مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك،في حضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: “عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بالتقوى التي هي هدف هذا الشهر وغايته، وبها نقيس مدى استفادتنا منه وبدونها لن نكتب عند الله من الصائمين، والتي أشارت إليها الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}”.
اضاف: “التقوى تعني أن نكون حاضرين في كل المواقع التي يريدنا الله سبحانه وأن نكون فيها وبعيدين كل البعد عن المواقع التي دعانا إلى الابتعاد عنها بحيث لا ننطق بكلمة ولا نأتي بتصرف ولا نؤيد ولا نعارض إلا بعد أن نعرض ذلك على الله سبحانه ونتأكد من رضاه به، ونكون بذلك كما أشار الحديث: “أنَّ أهلَ التَّقوى؛ قَوّالونَ بِأَمرِ اللّهِ، قَوّامونَ عَلى أمرِ اللّهِ، قَطَعوا مَحَبَّتَهُم بِمَحَبَّةِ رَبِّهِم، ووَحَشُوا الدُّنيا لِطاعَةِ مَليكِهِم، ونَظَروا إلَى اللّهِ عز وجل وإلى مَحَبَّتِهِ بِقُلوبِهِم، وعَلِموا أنَّ ذلِكَ هُوَ المَنظورُ إلَيهِ لِعَظيمِ شَأنِهِ”. إننا أحوج ما نكون إلى التقوى التي هي صمام أمان لنا في الدنيا والآخرة، وبها نبلغ درجة الصائمين القائمين ونصبح أكثر وعياً ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات”.
وتابع: “البداية من الانهيار المريع الذي شهدناه في الأسبوع الماضي عندما ارتفع الدولار بشكل جنوني وتجاوز معها المئة والأربعين ألف ليرة، وكاد أن يودي بمرافق البلد وهدد قدرة المؤسسات على الاستمرار وترك تداعيات خطيرة على حياة المواطنين وقدرتهم الشرائية ومن دون أن تتضح الأسباب التي أدت إلى هذه القفزات السريعة للدولار، وإذا كان من إجراءات اتخذها المصرف المركزي فلا تتجاوز القيام بفرملة نسبية ومؤقتة لهذا الانهيار، فهي تبقى معالجات محدودة الأجل والتأثير وليست حلاً، بل هي من قبيل المسكنات التي اعتدنا عليها من المصرف المركزي وسيعاود معها الدولار الارتفاع في ظل انعدام الحلول الناجعة التي تعيد الاعتبار لليرة اللبنانية، والتي من الواضح أنها لن تحصل بدون حل سياسي وخطة تعاف اقتصادي وإصلاحات تعيد الاعتبار لاقتصاد البلد والتي أشار إليها صندوق النقد الدولي محذراً من تداعيات استمرار التباطؤ على هذا الصعيد أو عدم القيام به والآثار الكارثية التي قد تنتج عنه”.
وقال فضل الله: “لقد كنا نأمل أن يؤدي ما جرى بكل تداعياته الخطيرة إلى أن تستنفر أجهزة الدولة ومن يتحملون المسؤولية فيها جهودهم لإيجاد معالجات جذرية أو على الأقل البدء بها لإيقاف هذا النزيف المتمادي والمرشح للاستمرار، ولكن مع الأسف لا يزال من يديرون الواقع السياسي على حالهم من اللامبالاة والتعامل مع ما يجري كأن الأمر لا يعنيهم والناس قادرون على التأقلم معه. وإذا كان من مبادرات تجري فهي تبقى في إطار الشكل الذي يفتقد المضمون والجدية المطلوبة كالذي شهدناه في الاجتماع الذي جرى أخيراً في المجلس النيابي وتحت عنوان محاسبة الحكومة والمصرف المركزي والذي أظهر مدى عجز الحكومة عن مواجهة المخاطر التي يتعرض لها الوضع الاقتصادي، ما جعل الاجتماع يخرج بدون نتائج ومن دون أن يكون هناك أي مبادرة تساهم في إخراج البلد من الانهيار الذي وصل إليه”.
