الرئيسية / آخر الأخبار / لودريان انتظرَ «التحلّي بالمسؤولية» فاصطدَم بتعميق الانقسامات

لودريان انتظرَ «التحلّي بالمسؤولية» فاصطدَم بتعميق الانقسامات

مجلة وفاء wafaamagazine

تَأكّدَ المؤكّد للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان؛ ما سَمعه من مكوّنات الانقسام السياسي، أثبتَ بما لا يقبل أدنى شكّ أنّ استيلاد رئيس للجمهوريّة مستحيل في واقعٍ لبناني مُفخّخ بفوارق وتناقضات تَبتلع كلّ جهد مساعِد للبنان على الخروج من أزمته بكل تشعباتها الرئاسية والسياسية والاقتصادية.

 
 

مصادر مطلعة على أجواء مهمّة الموفد الفرنسي أكّدت لـ»الجمهورية» أنّ «لودريان يخوض تجربة مريرة جديدة له في لبنان، والحصيلة الأولية التي جَمّعها في جولة الإتصالات واللقاءات السياسية والروحية والنيابية التي أجراها، لم تكن مريحة، ولا يُبنى عليها اي أمل في بناء قاعدة تفاهم داخلية على اعادة إنعاش المؤسسات الدستورية في لبنان واطلاق ورشة الانقاذ والاصلاحات، انطلاقاً من إنهاء الفراغ في رئاسة الجمهورية».

 


وبحسب المصادر فإنّ لودريان ظَهّر نفسه على مسافة واحدة من الجميع، ومقاربته للملف اللبناني بصورة عامة، وللملف الرئاسي بصورة خاصة، اتًّسَمَت بالحرص على لبنان وتأكيد التزام فرنسا انطلاقاً ممّا تعتبره واجباً عليها تجاه بلد تربطها به علاقة تاريخية وعاطفة سياسية، بمساعدته على الخروج من أزمته، عبر حل متكامل لا يُغَلّب فريقاً لبنانياً على آخر، والظروف الاقليمية والدولية اكثر من ملائِمة لبلوغ هذا الحل. إلّا انّ الدور الاساس هنا يبقى مٌناطاً باللبنانيين انفسهم بأن يتحلّوا بشجاعة الشّعور بالمسؤوليّة، والتفاهم فيما بينهم على تجاوز المأزق الرّاهن وسلوك السبيل الذي يصب في مصلحة لبنان.
واذا كانت مقاربة لودريان، على ما تقول المصادر عينها قد ألقَت على اطراف الصراع السياسي مسؤولية تعجيل التقائهم على حلّ واقعي يُنجّي أزمة بلدهم من ان تصبح ميؤوساً منها، إلّا أنّ المُحبِط في موازاة ذلك هو انّ طروحات التناقضات الداخليّة لم تكن صادمة لمهمته، بقدر ما كانت متوقعة. فما تسمّي نفسها معارضات وتقاطعات سيادية وتغييرية جاءت مقارباتها للملف الرئاسي على نحوٍ يَنعى بشكل كلّي إمكانية حصول اي توافق طوعي داخلي، وكانت في جوهرها أقرب ما تكون إلى حلقات «نشر غسيل» وتكرار الإتهامات لـ»حزب الله» وحلفائه بتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية لفرض انتخاب مرشحهم، ذَيّلَتها بمطالبة صريحة بممارسة ضغوط فرنسية ودولية لإلزام الجميع بأحكام الدستور، وفرض انعقاد جلسات انتخابية مفتوحة لمجلس النواب، وكذلك ممارسة الضغط على الحزب وإلزامه برفع يده عن رئاسة الجمهورية.

