مجلة وفاء wafaamagazine
سياسياً، الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في بيروت في الربع الاخير من الشهر الجاري، حيث يحط على ارض التناقضات اللبنانية بعد محطتين خليجيتين له، الاولى في المملكة العربية السعودية التي التقى فيها المستشار في الامانة العامة لمجلس الوزراء السعودي نزار العلولا، والثانية في قطر حيث سيمثل فرنسا في الاجتماع الخماسي حول لبنان الذي ينعقد في الدوحة الاثنين المقبل، بين الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والسعودية ومصر وقطر.
وخلافا للتفسيرات والتحليلات والمبالغات الداخلية التي تتخيّل سيناريوهات وهميّة غير واقعية لمهمة لودريان قبل بدئها، وتكشف اوراقه المستورة قبل ان ينجز إعدادها، وتنسب الى الحراك الفرنسي الانتقال من خيار رئاسي الى خيار او خيارات آخرى، فلا شيء واضحا حول مهمّة الموفد الفرنسي، الذي سبق للودريان ان حصرها بالسعي لاطلاق حوار بين القادة اللبنانيين. وعلى ما يقول مطلعون فإنّ الاجتماع الخماسي الجديد، يغطي هذه المهمّة ويمنحها دفعا معنويّا ينطوي على رسالة غير مباشرة للبنانيين لتلقف هذه الفرصة، والانخراط في حوار مسؤول يقودهم الى اتمام استحقاقاتهم الدستورية على وجه السرعة.
ماذا عن الداخل؟
على مسافة أيّام من وصول لودريان، تجتاح المشهد السياسي موجة من التكهّنات حول مهمته في بيروت؛ بعضها يعلّق عليها الأمل بانفراج ممكن، بوصفها محصّنة بهيبة الايليزيه، ومنسقة ما بين دول الاجتماع الخماسي. وبعضها الآخر يقاربها بكونها مهمّة شبه مستحيلة، ويشكّك في نجاح لودريان في في اقناع الشتات السياسي اللبناني بكسر صخرة التعطيل والتوافق على رئيس للجمهوريّة. وبعضها الثالث يقاربها كمهمة فاشلة حتما ما لم تكن محصّنة من راعيها، أو رعاتها، بعوامل وآليات إنجاحها.
بمعزل عن تلك التكهنات والتخيلات، وعما يحمّله لودريان في جعبته، فعلى ما تقول مصادر مواكبة للحراك الفرنسي لـ”الجمهورية” إنّ “الموفد الرئاسي الفرنسي ليس آتيا للسياحة والنزهة في لبنان، بل هو آتٍ في مهمّة على درجة عالية من الاهمية، وما بعدها لبنانيا، ليس كما قبلها، حيث على نتائجها يتحدّد المسار اللبناني نحو واحد من اتجاهين؛ الأوّل في اتجاه الانفراج واعادة انتظام حياته السياسيّة بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة في القريب العاجل. والثاني في اتجاه الإقامة الطويلة الأمد على رصيف الانتظار والتخبط باحتمالات سلبية على كل المستويات، ريثما تنشأ ظروف استيلاد فرصة جديدة. علما أن كلّ المؤشّرات الخارجية تتقاطع عند حقيقة أنّ لبنان بالكاد يجد له مكانا في اجندات الأولويات والاهتمامات الدولية”.
مهمّة بمواجهة مفخّخات
المطلعون على الاجواء الفرنسية يؤّكدون أنّ باريس قد وضعت كلّ ثقلها في مهمّة لودريان وتأمل أن تسري في الهشيم اللبناني، بوصفها الفرصة الخارجيّة الوحيدة المتاحة حاليّا لإنضاج حلّ يضع لبنان على سكّة الخروج من أزمته، إلا أنّ قراءة الوقائع الداخلية تؤكد أنّ الأكثر ترجيحا حتى الآن هو الاتجاه الثاني، ذلك انّ هذه مهمّة لودريان بما تحمله من رغبة في اطلاق حوار لبناني حول رئاسة الجمهورية، اشبه ما تكون بالتنقيب عن حل مفقود، ومحفوفة بصعوبات من كلّ جوانبها، حيث تترصّد لها مكوّنات سياسية مفخخة بكلّ ما يعمّق الإفتراق والإنقسام ويرسّخ التطبيع مع الفراغ في رئاسة الجمهوريّة وشلل الدولة ومؤسساتها. وهذا يفسّر انّ الدّاخل السياسي لا يبدو متحمّسا لمهمّة لودريان، وتؤكّد ذلك أجواء الأطراف المعنيّة بالملف الرئاسي، وتناقضاتها التي تشكّك مسبقا بجديّة وجدوى أيّ حوار في ما بينها.
