مجلة وفاء wafaamagazine
يبدو أنّ المواجهة المحتدمة بين الرئيس نجيب ميقاتي و»التيار الوطني الحر» لن تهدأ الّا بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو انتخاب لا يزال متعذراً ومتعثراً، ما ينتج بيئة ملائمة لـ»النقار» السياسي والاحتقان الطائفي.
إلى حين إتمام الاستحقاق الرئاسي المعطّل، من الواضح انّ الفراغ لن يُملأ سوى بـ»المعارك الجانبية» حول الصلاحيات والهواجس والأدوار والدستور والميثاقية، وهي معارك تُستخدم فيها كل أنواع الأسلحة، وصولاً حتى إلى رمز ديني متمثل في الصليب، بعدما نقل ميقاتي عن باسيل قوله بأن ليس كل من يرسم إشارة الصليب هو مسيحي، الأمر الذي نفاه رئيس التيار بشدة، متهماً رئيس الحكومة باستثارة الغرائز الطائفية طلباً للشعبوية.
وفيما يستجمع ميقاتي الأسباب الموجبة لعقد جلسة جديدة لمجلس الوزراء عند أول فرصة سانحة، لا يوحي باسيل انّه في وارد التراجع عن رفضه الحازم لمبدأ اجتماع حكومة تصريف الأعمال في ظل غياب رئيس الجمهورية، خصوصاً انّ هناك خيارات بديلة، في رأيه، يمكنها ان تؤدي الغرض المطلوب، من دون أن تترك أي تداعيات على الشراكة والتوازن.
ولئن كان ميقاتي قد نجح حتى الآن في «قضم» ثلاثة وزراء كانوا محسوبين على الرئيس ميشال عون و»التيار الحر»، من أجل تعزيز الغطاء المسيحي لجلسات حكومته و»التعليم» على التيار ورئيسه، فإنّ باسيل مصرّ على مواصلة المواجهة بـ»اللي بقيوا»، علماً انّه أصبح بعد هذه التجربة اكثر اقتناعاً بأنّ صيغة وزراء التكنوقراط عبثية، لأنّ من شأنها ان تلقي على الجهة التي تتولّى تزكيتهم مسؤولية اعمالهم وتصرفاتهم، من دون أن تكون قادرة عملياً على إلزامهم بكل خياراتها وسياساتها كونهم غير حزبيين، وبالتالي لا يتبعون تنظيمياً اليها.
ومع ذلك، هناك بين الوزراء المسيحيين في الحكومة الحالية من «ينافس» باسيل في حدّة الاعتراض على انعقادها وسط الشغور الرئاسي، بل ويتموضع على يمينه في رفض المبررات التي تُساق لدعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد.
ويروي أحد هؤلاء الوزراء، انّه كان سبّاقا في التنبيه إلى خطورة الوصول إلى الوضع الحالي، موضحاً انّه رفع الصوت تحذيراً، حيث يجب، «حتى قبل انتهاء ولاية عون وبلا أي تنسيق مسبق مع باسيل الذي لم أكن أعرف حينها ماذا سيقرر».
ويكشف الوزير إيّاه، انّ أحدهم سأله آنذاك عمّا سيكون موقفه في حال وافق باسيل على اجتماع حكومة تصريف الأعمال المستقيلة من غير وجود رئيس للجمهورية، «فأجبت بأنّه إذا فعلها يصغر في عيني، ولكن لا أظن أنّه يمكن أن يتصرف على هذا النحو».
ويشدّد الوزير المسيحي على أنّ موقفه المتشدّد ضدّ انعقاد مجلس الوزراء في ظل الفراغ الرئاسي، نابع من قناعة وليس من مسايرة. معتبراً أن لا لزوم لكي نجتمع رغماً عن إرادة مكون أساسي ونخرب البلد، في حين يوجد بديل آمن ومجرّب، كذاك الذي تمّ اعتماده أيام حكومة الرئيس تمام سلام التي أدارت مرحلة الشغور بسلاسة في تلك الفترة عبر مراسيم جوالة صدرت بالمئات.
ويلفت الوزير نفسه، إلى انّ سلام «ابن بيت سنّي عريق، ولا يستطيع احد أن يزايد عليه في تقيّده بالدستور وحرصه على صلاحيات رئيس الحكومة، وبالتالي كان يمكن الإقتداء بسلوكه بدل الجنوح نحو خيار التحدّي».
ولا يوافق على أنّ مشاركة عدد من الوزراء المسيحيين في الجلستين السابقتين كفيلة بأن تمنحهما مصل الميثاقية الضرورية، معتبراً انّه ما دامت الجهة التي سمّت معظم هؤلاء، أي عون والتيار، معترضة على اجتماع الحكومة، فإنّ معيار الميثاقية الحقيقية يكون غير متوافر.
ويتساءل: «لو اراد وزير شيعي ان يشارك من دون موافقة حركة «أمل» و»حزب الله»، هل كان ميقاتي ليدعو إلى جلسة حكومية على قاعدة انّها تحظى بتغطية مظلة الميثاقية الشيعية؟».
ويشير الوزير المسيحي إلى انّه يجب أيضاً الأخذ في الحسبان انّ البطريرك بشارة الراعي ومجلس المطارنة الموارنة، بكل ما يمثلانه مارونياً ومسيحياً، لا يؤيّدان عقد جلسات لمجلس الوزراء وسط خلو موقع رئاسة الجمهورية، وبالتالي ليس جائزاً تجاهل هذا الرأي، فيما معروف انّ التركيبة الداخلية تستند إلى توازنات دقيقة ومرهفة لا يصح الإخلال بها.
ويلفت إلى انّ باسيل خسر جولة مع ميقاتي لكنه ربح في المقابل على المستوى المسيحي، «والأرجح انّ محاولة إضعافه ادّت إلى تقويته داخل بيئته».