مجلة وفاء wafaamagazine
دخلت البلاد في عطلة عيد الفطر السعيد، ولكن يبدو انّ ما بعد العطلة سيكون غير ما قبله، إذ تدلّ المواقف والمعطيات إلى انطلاق حركة ديبلوماسية عربية ودولية، في شأن الاستحقاق الرئاسي، تتلاقى مع ما يحصل من تطورات ايجابية على ساحة المنطقة بنتيجة الاتفاق السعودي ـ الايراني. إذ يتوقع ان تغوص العواصم المهمّة بالشأن اللبناني في تفاصيله اكثر فأكثر في اتجاه التحضير لترجمة نتائج الاتصالات الجارية عملياً، بما يساعد في انتخاب رئيس جمهورية جديد وانطلاق ورشة النهوض بالبلاد في وقت ليس ببعيد.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ الاتصالات ناشطة بين كل العواصم العربية والدولية المهتمة بالوضع اللبناني، وتركّز كل هذه الاتصالات على ملاقاة جملة من المحطات المهمّة في المنطقة، والتي سيكون لبنان حاضراً فيها، ولا سيما منها القمة المرتقبة في الرياض بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي، التي ستدشن عودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين، والقمة العربية المقرّرة في العاصمة السعودية في 19 ايار المقبل.
وقد تلقّى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بن عبدالله، اتصالًا هاتفيًا، من نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، وأفادت وكالة الأنباء السعودية الرسمية انّهما تبادلا «التهاني والتبريكات لمناسبة حلول عيد الفطر، وبحثا في العديد من الموضوعات التي تهمّ البلدين، بالإضافة إلى مناقشة الخطوات المقبلة، في ضوء ما تمّ الاتفاق عليه أخيرًا مع سلطات الصين».
موقف فرنسي
في هذه الاجواء أكّدت وزارة الخارجية الفرنسية امس، أنّ باريس «ليس لديها أيّ مرشّح في لبنان» لرئاسة الجمهورية، وذلك بعيد حديث وسائل إعلام لبنانية عن دعم فرنسي محتمل للوزير السابق سليمان فرنجية لهذا المنصب الشاغر منذ 6 أشهر.
وقالت المتحدثة باسم الوزارة آن – كلير لوجاندر خلال مؤتمر صحافي: «على اللبنانيين اختيار قادتهم»، وذلك في إشارة إلى الرسالة التي بعثتها باريس في الأشهر الأخيرة. وأكّدت أنّ «على الجهات اللبنانية تحمّل مسؤولياتها وكسر الجمود السياسي لانتخاب رئيس جديد بسرعة»، مضيفة أنّ الشغور «يلقي بظلاله أولاً على الشعب اللبناني». واضافت: «يتعلّق الأمر بانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة مع كامل الصلاحيات تكون قادرة على تنفيذ الإصلاحات التي يحتاجها لبنان والشعب اللبناني بشكل عاجل في مواجهة الأزمة الخطيرة التي يمرّان بها». وأشارت إلى أنّ فرنسا تجري «اتصالات كثيرة مع الجهات السياسية اللبنانية».
ما بعد المفاجأة الفرنسية
وفي أول تفسير لهذا الموقف الفرنسي المستجد، قالت مصادر لبنانية معارضة لـ «الجمهورية»، انّها لم تفهم المناسبة التي دفعت الخارجية الفرنسية الى إعلان مفاجئ من هذا النوع، فهي وحتى الأمس القريب اكّدت على لسان مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الاوسط جوزف دوريل، انّ المَخرج الوحيد للخروج من المأزق ما زال رهناً بالتفاهم على الربط بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، طارحاً تسوية شاملة استفزت المعارضين لترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، ودفعتهم إلى التشكيك بالحيادية الفرنسية التي رعت اللقاء الخماسي في 6 شباط الماضي في باريس.
وقالت هذه المصادر، «انّ الفوارق الكبيرة بين الموقعين والاستحقاقين تميّز بينهما في شكلهما وتوقيتهما والآليات الدستورية المؤدية إلى كل منهما، عدا عن ولاية كل منهما، فالأول يتمتع بولاية لست سنوات، اما الثاني فهو عرضة للتغيير في لحظة من فقدان الثقة النيابية بدوره او لأي سبب آخر».