 


وفي المقابل، تَلفُت المصادر الى أنّ موقف ثنائي حركة «أمل» و»حزب الله» الذي تم ابلاغه الى الموفد الفرنسي، انطلق من انّ التوازنات الداخلية القائمة اكدت استحالة ان يتمكن اي طرف سياسي من أن يحسم الملف الرئاسي بمعزلٍ عن سائر الاطراف، وهو ما انعكسَ بكلّ وضوح في 12 جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية. وهذا يؤكّد ان لا سبيل الى هذا الحسم الا بالجلوس على الطاولة، وهو ما تؤكد عليه مساعي اشقاء لبنان واصدقائه. ورئيس مجلس النواب نبيه بري، قد لاقى تلك المساعي عشيّة وصول لودريان الى بيروت بدعوته الأطراف السياسيّين جميعهم الى الحوار للتوافق على رئيس للجمهورية من دون شروط مسبقة. الا ان هذه الدعوة لم تلق الاستجابة المطلوبة لها حتى الآن.
وبحسب المعلومات، فإنّ اسماء المرشحين كانت حاضرة في المحادثات التي اجراها لودريان، إلا ان الموفد الفرنسي لم يكن المبادر الى طرح أي اسم، كما تجنّب ذكر أي اسم، بل إنّ إيراد الأسماء جاء في مقاربات الاطراف، سواء من قبل داعمي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي وصفت المحادثات بينه وبين الموفد الفرنسي بأنها «كانت اكثر من مريحة»، او من قبل داعمي الوزير السابق جهاد ازعور، الذي ما زالت تتقاطع عليه القوات اللبنانية وحزب الكتائب وكتلة «تجدد» وبعض النواب الذين يصنّفون أنفسهم تغييريين. او من الذين أخرجوا انفسهم من التقاطعات ورفعوا لواء البحث عن خيارات رئاسية جديدة. وتشير المعلومات الى ان لودريان كان مستمعاً في هذا المجال، ولم تتمكن تلك الاطراف، خصوصا من هم ضد فرنجية، في استدراج لودريان الى الإفصاح عما اذا كان لباريس مرشح معيّن تُزَكّيه لرئاسة الجمهورية.

 


تقرير متشائم
هذه الأجواء، وعلى ما تقول مصادر سياسية لـ»الجمهورية» رَسمت حدود مهمّة لودريان قبل أن ينهي لقاءاته واتصالاته، تحت سقف التناقض والخلاف الداخلي العميق، وهذا يؤكد بما لا يرقى اليه الشك انّ التقرير الذي سيرفعه الى رئيسه إيمانويل ماكرون، سيتضمّن شهادة جديدة من لودريان على عقم الحلّ في لبنان، في ظلّ واقع تتنازعه رؤى وتوجّهات متصادمة وتصفية حسابات، وإرادات غير قابلة لأن تلتقي تحت ايّ سقف».


مقبرة فرض ومبادرات
ورداً على سؤال حول مهمة لودريان، قال مرجع مسؤول لـ»الجمهورية»: بحسب ما قيل لنا، فإن لودريان سيقوم بزيارة ثانية الى بيروت في تموز المقبل، وهذا أمر جيّد، ويعبّر عن الإهتمام البالغ الذي توليه ادارة الرئيس ماكرون للبنان، ولكن ما نفع تعدّد الزيارات إذا لم تؤدّ الى تغيير في واقع لبناني مُنقسم على ذاته؟
أضاف: انا متأكد من أنّ نوايا الفرنسيين تجاه لبنان أصدَق من نوايا اللبنانيين تجاه بلدهم، ولمسنا من لودريان مشاعر طيبة تجاه لبنان وتضامناً وحماسة في إخراج رئاسة الجمهورية من دائرة التعطيل، وهذه الحماسة ينقصها شيء واحد وهو ان تجد في الداخل مَن يَتلقّفها ويتفاعَل معها بمسؤولية، وهو ما لم نلمسه في خلاصات اللقاءات والاتصالات التي اجراها، والتي راوحت جميعها في دائرة الخلافات والتعقيدات القائمة منذ بداية الشغور الرئاسي، من دون ان تقدم للموفد الفرنسي اي ايجابيات يبني عليها لبلورة حل.

