الرئيسية / آخر الأخبار / خلوة بكركي تجمع الأضداد ولا تقرّبهم.. ديبلوماسية الخارج مستنفرة لكسر التعطيل

خلوة بكركي تجمع الأضداد ولا تقرّبهم.. ديبلوماسية الخارج مستنفرة لكسر التعطيل

مجلة وفاء wafaamagazine

سيدخل الملف الرئاسي في الآتي من الأيام في استراحة عيد الفصح لدى المسيحيين، وعيد الفطر لدى المسلمين، ولعلها مصادفة جديرة بالتأمّل والتعمق في معناه وما تشكّله من فرصة للتلاقي والاجتماع تحت عنوان وحيد: مصلحة لبنان واللبنانيين.

 

على انّ الاعياد هذه السنة تحل كئيبة، وفاقدة لبهجتها، فلبنان تحت أنقاض التناقضات السياسية، وليس من يبشّر اللبنانيين بالقيامة، ويخلّصهم من مكونات العبث السياسي المحكومة بنزعة الانتقام من هذا البلد، والتي بدل ان تزرع في التربة اللبنانية نبتة الانفراج، زرعتها سموماً واحقاداً وسياسات خرقاء وكمائن على الطريق الرئاسي، ووسّعت فجوة الانقسام فيما بينها الى حدود كسرت كل المحاولات العقلانية والصديقة والشقيقة لتضييقها.

 
 

هي بالتأكيد استراحة مفلسين في الوقت الضائع، لا تعني أبداً أن تمنح تلك المكونات نفسها فرصة لأن تنتمي ولو لمرة واحدة الى المسؤولية، وتقتطف لحظة للتفكير العقلاني بما آل إليه حال لبنان واللبنانيين، كما لا تعني ابداً انّ ما بعد تلك الاستراحة غير ما قبلها، فتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية وما يليه من خطوات لإعادة انتظام الدولة ومؤسساتها وسلطاتها، إنجاز وقح لتلك المكونات، ابتلع حتى الآن خمسة اشهر من عمر البلد، وها هي مكونات التعطيل قد بدأت في ابتلاع الشهر السادس.

 

المسار المدمِّر

 

في هذا الجو السائد في الداخل، ينعدم الامل نهائياً في أنّ إمكان ان يُبعث حلّ من الداخل، بل العكس فالداخل محكوم بفئة ولّادة لشتى أنواع وألوان التعقيدات والفروقات، وخوف اللبنانيين يتعاظم من هذا المسار المدمّر، الذي كما هو مؤكد، يَنساق بغايات دفينة واهداف لعينة مستوطنة في نفوس تلك المكونات التي لا تريد التوافق في الداخل على رئيس للجمهورية، ولا ان تتجاوب مع جهود الاصدقاء والاشقاء في الخارج لِحث اللبنانيين على هذا التوافق وانتخاب رئيس الجمهورية.

 

 

… لن يكمّل

 

الّا انّ هذه الصورة تعاكسها قراءات سياسية، تقارب الملف الرئاسي المعقد بحجمه الطبيعي، وكذلك إمكانات وقدرات مكونات التعطيل، من دون ان تنساق الى تضخيم الصورة والمبالغة في تكبير الاحجام.

 

وفي هذا السياق، أبلغَ مرجع سياسي الى «الجمهورية» قوله: ان التموضعات السياسية بالشكل الموزّعة فيه على ضفتي ملف رئاسة الجمهورية، وبالشكل التي تتعامل وتتفاعل فيه مع بعضها البعض، تؤكد بما لا يرقى اليه الشك انها تموضعات متعادية، ولغة التخاطب فيما بينها، هي اللغة الحربية والالغائية التي لا يستقيم معها اي تقارب او توافق. وبالتالي في هذا الجو، يصبح تحقيق أي خرق إيجابي في الملف الرئاسي من سابع المستحيلات.

