودغدغته بنسبة اصوات تدغدغ معنوياته وتزرع الوهم لديه، فيما هي تقع على مسافة بعيدة من النسبة التي تؤهّله للفوز. وكل المؤشرات حول هذا الترشيح تؤكّد انّه ترشيح مؤقت، ولن يكون له أثر في التسوية التي لا بدّ ان تُصاغ في نهاية المطاف.
والمشهد الثاني، التصويت الابيض الذي يُعتمد من قِبل ثنائي حركة «امل» و»حزب الله» وحلفاؤهما، بإسقاط الورقة البيضاء في صندوقة الاقتراع، التي تفوقت من جهة، بشكل واضح على النسبة التي ينالها ميشال معوض، وبالتالي تقطع الطريق عليه. وتستبطن من جهة ثانية اسماً لمرشح مؤيّد من قِبلهم، ثمة مؤشرات تشي بأنّ إعلان تبني ترشيحه صراحة قد اصبح وشيكاً.
المشهد الثالث، الأداء الكاريكاتوري لمجموعة التغييريين، وتخبّطهم في ما بينهم، وانحباسهم في خانة الاستعراض، وافتقادهم البوصلة التي ترسيهم على مرشح معين يشكّل قاسماً مشتركاً في ما بينهم، ولذلك تراهم يستحضرون لكل جلسة اسماً من هنا واسماً من هناك، وحتى من دون ان يعلم صاحب الاسم بذلك. والجذير ذكره هنا، ما اعلنه النائب ملحم خلف، حيث قال: «انّ التغييريين خذلوا الشعب الذي انتخبهم وخيّبوا آماله».
في الوقائع
الى ذلك، علمت «الجمهورية»، انّ حركة المشاورات والاتصالات حول الملف الرئاسي تجري بوتيرة خجولة، والحديث الطاغي في المجالس السياسية يركّز على ما سيبادر اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري في المدى المنظور، وخصوصاً انّ الجو القائم حالياً نتيجته حتمية باصطدام كل الاطراف الداخليين بالحائط المسدود.
وكشفت مصادر موثوقة لـ»الجمهورية»، انّ هذه المشاورات الآنية وكذلك اللاحقة، تركّز على اولويتين؛ جوجلة اسماء المرشحين تقع في المرتبة الثانية، فيما الاولوية الاولى هي بناء قاعدة تفاهمية وتشاركية على هزيمة الفراغ، التي يفرضها الشعور اللبناني العام بالخطر، وإجراءات فوريّة ببناء جدران حماية وصدّ مِن كلّ المكوّنات، وفق المسار الآتي:
اولاً، إجراء مراجعة موضوعية لكلّ ما جرى، وإعادة قراءة تفصيلية ومعمّقة للمرحلة الماضية وللسنوات الأخيرة خصوصاً، فالفرصة ما زالت سانحة لتلك المراجعة، وبالتالي استخلاص العبَر ممّا جرى، وإعادة ترتيب الأولويات على هذا الأساس.
ثانياً، انتخاب رئيس الجمهورية اولوية ملحّة، ولكن بالدرجة الاولى، ينبغي ان يقترن اختياره بطريق مفتوح الى المجلس النيابي، وهذا يفرض التوافق بين الأطراف الأساسيين.
ثالثاً، أيّاً كان الرئيس الذي سيُنتخَب، ينبغي ان يكون عنواناً لطمأنة حقيقية لكل الاطراف.
رابعاً، التمسّك بالطائف والتزام دستوره كحاكم منظّم للحياة السياسية في لبنان. وتأكيد الحفاظ على منظومة العيش المشترك التي تَحكم الواقع اللبناني وعدم المسّ بخريطة التوازنات، وتثبيت قواعد الشراكة الحقيقية وليس الشراكة التي يتمّ التغنّي بها كشعار تبريري لغلبة طرف على آخر. والانخراط في مسار إنقاذي من رئيس الجمهورية الى المجلس النيابي والحكومة وسائر القوى السياسية لهزيمة الأزمة، واستعادة الدولة دورها وحضورها وهيبتها.
لا مبادرات خارجية
إلى ذلك، وفي معلومات موثوقة توفّرت لـ«الجمهورية» من مصادر مسؤولة ، فإنّ الحركة الديبلوماسية التي تتنقل بين المستويات السياسية اللبنانية، تتسم بطابع استطلاعي لمسار الملف الرئاسي، ولا تشي، خلافاً لما يعتقده بعض الأطراف الداخليين، باندفاعة خارجية تجاه لبنان لإتمام الاستحقاق الرئاسي، والسفراء يؤكّدون على انّ هذا الامر مسؤولية اللبنانيين.
ووفق ما استنتجته المصادر المسؤولة من لقاءاتها مع مجموعة من السفراء والديبلوماسيين العرب والاجانب، فإنّ لبنان تحت العين الخارجية، الّا انّه في الوقت الراهن لا يحتل موقعاً متقدّماً في أجندة الاهتمامات والاولويات التي باتت محصورة في التطورات الدولية وفي مقدّمها الملف الاوكراني وتداعياته الدولية. وبالتالي، وفي ظل هذه التطورات، فإنّ السلوك الخارجي تجاه لبنان واستحقاقاته لا يرقى الى مستوى التدخّل المباشر في الملف الرئاسي، حيث ليس لدى اي من الدول الصديقة او الشقيقة اي مبادرة جدّية حيال الرئاسة اللبنانية، بل انّ السلوك الخارجي متأرجح بين التجاهل والترقب، ومحاولة إقناع اللبنانيين بالدخول الى مرحلة التفاهم وانتخاب رئيس وتأليف حكومة والشروع في اصلاحات انقاذية.