الّا انّ المصادر عينها اعتبرت «انّ هذا الموقف قد يشكّل محطة لانتقال الملف إلى مكان آخر، بعدما عجزت باريس عن إتمام المهمة التي وعدت بها، وقد يكون مقدّمة طُلِبت من باريس من اجل تسهيل الحراك على الخط المفتوح بين طهران والرياض بدلاً من باريس، وهو أمر لا يمكن التثبت منه قبل عبور عطلة عيد الفطر وصولاً إلى تحديد موعد القمة السعودية – الايرانية وما يمكن ان تحققه بناءً لإصرار وطلب من «الثنائي الشيعي» معاً بطريقة منفردة الذي طلب العون من طهران لتسهيل الوصول إلى الموقف الايجابي السعودي من فرنجية».
ولفتت المصادر إلى «ضرورة انتظار ما يمكن ان يكون واضحاً من المواقف الخارجية. فالحديث المتمادي عن مواصفات الرئيس التي يمكن تفسيرها على اكثر من موجة، لا يمكن الفصل في ما يمكن ان يؤدي اليه الحراك الخارجي ما لم ينتقل بطريقة اوضح الى إسقاط المواصفات على الأشخاص».
الأفق مقفل
على صعيد آخر وعشية دخول البلاد عطلة عيد الفطر السعيد، قالت مصادر عليمة كانت حتى الأمس القريب تقوم بوساطة بين مختلف الاطراف «انّ اللعبة الداخلية ما زالت مقفلة ولا يمكن الرهان على جدّية السعي إلى حوار داخلي طالما أنّه بقي ملغوماً ورهناً بالشروط المسبقة غير المعلنة قبل الاتكال على الخارج في رعايته أي حل».
وقالت احدى الشخصيات التي شاركت في التوصيف عينه، انّ كل الابواب قد سُدّت امام المساعي التي بُذلت من أجل حوار داخلي، وانّ اتصالات بعض الوسطاء قد توقفت تباعاً في محطات متتالية، فجمّدت أنشطتها واحدة بعد أخرى في انتظار ما يمكن ان يقود اليه التدخّل الخارجي.
«وكأنّه قضي الامر»
إلى ذلك، استغربت مصادر معارضة عبر «الجمهورية» الكلام عن الاستحقاق الرئاسي «وكأنّه قضي الامر»، علماً انّ هناك ثلاثة عوامل غير متبدّلة حتى اللحظة ما يحول دون انتخاب رئيس للجمهورية:
العامل الاول، من طبيعة خارجية، حيث انّه حتى اللحظة لا تبدّل في الموقف السعودي الذي لا يزال على الموقف نفسه لجهة ضرورة ان يكون الاستحقاق الرئاسي مدخلاً لتسوية تجمع فريقي المعارضة والموالاة، وليس ان تشكّل انتصاراً لفريق على آخر.
ـ العامل الثاني، يرتبط بالبعد الداخلي لجهة انّ ميزان القوى الداخلي، وتحديداً المعارض، والذي اظهر في جلسة التمديد للبلديات انّه قادر على التعطيل، وانّ الموالاة لا تملك 86 نائباً، وبالتالي المعارضة في غير وارد الذهاب لتسوية حول اسم يُشتّم منه انّه انتصار لفريق وهزيمة لفريق آخر، ولا تبدّل لا بل بالعكس هناك تشدّد في الموقف المعارض.
العامل الثالث، يتعلق بحليف «التيار الوطني الحر» الذي لم يبدّل بدوره موقفه من انتخاب النائب السابق سليمان فرنجية، وحتى لو بدّل النائب جبران باسيل في موقفه، فإنّ المعطى الخارجي غير متبدّل، والمعطى في ميزان القوى المعارضة في غير وارد المساومة على موقفه».
وتعتبر مصادر المعارضة «انّ كل هذا المناخ الذي يتمّ بثه لا أساس له من الصحة. صحيح انّ المنطقة دخلت في زمن التسويات وهناك ديناميكية التسويات التي انطلقت من اليمن على إثر الاتفاق السعودي ـ الايراني، لكن هذه الديناميكية لا تعني اطلاقاً انّ التسوية ستكون لمصلحة فريق على حساب آخر، انما تسوية ستكرّس واقع لا غالب ولا مغلوب، وليس ان تكون مدخلاً لتكريس منطق الغالب والمغلوب». وبالتالي تعتبر المصادر انّ «هذه الاجواء لا تستند إلى معطيات جدّية، جلّ ما هنالك انّ هناك قراءة مختلفة لهذه التطورات من كلا الفريقين، حيث انّ المعارضة لا تسلّم بالمعطيات التي تتحدث عنها الموالاة بقراءتها للتطورات الخارجية، بل ترى انّ هذه التطورات تخدم مصلحة قيام دولة حقيقية وليس إرساء استقرار وهمي، وانما الذهاب الى استقرار فعلي».
الجمهورية