 

وسأل المرجع عينه «هل هذا الامر غريب عن لبنان»؟ وأجاب: «أبداً، هذا الجو العدائي ليس مستجداً على هذا البلد، بل بالعكس، هو مسار اشتباكي طويل يمتد الى سنوات طويلة، خبر فيها اللبنانيون صولات وجولات مماثلة «على الفاضي وعلى المليان»، مع ذات المكونات التي تتواجَه بذات الادوات وبذات الانقسامات وبذات الخطابات وبذات الشعارات، وبذات الرهانات، وبذات العصبيات وبذات العنتريات النافخة لعضلات فارغة الّا من إرادة التعطيل وقدرة التفريق والتحريض الطائفي والمذهبي. امّا النتيجة فلن تكون خارج سياق ما شهدناه في الماضي، حيث انه عند ساعة الجد، يأخذ كل طرف حجمه وتنتهي وظيفته المحددة له في مرحلة التأزيم، وتصبح الكلمة الفصل لـ«التسوية» التي لا بد ان تُصاغ، ولا اعتقد انها بعيدة. وبالتالي، تصبح الاولوية القصوى لدى ايّ من اطراف الاشتباك هي ان يبحث عمّا يمكنه من أن يحجز مقعداً له في هذه التسوية او على ضفافها».

 

 

خلاصة الامر، يلفت المرجع عينه الى انه «رغم الانسداد الظاهر فأنا لستُ متشائما، مع يقيني الكلّي بأنّ هذا المسار المدمّر لن يكمل، وقناعتي راسخة بأنّ الوضع الراهن سينتهي الى حلّ رئاسي في المدى المنظور».

 

وردا على سؤال قال: الحل الرئاسي اكثر من وارد في المدى المنظور، ربطاً بما يحصل من حولنا من تطورات كاسرة لكل التوترات في المنطقة، واندفاعات تقارب وتوفيق بين من كانوا في الامس أعداء، فهل يمكن ان تهدأ المنطقة ويترك لبنان متوتراً ونقطة متفجرة؟ فضلاً عن اننا لمسنا بكل وضوح وجدية، إرادة صديقة وشقيقة بحسم الامر في لبنان وتمكينه من انتخاب رئيس الجمهورية، ولذلك لا اعتقد انّ المسألة ستطول اكثر من اسابيع قليلة، ولن يكون احد قادراً على نسف الحل لأن كلّ الاطراف يَدّعون القوة قولاً، الا انهم في حقيقة امرهم ضعفاء».

 

إستنفار ديبلوماسي

 

الى ذلك، كشفت مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» عما سمّته «استنفارا ديبلوماسيا عربيا وفرنسيا، لحسم سريع للملف الرئاسي، وثمة خطوات ستتتابع في القريب العاجل من ضمن سياق الجهد الفرنسي السعودي».

 

 

وأدرجت المصادر في هذا السياق، زيارة الموفد القطري الاخيرة الى بيروت، وقالت: خلافاً للتشويش الذي رافقها، وقارَبها بكونها زيارة عابرة جاءت من خارج سياق الاحداث، وانها مُزاحِمة لبعض الدول المعنية بالملف اللبناني وتحديدا السعودية، او انّ أقصى ما قدّمته هو مجاملات وحلقات علاقات عامة في لبنان، وعلى ما عكسته أجواء المحادثات الواسعة التي أجراها الموفد القطري، فقد كانت زيارة على جانب كبير من الاهمية، وسيكون لها ما يكملها في المدى المنظور، ربما عبر موفدين آخرين عرب او اجانب الى بيروت، علماً ان الايام القليلة المقبلة قد تشهد زيارة لموفد سعودي الى بيروت مرتبطة بشكل اساسي بالقمة العربية التي ستعقد في السعودية قبل نهاية الشهر الجاري.

 

فرصة مهمة

 

بدورها، اكدت مصادر ديبلوماسية عربية على «الزخم الديبلوماسي العربي والدولي الملحوظ تجاه أزمة لبنان، وقالت لـ«الجمهورية»: ان الملف اللبناني مُحاط بمتابعة عربية ودولية، وبرغبة اكيدة تمتد من واشنطن الى باريس الى كل الدول العربية، في إخماد التوتر السياسي القائم في لبنان وإنهاضه من ازمته».

 

 

ولفتت المصادر الى «اننا نرى في الافق اللبناني مساحة انفراج يجري التأسيس لها، ما يعني انّ لبنان يقترب من سلوك مسار اكيد نحو إتمام انتخاب رئيس الجمهورية، حيث ان الدول المعنية بملف لبنان، وخصوصا دول الاجتماع الخماسي في باريس، متفقة على خلق فرصة مهمة امام لبنان لتجاوز أزمته وانتخاب رئيس بِمعزل عن اسمه، وثمة معطيات تؤكد ان باب الانفراج قد فتح امام لبنان، ولذلك لا بد بالتالي للبنانيين من ان يستثمروا على هذه الفرصة، لأنها اذا ما فوّتت، فمثلها قد لا يتعوّض او يتوفّر، كما انّ دولاً صديقة او شقيقة متحمسة لمساعدة لبنان اليوم، قد تصبح في حِلّ من اي التزام، او اي حماسة».

