مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت وفاء بيضون
أسبوع من الاشتباكات الدامية بين حركة فتح من جهة وعناصر اسلامية متشددة من جهة أخرى عاشها مخيم “عين الحلوة” جنوب لبنان . جولة ثانية كادت أن تخلط أوراق المخيم ومعه باقي المخيمات الفلسطينية على الأراضي اللبنانية لتطرح العديد من علامات الاستفهام حول التموضع والاصطفافات الفلسطينية على وقع التوتر السياسي من رام الله إلى الضفة وغزة بين السلطة من جهة وباقي قوى الفصائل من جهة اخرى .
إلا أن ما أوحت به هذه الاشتباكات من مخاطر تتجاوز الداخل الفلسطيني جعل الجميع أمام محك حقيقي لتدارك ما يحاك للفلسطينين واللبنانيين على حد سواء ، من هنا تاتي مساعي رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الحثيثة التي افضت حتى الساعة عن تثبيت لوقف إطلاق النار ونجاحه في جمع المتناقضات الفلسطينية بشكليها السياسي والعسكري ولكن دون تلمس الحل النهائي والقضاء على جذور الاسباب التي أدت إلى هذه الاشتباكات.
صحيح توقف إطلاق النار في مخيم “عين الحلوة” في أعقاب الاشتباكات الدامية التي وقعت بين حركة فتح وتجمع الشباب المسلم، على خلفية اغتيال قائد قوات الأمن الوطني في منطقة صيدا اللواء أبو أشرف العرموشي ومرافقيه، وأدت في حصيلتها الأولية إلى سقوط نحو 37 قتيلا وأكثر من 225 جريحا، في جولاتها الثانية منذ اندلاعها في 30 تموز الماضي.ولكن لم تتوقف المخاوف من تجددها رغم تكامل جهد بري مع جهود رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومختلف القوى والفصائل الفلسطينية وخاصة حركة حماس والقوى الإسلامية الفلسطينية، والأحزاب اللبنانية ولا سيما منها الصيداوية بدءاً من النائبين عبد الرحمن البزري وأسامة سعد، مروراً بالجماعة الإسلامية، التنظيم الشعبي الناصري، حركة أمل وحزب الله، وصولاً إلى قيادة الجيش اللبناني ومديرية المخابرات المركزية وفي الجنوب ممثلة برئيس الفرع العميد سهيل حرب والأمن العام ومديرها بالوكالة اللواء إلياس البيسري.
وتضافرت جهود هذه القوى والأحزاب والشخصيات لوقف إطلاق النار، على خلفية قناعتهم وشعورهم المتزايد بخطورة استمرار الاشتباكات وتداعياتها على القضية الفلسطينية وعلى حق العودة ورمزية المخيم، وعلى العلاقة مع الجوار اللبناني وخاصة صيدا، ناهيك عن شظاياها التي تكاد “تخلط الحابل بالنابل” وتدخل المخيم وقواه السياسية في آتون فتنة لا ينجو منها أحد.
ولكن ماذا في الخفايا ؟
تكشفت مصادر فلسطينية أن من أولى المخاوف اتساع دائرة الاشتباك العسكري إلى سياسي من خلال الاحتقان غير المسبوق بين مؤيّدي حركتي فتح وحماس والتي ترجمت بحملات متبادلة، فالثانية اتهمت الاولى عبر إصرارها على الاقتصاص من الجناة عسكريا بتدمير المخيم وتهجير أهله وتاليا الوصول إلى مشروع يشطب حق العودة، بينما فتح اتهمت حماس بدعم الناشطين الإسلاميين لاضعافها ومحاولة إمساكها بورقة المخيمات في لبنان.
وقد عُقد اجتماعان بين القيادتين برئاسة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح المشرف على الساحة الفلسطينية في لبنان عزام الأحمد ورئيس حركة حماس في الخارج الدكتور موسى أبو مرزوق، وجرى توضيح الأمور بعد عتب ومصارحة انتهت إلى رسم خارطة طريق للحل في المرحلة المقبلة بالتعاون مع الجميع وهي تشق طريقها حتى اليوم بين قيادتي لبنان.
ثانيا مع طول أمد الاشتباك وتوسع دائرته على غالبية أحياء المخيم، هو محاولة استدراج عصبة الأنصار الإسلامية إلى الاشتباك على محور الصفصاف- رأس الاحمر-الطيرة، وقد اتهمت فتح مجموعات منها بالمشاركة في الاشتباكات التي جرت في المنطقة، غير أن العصبة أكدت أن موقفها منذ البداية هو عدم مشاركتها في تدمير مخيمنا وتهجير أهلنا وقد تدخلت لإخراج عناصر من الأمن الوطني سالمين، وجرى كذلك عقد اجتماع بين القيادتين لتوضيح الأمور والتعاون في تطبيق ما أُتفق عليه في هيئة العمل المشترك الفلسطيني في لبنان بدعم لبناني سياسي وأمني.
