مجلة وفاء wafaamagazine
لعل أدقّ القراءات التي قاربت الاجتماع الأخير لممثلي دول «اللجنة الخماسية» في نيويورك، هو انّ هذه اللجنة بالنحو الذي انتهى اليه اجتماعها، لم تعكس فقط انّها كانت مطوّقة بتباينات من داخلها، بل انّها وجّهت إلى الداخل اللبناني رسالةً لا لبس فيها، مفادها انّها تخلّت عن مهمّتها، وقرّرت إعادة تصدير الملف الرئاسي الى منشئه، ومنحت لنفسها إجازةً مفتوحة غير محدّدة بسقف زمني، لمراقبة ما قد يستجد من تطورات او تداعيات مرتبطة به في دولة المنشأ.
الأجواء الداخلية مزدحمة بالكثير من الاسئلة، وخصوصاً انّ المراصد السياسيّة على اختلافها، لم تلتقط حتى الآن اي إشارة توضيحية من أي من دول الخماسية حول ما جرى في اجتماع نيويورك، فالإرباك سمة الداخل على كل مستوياته، ومكوّنات الانقسام الداخلي، وبمعزل عن التحليلات والسيناريوهات والفرضيات الواقعية واللاواقعية التي هطلت في الايام الاخيرة بغزارة على المشهد الداخلي، مصدومة ليس فقط بحقيقة انّها آخر من يعلم، وجاهلة للسبب الحقيقي الذي دفع باللجنة إلى توجيه هذه الرسالة السلبية من نيويورك تحديداً، إلى الداخل اللبناني في هذا التوقيت بالذات ولأي هدف. بل انّ صدمتها اكبر بما بدا أنّه تجاهل لها في أمر يعنيها.
قد يبدو الوقوف على ما جرى في نيويورك اولوية لدى كل اللاعبين المحليين على المسرح الرئاسي، الّا انّ ثمة أولوية باتت تتقدّم عليها، جوهرها تلمّس ما يخبئه الآتي من الايام، وخصوصاً انّ فشل اجتماع الخماسية، شرّع باب الاحتمالات واسعاً في الداخل اللبناني، وطلائع هذه الاحتمالات تلوح في الأفق القريب، حيث أنّ عدوى فشل اجتماع نيويورك، تقترب من أن تصيب مسعى الحوار الرئاسي الذي يقوده رئيس مجلس النواب نبيه بري وتفشّل انعقاده، جراء تطويقه من جهة برفض «القوات اللبنانية» وحلفائها في «الشارع السيادي»، للحوار والتوافق على رئيس للجمهورية، وبإثقاله من جهة ثانية بحمولة زائدة من الشروط، طرحها «التيار الوطني الحر».
خوف مبرر!
هذا الجو المقفل على مستوى «الخماسية»، والذي لا يبشّر بإيجابيات على مستوى الحوار الداخلي، طوّق المشهد اللبناني بمخاوف على غير صعيد. وعلى ما تقول مصادر سياسية لـ«الجمهورية»، فإنّ «هذه المخاوف مبرّرة. فالخارج، وكما عكس اجتماع الخماسيّة، سحب يده من فرصة الحل التي أتاحها عبر المهمّة التي أُوكلت إلى الموفد الفرنسي جان ايف لودريان، والداخل كيّف نفسه مع الشغور الرئاسي، وتحكمه إرادة التعطيل واغتيال فرصة الحوار التي أتاحها رئيس مجلس النواب. وما بين سحب فرصة الخارج، والتعطيل الكيدي لفرصة الداخل نتيجة وحيدة؛ تحضير الأرضية اللبنانية لتطوّرات وربما منزلقات ليست في حسبان أحد».
اختبار النضج
وربطاً بذلك، أبلغت مصادر موثوقة إلى «الجمهورية» قولها، «إنّ ما استجد على صعيد اللجنة الخماسية، وضع المكونات السياسية في لبنان، عن قصد او عن غير قصد، امام ضرورة أخذ العِبَر مما حصل في الخماسية، التي بيّن بما لا يرقى اليه الشك، انّها وضعت الملف اللبناني وراءها، وكل طرف فيها يشدّ في اتجاه مناقض للآخر، وكذلك امام اختبار نضجها السياسي والتشارك في حل صُنع في لبنان، يضع الأزمة على سكة الانفراج. وطاولة الاختبار قائمة في مبادرة الرئيس بري التي باتت تشكّل حاجة اكثر من ايّ وقت مضى، وفرصة اخيرة متاحة لصياغة حل داخلي، وإن ضاعت هذه الفرصة، فسيطول الوقت كثيراً لكي تتولّد فرصة بديلة لها، هذا اذا تولّدت».