على انّ أهم ما استنتجته المصادر من مداولاتها مع ديبلوماسيين يمثلون دولاً معنية تاريخياً بالشأن اللبناني، هو «ان لا «فيتو» على اسم أي من المرشحين لرئاسة الجمهورية، والاولوية هي لتفاهم اللبنانيين حول أي مرشح».
ميقاتي يستعجل الانتخاب
في السياق، قال رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي: «يجب انتخاب رئيس جديد للجمهورية فوراً من أجل انتظام العمل السياسي».
وفي حديث له عبر قناة «الجزيرة»، قال ميقاتي: «يجب أن يكون رئيس الجمهورية مقبولاً من الجميع وألّا يكون رئيس تحدٍ لأحد، وتربطني علاقة تاريخية بسليمان فرنجية، وأتمنى أن يكون رئيساً للجمهورية».
ورأى ميقاتي أنّ «جزءاً من الأزمة التي نعاني منها ناجم عن تردّي علاقة لبنان مع الدول العربية». مشيراً الى انّه «سيتمّ تعديل سعر الصرف الرسمي للدولار تدريجياً خلال الأشهر المقبلة».
ورداً على سؤال قال: «سأخاطب واشنطن رسمياً للاستفسار عن إمكانية خضوع لبنان للعقوبات إذا قبل هبة النفط الإيرانية»، مؤكّداً أنّ «لبنان لا يخضع لحصار أميركي، ونحن لن نعرّضه إلى أي مخاطر».
رؤساء الحكومات
وكان عُقد مساء امس، اجتماع بين الرئيس ميقاتي والرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام، صدر في نهايته بيان اكّد على وجوب ان تتضافر كل الجهود الخيّرة والصادقة لدى نواب الأمّة ولدى السياسيين المعنيين لإجراء الانتخابات الرئاسية لانتخاب الرئيس الجديد، القوي بحكمته وتبصره واحتضانه لجميع اللبنانيين على حدّ سواء، بكونه الذي يُفترضُ أن يتمتع ويحظى بثقة ودعم جميع اللبنانيين، ولا يقتصر فقط على ثقة فريق منهم ودعمه، وأن يؤْمن الرئيس العتيد ويلتزم ويُسهم مع المؤسسات الدستورية في التمسّك بحسن تطبيق وثيقة الوفاق الوطني والعمل الدؤوب على استكمال تطبيقها. وكذلك التزام الاحترام الكامل للدستور ولقيم السيادة والجمهورية، وللنظام الديمقراطي البرلماني اللبناني، ولمبدأ فصل السلطات ولتوازنها وتعاونها، ولاستعادة الدولة لدورها ولهيبتها وسلطتها الكاملة على أراضيها ومؤسساتها ومرافقها، وأيضاً في احترام استقلالية القضاء والالتزام بقواعد الشفافية والكفاءة والجدارة في إيكال المسؤوليات الحكومية والإدارية لمن هم كفؤ لها، بعيداً من المحاصصة والزبائنية، وكذلك التأكيد على مبدأ المحاسبة المؤسساتية على أساس الأداء، والحرص على احترام مبادئ وقرارات الشرعيتين العربية والدولية. إنَّ اعتماد هذه المبادئ والقواعد يشكّل الضمانة الحقيقية والوحيدة لجميع اللبنانيين أفراداً وجماعات في يومهم وغدهم».
وقدّر البيان «الجهد الذي تقوم به الحكومة في مرحلة الشغور الرئاسي بهدف متابعة تسيير شؤون الدولة والمواطنين»، وشدّد المجتمعون «على ضرورة وقف الخطاب المعيب بكل المقاييس وحملات الكراهية التي تشنُّ لبث الفتن والفُرقةِ بين اللبنانيين».
انتكاسة جديدة
من جهة ثانية، تعرّض مشروع الكابيتال كونترول لانتكاسة جديدة في مجلس النواب أمس، حيث عكست جلسة اللجان النيابية المشتركة التي انعقدت في المجلس النيابي، ما بدا انّه هروب من قِبل بعض التوجّهات النيابية من مقاربة هذا الملف.
وقال نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بعد الجلسة: «مرة جديدة أخفقت اللجان في البحث جدّياً في قانون الكابيتال كونترول، فعرضت له عرضاً وأرجأت البحث في تفاصيله».
اضاف: «كلّما وصلنا إلى بند الكابيتال كونترول في جلسة اللجان المشتركة يُعرقل النقاش بين من يريد إقراره وبين من لا يريد ذلك وبين من يريد ولكن».
وتابع: «اطّلعنا على خطة التعافي التي حضّرتها الحكومة وقانون إعادة هيكلة المصارف موجود، وأنا ضد ربط القوانين ببعضها البعض من الأساس، ومداخلات بعض النواب تتكرّر». ورأى انّ «الجدّية تبدأ الثلثاء (اليوم) عند العاشرة والنصف. ولا أقبل بأن أكون شريكاً في طمس القوانين في الأدراج. وليتحمّل النواب مسؤولية قرارهم».
الجمهورية