 

ورداً على سؤال قالت المصادر: العرب مع لبنان، الاتفاق الايراني السعودي لعله الحدث الاهم في المنطقة، والاكثر تأثيراً في مجموعة ملفات، ومن ضمنها لبنان، لذلك هو يصبّ في مصلحة لبنان على مستويات مختلفة. كما انّ كل ما يجري في المنطقة من تطورات انفتاحية يصب في مصلحة لبنان، فهل يعقل ان يبقى لبنان متخلفاً عن هذه القافلة؟

 

على انّ المصادر الديبلوماسية عينها تشير الى ما وصفتها «مفارقة طريفة إنما غير مفهومة، وتتجلى في انّ السعودية وايران توصّلا الى اتفاق للتفاهم والتقارب واعادة العلاقات الديبلوماسية بينهما بعد فترة طويلة من الخصومة والعداء، ويسود بينهما لغة تقريب ووئام غير مسبوقة، الا انّ ما يثير التساؤل والاستغراب هو انّ السعودية وايران تتفقان، فيما حلفاؤهما في لبنان على درجة عالية من الخصومة والعداء، فعلاً الأمر محيّر»؟.

 

 

خلوة بكركي

 

الى ذلك، وفي الوقت الذي تسيطر فيه اجواء التخبّط لدى بعض الاطراف التي تصنف نفسها سيادية، والذي يعبّر عن نفسه بهجومات متتالية على الجهود الفرنسية وما أحاط الزيارة الاخيرة لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى باريس، وآخرها الهجوم المباشر على مستشار الرئيس الفرنسي بارتريك دوريل، وكذلك اتهام فرنسا بأنها «لا ترى في لبنان سوى مصالح وصفقات على حساب مصلحة اللبنانيين»، انعقدت في بكركي الخلوة الروحية للنواب المسيحيين برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.

 

شارك في الخلوة 53 نائباً، يمثّلون التوجهات المسيحية على اختلافها، حيث كانت الخلوة بمثابة تجمع للاضداد، من دون ان تفضي الى اجوبة حاسمة حول مآل الملف الرئاسي، كيفية تجاوز حلقة التعطيل التي تمنع انتخاب رئيس للجمهورية، بل ان البطريرك الراعي أودَع النواب مجموعة من الاسئلة، التي تعبّر عن غضب بكركي من استمرار الوضع الشاذ والفراغ في رئاسة الجمهورية، وتنطوي في بعضها على مآخذ ارتدَت في بعض مفاصلها طابع التقريع المبطن.

 

عقدت الخلوة في بيت عنيا – حريصا، واستهلّت بحديث روحي للنائب البطريركي المطران أنطوان عوكر تحت عنوان «الخلاص بين عمل الله وأعمال المؤمن». والنقاش الذي دار فيها تمحور حول المشهد العام، ترأس في نهايتها البطريرك الراعي قداساً استهلّ كلمته فيه قائلاً: «نرفع ذبيحة الشكر لله وقد خاطبَ كل واحد منكم من موقعه فقد استجاب لصلواتنا وعبّر الشعب عن فرحته عن هذه المبادرة وعلّق عليها آمالا كبيرة».

 

 

وشدد على ان «السياسة التي تمارس السلطة بطريقة خاطئة هي غير قادرة على الاعتناء بالاخرين فتسحق الفقراء وتستغل الارض وتواجه النزاعات ولا تعرف كيف تحاور».

 

وأضاف: «يقول البابا فرنسيس ان «السياسة التي تسعى لخلق مساحة شخصية وفئوية هي سيئة أمّا السياسة التي تضع خطة لمستقبل الأجيال فهي صالحة وفق مسألة تتوّج بالوقت يتغلّب على المساحة». وتوجّه الى النواب الحاضرين قائلاً: بماذا جعلتم الشعب يتقدم، اي قوى ايجابية حررتم؟ ماذا فعلتم لانتخاب رئيس للجمهورية»؟.

 

ودعا الراعي النواب الى «التحلّي بصفات القديس توماس مور شفيع المسؤولين السياسيين واتّباع مقولته «أنا خادم الملك الأمين ولكن خادم الله أولاً».