المبادرة بين المطبّات
وفي السياق ذاته، اكّدت مصادر مؤيّدة لمبادرة بري لـ«الجمهورية»، انّه على الرغم من الأجواء التي بدأت توحي بأنّ طريق الحوار الداخلي باتت متعثرة، وعبورها دونه مشقات ومطبّات، وعلى الرغم ايضاً من انّ الدعوات المتتالية للأطراف المحليين إلى الحوار باتت اشبه بمن ينادي مَن في القبور، فإنّ رئيس المجلس متمسّك بمبادرته، وما استجدّ من تطورات على خط الخماسية، زاده تمسّكاً بها، بل شكّل دافعاً اضافياً للتأكيد على الحاجة لها، حيث لا بديل عنها، ولا خيار سواها، وكذلك على الضرورة القصوى في الانخراط في الحوار الرئاسي الذي ترمي اليه، بعيداً من ايّ شروط او اعتبارات او حجج تصبّ في خانة المماطلة وتطويل أمد الأزمة.
وخلصت المصادر إلى القول: «لنعترف اننا قبل الخماسية كنا وحدنا، وبعد الخماسية صرنا وحدنا ومتروكين لقدرنا. الخطأ، او بالأحرى الخطيئة التي ارتُكبت بحق لبنان ورئاسة الجمهورية، هي تغليب منطق التنافر على منطق الحوار والتوافق. ولنعترف ايضاً اننا لم نعد نملك سوى ان نتلاقى ونتحاور، على ما قال الرئيس بري بكل انفتاح، وبكلمة طيبة، والكلمة الطيبة على ما يُقال تفكّ اللحام، وتكسر العود اليابس. هي فرصتنا الاخيرة لنخرج من ازمتنا، والاّ فإنّ الإمعان في الهروب من هذا الحوار، معناه ان نتحضّر جميعاً لسقوط أعمق وأخطر مما نحن عليه حالياً».
القرار النهائي قريب
وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ رئيس المجلس يزين المعطيات ويدرس كل الاحتمالات والخيارات، ولن يطول الأمر به ليتخذ القرار النّهائي في شأن طاولة الحوار.
وإذا كانت صورة المواقف الداخلية لا تشجع على التفاؤل في إمكان التئام طاولة الحوار، فإنّ مصادر سياسية تراهن على أن تشكّل الزيارة الرابعة للموفد الفرنسي جان ايف لودريان دفعاً ايجابياً نحو هذا الحوار. الاّ انّ مصادر موثوقة تلفت إلى انّ لودريان، رغم انّه ابلغ رئيس مجلس النواب وغيره ممن التقاهم في زيارته الثالثة، بأنّه سيعود في زيارة رابعة، لم يؤكّد مجيئة بعد. واكثر من ذلك، فإنّ مرجعاً مسؤولاً يشكّك في إمكان حضور لودريان، وقال لـ«الجمهورية»: «قبل اجتماع الخماسية كنت اتوقع عودته سريعاً، واما بعد اجتماع الخماسية وفشلها في مقاربة ايجابية للملف اللبناني، فلم أعد اتوقّع ذلك. وحتى ولو حضر فماذا سيحمل معه او سيفعل… بالتأكيد لا شيء، وخصوصاً انّه في زيارته الاخيرة كان صريحاً في تأكيده لبعض من التقاهم انّه استنفد كل محاولاته وخياراته وافكاره، في مسعاه لحث اللبنانيين على الحوار، ولم يعد يملك شيئاً».
تحذير ديبلوماسي
على انّ هذا الواقع الداخلي المربك، يتوازى مع نظرة سوداوية الى مستقبل الوضع في لبنان. عبّرت عنها مصادر ديبلوماسية غربية بقولها لـ«الجمهورية»، انّها لا تشارك القائلين بفشل اجتماع اللجنة الخماسية، بل ينبغي مقاربة هذا الاجتماع من زاوية انّ الملف اللبناني ما زال يحظى بأولوية مشتركة بين دول الخماسية، والّا لما كان الاجتماع قد عُقد من أساسه.
وكشفت المصادر، انّ اللجنة الخماسية، ومن لحظة انطلاق اعمالها حدّدت لنفسها مهمّة ان تكون عاملاً مساعداً للبنانيين على إتمام استحقاقاتهم الدستورية في اسرع وقت ممكن، وعبّرت عن ذلك في بياناتها المتتالية، وضمن هذا السياق اندرجت مهمّة لودريان. وهذا يعني انّ الأطراف السياسية في لبنان معنية بملاقاة اللجنة حول ما تؤكّد عليه لناحية ضرورة التوافق في ما بينها على رئيس للجمهورية. والسيد لودريان أكّد لجميع الاطراف اللبنانيين على الحاجة الماسّة الى اطلاق حوار عاجل وبنّاء يحقق هذه الغاية.
ورداً على سؤال، عمّا ينتظر لبنان فيما لو استمر المنحى التعطيلي القائم على ما هو عليه، حذّرت المصادر الديبلوماسية من أنّ «لبنان، وكما نعلم جميعاً، بات في وضع شديد التعقيد، فهو يعاني منذ اربع سنوات، وتأخّر القوى السياسية في حسم الملف الرئاسي سينحى به حتماً الى واقع اكثر تعقيداً وتأزماً، تتفاقم فيه هذه المعاناة ليس لسنة او سنتين بل لسنوات».
