مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت : وفاء بيضون
لا يتفاجئ اللبنانيون بما استجد من تطورات مرتبطة بملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ،اذ ان كل المؤشرات كانت توحي بان حاكم البنك المركزي سيخرج من عباءة الحماية السياسية التي اختبأ خلفها لردح من الزمن ويرتد عليها بوصفها منظومة شعبوية لن تنجو من تشظي تداعيات التحقيق كم عبر سلامة ، ليصبح متعريا امام استجواب المحققين الاوروبين الذين طاردوه من يوم ليوم وبعشرات الاسئلة بحضور قاضي التحقيق الاول في بيروت شربل ابو سمرا بالتوازي مع ادعاء رسمي من قبل الدولة اللبنانية ممثلة برئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر على حاكم المصرف المركزي وشقيقه ومساعدته مريان الحويك بجرم الرشوة والتزوير واستعمال المزور وتبييض الاموال والاثراء غير المشروع والتهرب الضريبي .
الملف لم تنته فصوله في اروقة قصر العدل في لبنان بانتظار جلسة الاستماع التي حددتها القاضية الفرنسية في باريس في نيسان المقبل . وبين لبنان وفرنسا
ظهر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للمرة الاولى منذ فترة طويلة، وبشكل علني، حاضرا الى قصر العدل للادلاء باقواله حول تهم موجهة اليه بالفساد وتهريب الاموال. واللافت ان التهمة تطال ايضا شقيقه رجا وماريان مجيد الحويك، لكن التركيز بطبيعة الحال كان على سلامة كون منصبه هو الاكثر اهميّة.
من هنا نرى ان تحريك الملف ودفعه الى الواجهة بعد سنوات من الكلام والاتهامات، يتبين فعليا وجود شبهات لم تاتي عرضية او كما حاول تسويقها حاكم المصرف بالاستناد الى شخصنة القضية مع تيار سياسي بارز وقاضية تنتمي الى هذا التيار فالملف الاوروبي بحق سلامة، بغض النظر عما اذا كان سيصدر قرار براءته او ادانته او تجميد الدعوى، بات يشكل مفصلا اساسيا في مسيرة مهندس السياسة المالية اللبنانية و الحديث اليوم عن امكان شغور منصب حاكم مصرف لبنان قبل انتهاء الولاية، بعد ان اصبحت مسألة عدم عودته الى الحاكمية امر مفرغ منه.
ولكن من المنصف القول ان رياض سلامة ليس وحده من يتحمل مسؤولية ما وصل اليه لبنان واللبنانيون، ولا يمكن البت ايضاً بادانته قبل صدور الحكم الذي سيكشف الخيط الابيض من الاسود في هذا المجال. ولكن السؤال الاهم يبقى عن مصيره والمسؤولين اللبنانيين الآخرين في حال قرّر كشف ما يملكه من معلومات.لذلك فان
واقع تدرج القضية يشير بما لا يقبل الشك انه حين تصل الامور الى اللاعبين المحليّين الكبار، تسقط كل المشاكل والسلبيات كأوراق الشجر وتختفي بسحر ساحر، وغالباً ما يكون هذا الساحر الراعي الخارجي لهؤلاء المسؤولين والذي يتولّى لعب دور الحامي بالنسبة اليهم .
نعم لقد تعلم اللبنانيون، من تجارب مؤلمة على مدى سنوات، ان وصول الدعاوى القضائية الى خواتيمها المنطقيّة هو مجرد احلام غير قابلة للتنفيذ، لذلك تراهم غير آبهين بالتطورات التي تحصل، حتى انهم يتبنون السيناريو المتوقع للاحداث القضائيّة في هذا المجال، ومنها انه اذا كان دور سلامة قد انتهى بالفعل، فسيتم ابعاده الى الخارج حيث سيقضي ايام حياته بعيداً عن السين والجيم فيما سيبقى اللبنانيون يعيشون في عالم واقعي أليم يتجدّد فيه نفوذ المسؤولين عبر وجوه جديدة يطلقون الوعود بشأنها وتحظى برضا الخارج، فيما تعمل على السير على الطريق الذي تم انتهاجه سابقاً.
ومن السيناريوهات التي يطرحها اللبنانيون ايضاً، انه اذا كان لا بد من ادانة رياض سلامة، فقد تم التمهيد لذلك سلفاً عبر اشراك شقيقه رجا وماريان بالدعوى، لتخرج من كونها مسألة دولة الى اعتبارها مسألة تهرب من ضرائب او تهريب مبالغ مالية محدودة، اي بمعنى آخر، حصر الامور بمسائل شخصية بما يضمن عدم ضلوع اي اسماء سياسية او حزبية او مسؤولين حاليين وسابقين، وهي كلها امور تسهم في ابقاء لبنان في دهاليز الازمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها والتي اشتدت منذ اكثر من ثلاث سنوات.
وسط كل هذه التطورات المتسارعة، ترى مصادر متابعة ان هناك حقيقة ساطعة وهي ان الليرة اللبنانية باتت في المجهول، وبات من السهل الحديث عن ملايين الليرات لمعادلة مبلغ زهيد من الدولارات، فيما الواقع يزداد صعوبة على طبقة مهمة من اللبنانيين الذين يعانون لجمع الليرات على الرغم من فقدانها لقيمتها، وينظرون اليها وهي تصغر في ايديهم يوماً بعد يوم، من دون القدرة على مدها بالرعاية اللازمة لتستمر على قيد الحياة، ومن المؤكد انها لن تعود الى سابق عهدها، فيما يربط البعض مصيرها بمصير سلامة، فإذا رحل..رحلت.
لا شك ان لبنان سيطوي صفحة من حقبة طويلة حملت بصمات سلامة في سياساته المالية على مدى عقود من الزمن كانت فيها الليرة بألف خير الى ان تفشى فيها فجأة سرطان هذه السياسات التي شارك فيها العدد الاكبر من المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، مع غياب الامل في ان سماع المقولة الشهيرة عن الليرة، والاكتفاء ببوادر امل ان تبقى على اقله بخير بعد انهيارها غير المسبوق والذي ينذر بتراجعها امام تقدم الدولار . وهنا يطرح السؤال . هل ستفضي مقاضاة سلامة الى اعادة التوازن المالي ؟ .
وهل ستحول سلامة الى كبش محرقة اذا بقي على كتمانه المتعلق بالمتورطين معه من جيل الكبار ورعيلهم .
واخيرا هل سيتحول بعد كل هذه المشهدية من حاكم للمصرف المركزي الى محكوم عليه بالقرائن والادلة .لكن من المبكر اطلاق الاحكام في الوقت الراهن بانتظار جلاء غبار الملفات وصوت مطرقة القاضي والنطق بالاحكام..
وفاء بيضون – اعلامية لبنانية