 

قبلان يرحّب

 

الى ذلك، اعتبر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان انّ «استحضار تعاليم الرب بالخلوة الروحية للنواب المسيحيين في حريصا ضرورة ماسّة لتأكيد طائفة الإنسان التي تجمع كل اللبنانيين، وطائفة الإنسان هي طائفة الرب، والكنيسة ضرورة المسجد لقيام لبنان، ولبنان لا يقوم بالاصطفاف الطائفي والسياسي بل بطائفة الرب التي تجمع كل الأديان، والضرورة الدينية والوطنية تلزمنا القيام بخطوة كبيرة لانتشال لبنان من أسوأ فراغ رئاسي وسط أخطر مرحلة تهدّد قيامة لبنان، والمسافة بين الرب والإنسان قريبة والمطلوب جرس كنيسة ومؤذن جامع بالمعنى الوطني، والصلاة للعذراء ضرورة وطنية لإنقاذ بلد كل الأديان، ولا أخشى على لبنان من دين الكنيسة والمسجد بل من دنيا الطوائف السياسية والقطيعة الوطنية، وخشبة خلاصنا تسوية وطنية تجمع وتنقذ بلد الأديان بمجلس النواب».

 

 

التيار يهاجم ميقاتي

 

من جهة ثانية، اعلن المجلس السياسي في التيار الوطني الحر في اجتماعه الدوري الذي عقده برئاسة النائب جبران باسيل انه «في موازاة الحركة الدولية المهتمّة بانتخابات رئاسة الجمهورية يبقى الأساس أن يتصرف المعنيون في لبنان بما يؤكد أنّ هذا الإستحقاق لبناني سيادي أولاً وأخيراً، فمع شكر الدول المهتمة الاّ ان المسؤولية الأولى تقع على مجلس النواب اللبناني ومكوناته السياسية للإسراع بانتخاب رئيس إصلاحي يحتاجه لبنان في هذه المرحلة الى جانب حكومة تلتزم الإصلاح ومجلس نيابي يتعهّد بالقيام بما عليه».

 

وتوقّف التيار عند ما سمّاها «خطورة سلوك رئيس الحكومة المستقيلة الذي كشفت مسألة تغيير الوقت أنه يرتكب معصية في الدستور بتوقيعه منفرداً على موافقات استثنائية يتطلب إصدارها عادةً، وإذا كانت طارئة، توقيع رئيس الجمهورية وإذا كان غائباً والحكومة مستقيلة يلزم وضع تواقيع جميع الوزراء نيابة عن رئيس الجمهورية هذا مع عدم التسليم ببدعة الموافقات الاستثنائية، وفي أحدث مخالفات الرئيس ميقاتي موافقة استثنائية وقّعها منفرداً لاستيراد البطاطا من الخارج وخارج الروزنامة الزراعية على أن يُعرض الموضوع لاحقاً على مجلس الوزراء للتسوية وهذه مخالفة تلزم الحكومة المقبلة، وتُسيء في هذا الوقت الى مزارعي البطاطا اللبنانيين. ناهيك عن توقيعه عشرات الموافقات الاستثنائية خلافًا للدستور والقانون والله وحده يعلم ما فيها».

 

 

واستغرب التيار «تجاهل رئيس الحكومة ما ورد في بيان صندوق النقد حول «مرور لبنان بلحظة خطرة للغاية، وبأنه سيدخل في أزمة لا نهاية لها». إنّ هذا السكوت واللامبالاة معطوفاً على التلاعب المستمر بسعر صرف الليرة هبوطاً وصعوداً يدلّ على ما هو أبعد من الإهمال، وقد يصحّ فيه توصيف ارتكاب الجرم بحق الشعب عن إهمال متعمّد وامتناع مقصود عن العمل اي «اللاعمل» بحسب كلام صندوق النقد الدولي».

 

وسأل التيار الحكومة ووزير الداخلية «هل توفّر التمويل المطلوب لإجراء الإنتخابات البلدية، وهل استطلع وزير الداخلية رأي وزير التربية والتعليم العالي حول جهوزية الأساتذة للمشاركة وتأمين رئاسة أقلام الإقتراع في ضوء إضراب المعلمين في المدارس الرسمية، ورأي وزير العدل حول جهوزية القضاة في لجان القيد؟ وهل استطلع رأي المحافظين والقائمقامين؟ وهل ستتوفّر لجميع المرشحين المعاملات المطلوبة؟ وكيف ستتأمّن الظروف الضرورية لإجراء الإنتخابات طالما أن معظم الدوائر معطّلة عدّة أيام في الأسبوع؟».

 

 

 

الجمهورية