الحوار افضل من عدمه
واذا كانت الاشارات السابقة لوصول لودريان إلى بيروت قد عكست الرّغبة في إطلاق حوار يديره رئيس المجلس النيابي نبيه بري، إلّا أنّ مصادر سياسية مسوؤلة تؤكد لـ”الجمهورية” ان هذه الرغبة قد لا تتحقق.
ورجحت المصادر أن يصطدم “حوار لودريان” بعقدة المشاركة فيه، وخصوصا ان بعض الاطراف، مثل “القوات اللبنانية” استبقت وصول الموفد الفرنسي برفضها الحوار. الا ان مصادر سياسية اخرى اعتبرت ان هذه العقدة، وبرغم الاعتراضات المسبقة، تبدو غير مستعصية على الحلّ، ذلك انّ اطراف الإنقسام الداخلي على اختلافها، ومهما علت نبرة اعتراضاتها لا تستطيع إلّا أن تنزل عند الرغبة الفرنسية وتشارك، لكي لا توضع في خانة تخريب المسعى الفرنسي”.
واذ اكدت المصادر عينها أنّ مكان انعقاد الحوار لن يشكّل عقدة بدوره”. الا انها تلفت الانتباه الى عقدتينلا يستهان بهما، الاولى ستتبدى في ارباك حتمي في تحديد المشاركين في الحوار. فإذا كانت مشاركة الكتل النيابية محسومة بممثلين عنها، فماذا عن النواب الآخرين المستقلين؟ فمن سيمثلهم؟ وهل سيتم تجاوزهم؟ ام انه سيكون لهم مكان في هذا الحوار؟ واما العقد الثانية، ولعلّها العقدة الاساس، فستتبدى حول من سيدير هذا الحوار.
بري يرفض
هنا تؤكد مصادر موثوقة لـ”الجمهورية” ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري سبق له أن اطلق سلسلة دعوات إلى الحوار دون ان يلقى تجاوبا من الكتل السياسية سواء من كتلتي “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، او من سائر الكتل والتوجهات النيابية التي تسمي نفسها سيادية او تغييرية. والتطورات والتجاذبات التي احاطت بالملف الرئاسي دفعت ببري الى أن يخرج نفسه من موقع الراعي لأي حوار. وبالتالي هو ليس في وارد إدارة ايّ حوار، بل لن يبادر الى الدعوة الى اي حوار كما فعل سابقا. وقد قال صراحة انّه “طرف، وخصوصا ان هذا الحوار هو حول رئاسة الجمهورية، وسنشارك فيه بممثل عنا، ويفضّل أن يكون في مجلس النواب حيث ان طاولة الحوار باتت جاهزة لالتقاء المتحاورين حولها”.
وتشير المصادر الى ان اخراج بري نفسه من ادارة اي حوار، يطرح السؤال عن القيادة البديلة لهذا الحوار، حيث لا يوجد اي طرف داخلي او اي شخصية سياسية مسؤولة تتولاها، وهنا يبقى خياران، الأول ان يتولى لودريان شخصيا ادارة هذا الحوار، سواء في مجلس النوّاب، أو على أرض فرنسية مثل قصر الصنوبر، واما الخيار الثاني، في حال فضل لودريان ان تكون ادارة الحوار لبنانية، فهو العودة إلى الرئيس بري بناء على اقتراح وتمنيات الموفد الفرنسي، من دون اي اعتراضات داخلية على ادارته لهذا الحوار”.
وردا على سؤال، قالت المصادر ان لودريان سيكون شريكا مباشرا في هذا الحوار، والا ما معنى الحوار الذي قال انه سيسهل اطلاقه بين اللبنانيين، ان كان غائبا عنه، فحضوره يعطي مهمته دفعا كبيرا، وعدم حضوره سيحول طاولة الحوار الى “سوق عكاظ”، لن يتأتى منها سوى مبارزات كلامية ومزايدات واستفزازات سياسية وغير سياسية تستحضر الانقسامات والتناقضات، وتسخن الملف الرئاسي أكثر، وتخضع البلد من جديد لاجواء التوتير والتصعيد.