 


وقيل للمرجع المسؤول ان مهمة لودريان اذا انتهت على هذا النحو، فهذا يعني إخفاقاً جديداً لفرنسا في لبنان، يُضاف الى مسلسل الاخفاقات السابقة التي توالت منذ المبادرة الفرنسية التي اطلقها الرئيس ماكرون بعد الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت، فسارَعَ الى توصيف بالغ الدلالة وقال: مع الأسف الواقع السياسي في لبنان، ومنذ بداية الأزمة في العام 2019، ارتقى في تخلّفه إلى أن يصبح، وبلا منازع، «مقبرة جماعية للفرص والمبادرات».
وخَلص المرجع المسؤول الى القول: المهمّة التي يقوم بها لودريان مهمّة جداً، ولكنها على جانب كبير من الصعوبة والتعقيد، وبمعزل عن نجاحها او فشها، فلا مجال لأي حلّ رئاسي في لبنان الا بالحوار، ولا شيء غير الحوار الذي لا مفرّ منه في نهاية المطاف، ونقطة على السطر.

 


العقوبات احتمال وارد
في هذا الوقت، كشفت مصادر فرنسيّة لـ»الجمهورية» انّ الايليزيه يواكب حركة اتصالات ولقاءات لودريان في بيروت، مشيرة الى انّ أجواء بيروت لا تشجّع على القول انّ الموفد الرئاسي الفرنسي قد حقق خطوات متقدمة الى الامام، وفي انتظار التقرير الذي سيعدّه لودريان، ليس في الإمكان تحديد شكل الخطوة الفرنسية التالية وزمانها».
على ان اللافت للانتباه هو الذي كشفته المصادر عينها، حديثها عن نقاشات جرت في بعض الدوائر الفرنسية، فحواها ان باريس لا تستطيع ان تتحمل فشلاً جديداً لها في لبنان، وهو أمر يوجب على باريس مقاربات مختلفة للملف اللبناني، وبلغة اكثر حسماً وحزماً».

 


ولم تفصل المصادر أكثر في ماهية هذه المقاربات وشكل الحسم والحزم، الا انها لم تخرج من حسبانها اللجوء الى التلويح مجدّدا بعقوبات على معطلي الحلّ في لبنان، مشيرة في هذا السياق الى ما نقلته صحيفة لوموند الفرنسية عن ديبلوماسي فرنسي قوله «ان العقوبات واردة وجميع الخيارات مفتوحة».


لا رئيس قبل سنة!
الى ذلك، علمت «الجمهورية» أنّ شخصية سياسية بارزة عادت من جولة خارجية مؤخراً، التقت خلالها ممثلين عن دول «الاجتماع الخماسي» في باريس، ونقلت أجواء تشاؤميّة حيال الملف الرئاسي.
وقالت هذه الشخصية لـ»الجمهورية» انه على الرغم من كلّ الصّخب الدائر حول الملف الرئاسي، فلا أحد في الخارج مُستعجِل على حسم ملف انتخاب رئيس الجمهورية، ما خلا الفرنسيين الذين يعتبرون انفسهم ملزمين بإيجاد حل لأزمة لبنان، وهم يدركون سلفاً ان لودريان لن يحقق شيئا في لبنان. وبناءً على ذلك، فإن المسلّم به لدى تلك الدول هو ان ازمة الرئاسة في لبنان طويلة جدا، وقال لي احد الديبلوماسيين ما حرفيته ان لا تغيير في الواقع اللبناني، ولا انتخاب لرئيس الجمهورية من الآن وحتى ما بعد سنة على الأقل».
واشارت الشخصية عينها الى انها ردّت على هذا الكلام بسؤال مفاده: هل يحتمل لبنان هذا الأمر؟ فكان الجواب: وضع لبنان ليس اولوية، كان وسيبقى معرّضاً لشتى الاحتمالات.