وأعلن “اننا أمام ما يجري نعيد دعوة القوى السياسية المتمثلة بالمجلس إلى القيام بالدور المطلوب منها، لإخراج البلد من حال التردي الذي وصل إليه، والذي أصبح واضحاً أنه لن يتم إلا بتحريك عجلة الدولة، وهو يبدأ بالعمل الجاد لإيجاد صيغة تضمن انتخاب رئيس للجمهورية قادر على جمع اللبنانيين تمهيداً لتشكيل حكومة كفوءة تستطيع علاج المشاكل التي يعاني منها البلد وتؤرق اللبنانيين للوصول إلى إصلاحات تعيد ثقة اللبنانيين ببلدهم وثقة العالم به”.
وقال: “ونحن كما أشرنا سابقاً نرى أنهم قادرون على القيام بذلك إن خرج الجميع من حساباتهم الخاصة ومصالحهم الفئوية وأخذوا في الاعتبار مصلحة بلدهم وإنسانه والتحديات التي تنتظر، لكن مع الأسف لا يزال هذا الاستحقاق أسير الانقسام الحاد الحاصل والمصالح المتضاربة بين مكوناته من دون أن يبدو في الأفق أن هناك رغبة للتوافق ليبقى البلد بانتظار تطورات تحصل في الخارج تحدث تبدلاً في المواقف، وإن كان هذا لم يحن أوانه بعد إما بفعل الانقسام الحاصل بين القوى الخارجية أو لكون لبنان ليس من أولويات هذا الخارج”.
اضاف: “ولذلك فإننا أمام هذه المأساة التي لا نشك في أنها ستتوالى فصولاً، وستزداد معها معاناة إنسان هذا البلد وستطيح بما بقي من مؤسساته.. نقول للبنانيين جميعاً: إن عليكم دوراً في أن ترفعوا الصوت عالياً حتى يسمع من هم في دويّ أصواتكم وصرخاتكم، لا نريدها أن تكون على خريطة إقفال طريق هنا أو مستديرة أو تظاهرة بعدما بات من الواضح مدى التداعيات التي تنتج منها والإرباك للمواطنين الذي يحصل من ورائها، بل لا بد من خطوات مدروسة وواعية وفاعلة وشاملة يشعر معها من هم في السلطة بأنكم لستم راضين عن أدائهم وأن عليهم أن يبادروا للقيام بما وعدوكم به في برامجهم وخطاباتهم، وأن لا يتنصلوا من مسؤولياتهم ويلقوا باللائمة في ما يجري على الخارج أو على بعضهم البعض”.
وتابع: “وإلى أن تكون هناك حلول في هذا البلد والتي مع الأسف لن تكون سريعة، فإننا نعيد دعوة اللبنانيين إلى أن يتابعوا عملية التكافل والتعاون التي بها يتم تجاوز هذه المرحلة الصعبة ومنع كل من يريد استغلال هذا الواقع لتهديد حرية هذا البلد وعزته وكرامته ولا سيما في هذا الشهر المبارك الذي نريده شهر خير وبذل وعطاء، وهنا نقدر كل المبادرات الفردية وتلك التي تقوم بها الجهات والجمعيات الخيرية والإنسانية للتخفيف من معاناة الناس وسد حاجاتهم”.
وقال: “نتوقف عند الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي تتعرض لها سوريا وتصيب مرافقها الحيوية وتزيد من معاناتها، لندعو إلى موقف عربي وإسلامي داعم في مواجهة هذه الاعتداءات ومنع العدو الصهيوني من استفرادها، ونؤكد أهمية ما بدأنا نشهده في عودة الانفتاح على هذا البلد وإعادة العلاقات معه إلى سابق عهدها”.
وختم: “وأخيراً نبقى مع فلسطين التي تواجه في هذه المرحلة تحدياً جديداً والذي وصل التنكر لها إلى حد نفي وجود شعب فلسطيني وهو ما صرح به أحد وزراء العدو الصهيوني، وإلى الإصرار الصهيوني على التغيير الديموغرافي لصورة الضفة الغربية وتواصلها بعضها مع بعض، وذلك بعد الإمعان في بناء المستوطنات المقرر إقامتها والعودة إلى بناء تلك التي كانت قد جمدت سابقاً..إننا في الوقت الذي نحيي مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال ومواجهته المتواصلة لهذا المد الاستيطاني الذي لن يتوقف حتى استكمال تهويد فلسطين بأسرها، ننوه بكل الأصوات التي صدرت من بعض الدول في مواجهة هذا المشروع الاستيطاني الجديد، لكن هذا لا يكفي إن لم يواكب بموقف جازم من هذا الاحتلال وبعقوبات رادعة له”.