ماذا سيحقق الحوار؟
على ان السؤال الذي يطرح نفسه عشية وصول لودريان الى بيروت: هل يمكن للحوار الذي سيطلقه ان يحقق الهدف المرجو منه، ويفتح الطريق الى انتخاب رئيس للجمهورية؟
يقول مرجع مسؤول لـ”الجمهورية”: “من حيث المبدأ، فمهما كانت الخلافات عميقة فإن الجلوس على طاولة الحوار خير من عدم الجلوس. واما واقعيا، فلا أحد في الداخل في مقدوره ان يجازف ويتوقع ايجابيات او الوصول الى قواسم مشتركة بين مكونات متموضعة في خانة العداء الكلي لبعضها البعض، ولكن، مع انعقاد الحوار، وجلوس الاطراف على الطاولة، ربما نصبح امام طاولة المفاجآت، والكلمة الطيبة والهادئة يمكن لها ان تضيق مساحات الخلاف وتدفع كل طرف لان يتقدم خطوة نحو الآخر، وهذا بالتأكيد مرهون بحنكة وشطارة الموفد الفرنسي”.
بري: حقوق المودعين
من جهة ثانية، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري، خلال ترأسه إجتماعاً للقطاع الاغترابي في “حركة أمل”، على “تمسك الحركة بوجوب ان تشمل ايّ خطة للتعافي الإقتصادي والمالي حفظ حقوق المودعين، كل المودعين، كاملة وتحديداً ودائع المغتربين اللبنانيين”.
ولفت بري، الى أنه “منذ بداية الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة كان موقف الحركة ولا يزال هو ودائع الناس وأموالهم في المصارف هي من المقدسات ولن نقبل المساس بها تحت أي عنوان من العناوين”.
ونوه بـ”الدعم والمؤازرة التي قدمها ويقدمها الإغتراب اللبناني للبنان المقيم”، معتبراً أنه “دعماً لا يُقاس بالشكر والإمتنان فقط إنما هو أمانة في أعناقنا الى يوم الدين”. وشدد “وجوب مقاربة ملف الإغتراب اللبناني كقيمة إنسانية وثقافية وليس كقيمة مالية واقتصادية فحسب”، مؤكداً على “ضرورة الإلتزام وإحترام القوانين والانظمة في الدول التي تستضيف وتحتضن اللبنانيين في كافة قارات العالم”.
الحدود على خط التوتر
في هذا الوقت، سلط الاعلام الاسرائيلي الضوء على تحليلات تتوقع حصول مواجهة عسكرية بين اسرائيل و”حزب الله” في وقت قريب، في ظل تصاعد التوتر على الحدود الجنوبية. فيما برزت في هذا السياق دعوة وزير الأمن القومي الإسرائيلي الجيش الإسرائيلي الى التحرك ضد الخيام التي أقامها حزب الله قرب الحدود”.
يأتي ذلك في وقت، دعت فيه واشنطن كل الاطراف الى الامتناع عن الاعمال الاستفزازية. وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية، أن “الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء أي انتهاكات للخط الأزرق وتأثيرها على الاستقرار والأمن في كل من لبنان وإسرائيل”، داعيا الجهات إلى “الامتناع عن الأعمال الاستفزازية التي تقوض الأمن والسلامة”.
ودعا المتحدث، لبنان إلى “العمل من خلال اليونيفيل لحل أي انتهاكات من هذا القبيل”، مضيفاً أن “هذه الانتهاكات تؤكد فقط حاجة السلطات اللبنانية إلى ضمان حرية حركة اليونيفيل ووصولها إلى المناطق المهمة الرئيسية على طول الخط الأزرق، وهذا الأمر حاسم لمنع دورات التصعيد”.
مواجهة محتملة
وفي هذا الاطار، ذكر موقع والاه الاسرائيلي ان خطأ واحدا عند الحدود من احد الطرفين، يفسّر بشكل خاطىء من الطرف الآخر، قد يقود الى حرب.