 


حركة لودريان
وكان لودريان قد تابع مهمته أمس، فزار قائد الجيش العماد جوزف عون في مكتبه في اليرزة، وافادت المعلومات الموزعة بأن الجانبين بحثا، في حضور السفيرة الفرنسية آن غريو، في الوضع الامني ووضع المؤسسة العسكرية اضافة الى الشأن السياسي العام».
كما اجرى الموفد الفرنسي سلسلة لقاءات مع عدد من الكتل والتوجهات النيابية في مقر السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر، ابرزها مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يرافقه رئيس اللقاء الديموقراطي النائب تيمور جنبلاط. وكتب جنبلاط تغريدة عن اللقاء: «لقاء ودي وصريح مع المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الوزير السابق جان ايف لودريان، بحضور سفيرة فرنسا آن غريو».


بري: داعمون لفرنجية
الى ذلك، وبالتوازي مع مهمة لودريان، لفتَ ما نُقل عن الرئيس بري، حيث قال انه ليس صحيحاً انّ لودريان قد طوى صفحة المبادرة الفرنسية، وغير صحيح ايضاً انه تخطى الوزير سليمان فرنجية».
وجدّد الالتزام بدعم ترشيح الوزير فرنجية، فيما اشار الى ان الآخرين متمسكون بمَنحاهم السلبي لقطع الطريق عليه. وقال ردا على سؤال: نشعر أن أميركا تفضّل قائد الجيش، أما السعودية فلا تزال على موقفها بعدم وضع فيتو على أي اسم.

 


وحول علاقته مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، قال بري: جنبلاط ليس بحاجة الى موعد والابواب مفتوحة له في اي وقت يريد، وكل محاولات البعض لتحقيق الشَرخ بيني وبين جنبلاط باءت بالفشل ولن تنجح.


ميقاتي
من جهة ثانية، ومع انطلاق موسم الإصطياف والسياحة، قام رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بزيارة تفقدية لمطار بيروت، بدعوة من وزير الاشغال العامة والنقل علي حميه ومشاركة وزراء الداخلية والبلديات بسام المولوي، الصناعة جورج بوشكيان والزراعة عباس الحاج حسن. وشملت الجولة مَبنيَي الشحن والركاب في المطار، حيث اطلع رئيس الحكومة على عمل اجهزة الكشف على حقائب الركاب في مبنى المغادرين وكذلك على عمل اجهزة الكشف على البضائع المعدة للتصدير.
وقال ميقاتي في كلمة له: «بالرغم من كل المشكلات والمصاعب التي نمر بها، فإننا نسعى جاهدين لأن يعكس مطار بيروت الصورة المشرقة للبنان». اضاف: «قمنا اليوم خلال هذه الجولة بالاطلاع على الهبة الألمانية في مبنى الجمارك الذي يتضمن السكانر لكل ما يتم تصديره من لبنان. وهذا السكانر دقيق جداً ويكشف عن الممنوعات في اي عملية تصدير، وعن المتفجرات في حال وجودها في اي من البضائع المصدرة من لبنان. هدفنا بأن يكون التصدير سليماً وآمناً، وهذا ما نعد به الدول العربية والغربية ونعلن بأن مطار بيروت آمن.

 


وردا على سؤال عن الاجراءات لوقف تهريب الممنوعات الى الخارج لا سيما في ملف الكبتاغون، قال: «هناك لجنة تتولى هذا الموضوع، وهي أكدت في اجتماعها الاخير هذا الامر، ونحن اليوم نَطّلع عن كثب على ما تقوم به الجمارك من جُهدٍ للمراقبة، ولا يمكن ان يكون لبنان لا مصدّراً ولا ممراً لأي عمل يضرّ به وبأشقائه العرب وبدول العالم».

 

 

 

الجمهورية