ثالثا محاولة استدراج تيار الاصلاح الديمقراطي في حركة “فتح” بقيادة العميد محمود عبد الحميد “اللينو” الموالي للعقيد محمد دحلان، ودفعه للانخراط في الاشتباكات في منطقة صفورية بعد استهداف قوة عسكرية له كانت تقف حائلا لمنع تمدّد المعركة، وقد قضى اثنان منها هما: القائد العسكري خالد أبو النعاج ومحمد عويد، وقد تحلّى اللينو بالحكمة وبضبط نفس قواته بعد اتصالات فتحاويّة على أعلى المستويات لتطويق ما حدث ثم المشاركة في التشييع وارسال اكليل من الورد وتقبل التعازي.
رابعا محاولة استدراج الجيش اللبناني للدخول بالمعركة بعد استهداف مواقع ومراكز له في محيط المخيم وقد أدّى ذلك إلى سقوط عدد من الجرحى، اصابة أحدهم خطيرة، وقد وجهت قيادة الجيش تحذيرات شديدة اللهجة إلى الأطراف المعنيّة داخل المخيّم من مغبّة تعريض المراكز العسكريّة وعناصرها للخطر. وأكّدت أن الجيش سيتخذ الإجراءات المناسبة. وقد سارعت مختلف القوى الوطنية والإسلامية إلى إدانة هذا الإستهداف وأكدت على العلاقات الأخوية والتنسيق مع الجيش.
خامسا محاولة تأليب الرأي العام اللبناني وخاصة الصيداوي منه على الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وقواه السياسية بعد سقوط عدد كبير من القذائف في المناطق المحيطة بالمخيم، ايضا الرصاص الطائش وشلّ الحركة والدورة الاقتصاديّة والتجاريّة، ولكن القوى الصيداويّة استوعبت الأمر رغم الاستياء والغضب، واطلقت دعوات متكرّرة لوقف إطلاق النار وإراقة الدماء، مؤكّدة أنّها ستبقى حاضنة للقضية الفلسطينية وحقوق شعبها ريثما تتم العودة.
سادسا تسليط الأضواء على السلاح الفلسطيني على أنه متفلّت وإسقاط رمزيته المعنوية “ارتباطا بحق المقاومة والدفاع المشروع عن حق العودة”، وتصوير المخيم على أنه بؤرة أمنيّة تسودها الفوضى وشريعة الغاب دون أيّ حساب أو رادع، وتبذل حاليا الجهود السياسية اللبنانية والفلسطينية لإعادة تصويب البوصلة إلى وجهتها الحقيقيّة نحو فلسطين ودون الاحتكام إليه في أي صراع.
سابعا تأليب الرأي العام الفلسطيني على مرجعيّته السياسية من خلال العزف على وتر التعويض المالي جرّاء الأضرار التي وقعت في الممتلكات من المنازل والمحال التجارية والسيارات في ظلّ الأزمة اللبنانية المعيشية والاقتصادية الخانقة وارتفاع أسعار كل المواد، هذا ويسود اليوم الشارع الفلسطيني حالة غضب غير مسبوقة ممزوجة بتساؤلات عمّن سيعوض على الناس، فضلاً عن الإرباك في التعامل مع بدء العام الدراسي وتأجيله أو تحمّل أعباء الكلفة والمشقّة في الانتقال إلى مدارس أخرى تابعة لوكالة “الأونروا” في محيط المخيم.
وكما يقول المثل “العبرة في التنفيذ ” واستمرار الهدوء .الا ان ما ادرج من مخاوف يلقي الشك على مساحة المشهد الفلسطيني في الشتات المسحوب على المشهد داخل الأراضي المحتلة ويبقي باب الاسئلة مفتوحا على احتماليات الاجندات التي تتتجاوز حيا أو مخيما أو مجموعة مسلحة إلى اجندة المحركين الحقيقيين لهذه الاشتباكات وادارتها عبر الهواتف الجوالة من داخل لبنان وخارجه وما سر ارتباطها في لحظة تبدو فيه المنطقة والاقليم امام متغيرات سياسية وميدانية والأكثر من ذلك أين تقف “تل ابيب”من كل ما يجري بالمباشر أو عبر الادوات العاملة والعميلة لنسف كل جهد من شأنه أن يوحد ساحات الصف الفلسطيني خارجيا وداخليا بوجه غطرسة الاحتلال وهمجيته.ويبقى نجاح كل جهد يستند إلى شياطين التفاصيل فلننتظر الآتي من الأيام.