مرحلة شدّ حبال
على انّ السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المجال: وسط هذه الأجواء السوداوية، على أيّ وقائع سينضبط المشهد الداخلي في الايام المقبلة؟
الوقائع الداخلية لا تؤشر إلى تبدّل سحري يقرّب الاطراف الداخلية من بعضها البعض، ويوحّد نظرتها إلى الملف الرئاسي، وبالتالي فإنّ الصورة كما تعكسها مصادر واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية»، تفيد بأنّ لبنان في ظل التناقضات المتحكّمة به، على شفير سباق محموم بين الحوار ورافضيه. وتؤشر الوقائع المتصدامة إلى مرحلة أكثر قساوة وحدّة في السجال والخطاب، مما سبق وشهدناه بين داعمي رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، وبين ما تُسمّى التقاطعات السياسية الرامية الى إخراجه من الحلبة الرئاسية».
فيما قال مصدر مسؤول لـ«الجمهورية»: «حتى الأمس القريب كنت متفائلاً، وأملت خيراً من زيارة لودريان، وكذلك من اجتماع اللجنة الخماسية، ولكن اقول بصراحة الآن، انني اصبحت متشائماً الى حدّ أنني بتّ أتوقع الأسوأ».
ثم استدرك قائلاً: «لا اقول اننا عدنا الى المربّع الاول او نقطة الصفر، لأنّنا من الأساس ما زلنا تحت الصفر، ورفض الحوار والتوافق، وإحلال لغة التصادم والاستفزاز بديلاً عنهما، أخشى انّهما سيؤديان إنْ آجلاً أم عاجلاً الى واقع كارثي».
موفد قطري… وشوشرة
في سياق متصل، وفي الوقت الذي تداولت فيه أوساط سياسية وإعلامية حول حركة يجريها موفد قطري في لبنان حول الملف الرئاسي، برز امس تحرّك لافت لبعض الغرف السوداء، حيث عمدت إلى ترويج أخبار لا تمتّ الى الواقع بصلة، وهو الامر الذي اعتبرته مصادر سياسية بمثابة شوشرة وتضليل للرأي العام وإيهامه بوقائع وهمية.
وكان لافتاً ايضاً، نسب بعض الامور المرتبطة بالوزير سليمان فرنجية، إلى مصادر في «حزب الله»، الذي نفاها جملة وتفصيلاً. علماً انّ ما حُكي عن حركة لموفد قطري، لم يظهر منها اي تفصيل بسيط إلى العلن.
وقد أصدرت العلاقات الاعلامية في «حزب الله» بياناً مساء امس جاء فيه: «نقلت بعض وسائل الغعلام أخباراً منسوبة الى مصادر في «حزب الله». تؤكّد العلاقات الاعلامية مجدداً انّه ليس لدينا مصادر في «حزب الله» ولا نعتمد هذا الاسلوب في تظهير مواقفنا السياسية. وبالتالي فإننا غير معنيين اطلاقاً بما يرد خارج إطار مواقفنا المعلنة والصريحة».
«التيار الوطني الحر»
إلى ذلك، قالت مصادر «التيار الوطني الحر» قالت لـ«لجمهورية»: «نحن لم نرفض الحوار، ولم نقل للرئيس بري اننا نرفض الحوار، بل قلنا له نريد التشاور مع كافة الأحزاب والأطراف، مع «القوات» و«الكتائب» و«الاشتراكي» و«المستقلين»… وطالبناه بإطلاعنا على برنامج الحوار. لكننا حتى الساعة لم نعرف ما هو، بل انّ الرئيس بري أجابنا: «البرنامج هوي شغلة الحكومة»!
ونحن بالمقابل نسأله: اذاً هو حوار ع شو؟
وقلنا بأننا لا نريد أن يترأس الحوار طرف اعترف بنفسه بأنّه كذلك، ولذلك قال سابقاً لا يريد ترؤس الحوار، إلاّ أنّه عندما علم بأننا جاريناه بالحوار، تراجع ولم يعد يريده، وكأنّه أراد سبباً لتطيير الحوار». وختمت مصادر التيار بالقول: «استبداد مع حوار ما بيمشوا، فالحوار يلزمه مرونة بخاصة أننا لسنا من نفرض مرشحنا».
الأسد في بكين
من جهة اخرى، اتفقت بكين ودمشق على إقامة «شراكة استراتيجية»، حسبما أعلن شي جينبينغ خلال لقائه الرئيس السوري بشار الأسد امس في هانغجو شرق البلاد، على هامش دورة الألعاب الآسيوية. وتعدّ هذه أول زيارة رسمية للأسد منذ نحو عقدين إلى الدولة الحليفة، فيما يجهد للحصول على دعم لإعادة إعمار بلاده التي دمّرتها الحرب.
وتندرج الزيارة في إطار عودة الأسد تدريجاً منذ أكثر من سنة إلى الساحة الدولية بعد عزلة فرضها عليه الغرب.