وبحسب محلل الشؤون العسكرية في الموقع أمير بوحبوط فإنّ “الأعمال التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي عند الحدود تقلق “حزب الله” إلى حد كبير، والذي شرع في الأشهر الأخيرة بسلسلة خطوات استفزازية بهدف تخريب السياج الحدودي، وأنّ التطورات وصلت إلى ذروتها مع إقامة خيمتين عند الحدود.
وأضاف: إن جيش الاحتلال الإسرائيلي “يستعد لاحتمال فشل الجهود الدبلوماسية لإزالة الخيام، ويتجهز لتوجيه رد عسكري لإزالتها، مع الاعتراف بأنها لا تشكّل تهديداً في هذه المرحلة، لكنها أحرجت حكومة وجيش إسرائيل، خصوصاً أنّ وسائل إعلام لبنانية هي التي كشفت الأمر”.
وخلص بوحبوط إلى أنّ “حجم النيران التي سيطلقها “حزب الله” باتجاه الجبهة الإسرائيلية (في حال نشوب مواجهة) لن يترك خياراً للمستوى السياسي، سوى إصدار الأوامر من اليوم الأول، لإرسال قوات برية من الجيش النظامي وجيش الاحتياط إلى داخل لبنان من أجل السيطرة على مواقع إطلاق الصواريخ الكثيرة”.
من جهته، اعتبر المحلل العسكري رون بن يشاي، في مقال كتبه في موقع “يديعوت أحرونوت”، اليوم الخميس، أن تحركات “حزب الله” قرب الحدود تعبّر عن “ابتزاز سياسي لتحقيق أهداف عسكرية”، إذ يسعى “حزب الله” من خلال ذلك، لتحقيق مطالبه باشتراطه إزالة الخيميتين التي نصبهما عناصره مقابل توقّف الاحتلال عن بناء الجدار الحدودي على أراض لبنانية في قرية الغجر.
وقال بن يشاي: “حزب الله” يفسر الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل على أنها حالة ضعف، ويسمح لنفسه بالقيام “بخطوات استفزازية” تتصاعد في الآونة الأخيرة، وأن إقامة الخيام قرب الحدود دلالة على وجود أهداف عسكرية بالتنسيق مع إيران. كما أن (أمين عام “حزب الله” السيد حسن) نصرالله ولأسباب لبنانية داخلية، منها المأزق السياسي والأزمة الاقتصادية المستمرة في البلاد، له مصلحة في معركة لعدة أيام ضد الجيش الإسرائيلي، لتحسين وضعه في الساحة اللبنانية. أما إسرائيل، فليس لديها مصلحة في منح نصر الله مراده في بداية الصيف الحالي”، مضيفاً أنّ مسؤولاً كبيراً قال لموقع “يديعوت أحرونوت” إن “وقته (أي وقت التعامل مع حزب الله) سيحين، وليس في المستقبل البعيد”.
اضاف: ان نصر الله يسعى لإعاقة بناء الجدار الذي يقيمه الجيش الاسرائيلي على طول الحدود، بهدف منع القوات الخاصة في حزب الله من تجاوز الحدود في أي مواجهة عسكرية مستقبلية. وما لا يقوله “حزب الله “علانية، هو أنّ الجدار الذي يبنيه الجيش الاسرائيلي يثير قلقاً كبيراً لديه، ذلك أنه سيحبط أي هجوم أو اختراق للحدود من قبل عناصره، وأن أي محاولة ستتطلب منهم تسلق الجدار المرتفع، وتضييع ساعات كثيرة في ذلك، يمكن للجيش الاسرائيلي استغلالها من أجل إحباط الهجوم والشروع في هجوم مضاد.
وقال: إن قلق “حزب الله” يزداد مع اقتراب المشروع من نهايته، وبعد أن تلقت خططه الهجومية ضربة كبيرة خلال “العملية العسكرية الهندسية” التي أطلقت عليها إسرائيل اسم “الدرع الشمالي”، واستمرت على مدار الفترة الواقعة بين 4 كانون الأول من عام 2018 وحتى 13 كانون الثاني من عام 2019. واستهدفت الحملة الكشف عن أنفاق “حزب الله” وتدميرها، “ما يصعّب عليه عملية اختراق الحدود.
وخلُص المحلل العسكري الاسرائيلي إلى أنّ جيش الاحتلال “لن يسمح لحزب الله بالاستفادة من ضبط النفس الإسرائيلي لفترة طويلة أخرى”.
الجمهورية