الرئيسية / آخر الأخبار / هل يسقط الأميركيون في المستنقع؟

هل يسقط الأميركيون في المستنقع؟

مجلة وفاء wafaamagazine

ثمّة حرب آخذة في التصاعد بين جو بايدن وبنيامين نتنياهو. ويعتقد البعض أن «البيت الأبيض» بات يتحسّب للمأزق الذي تندفع نحوه واشنطن نتيجة سلوك رئيس وزراء إسرائيل، أكثر مِن تحسّبه لما تقوم به إيران وحلفاؤها في الشرق الأوسط.

 

طوني عيسى

بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب في غزة، أرسلت واشنطن إلى إسرائيل الجنرال جيمس غلين، قائد العمليات الحربية في العراق، العام 2004، ليضع بين أيدي القوات الإسرائيلية خبرته المريرة في معركة الفلوجة آنذاك، وهي واحدة من أشرس المعارك التي جرت في مناطق آهلة بالسكان منذ الحرب العالمية الثانية.


إلتقى غلين قادة العمليات الإسرائيليين في غزة، وحذّرهم من مغبة الوقوع في شرك حرب الشوارع المفتوحة، من دون خطط، والاستسلام لمنطق التدمير، لأن ذلك سيكون مكلفاً ولن يقود إلى نتيجة. ونصحهم باعتماد نموذج معركة الموصل 2016 التي مَزجت ما بين القوة النارية والعمليات المحددة، فبلغت أهدافها بسرعة.

 

لم يُظهر نتنياهو ورفاقه في الحكومة، ومعهم عدد من قادة الجيش، أي استعداد لقبول النصيحة. واعتبروا أن الحيثيّات مختلفة بين غزة والفلوجة، وأن كثافة التدمير والتهجير في القطاع ستتكفّل بتحقيق الأهداف المعلنة وغير المعلنة: تصفية «حماس»، إطلاق الرهائن وإنهاء القضية الفلسطينية بتهجير الغزيين إلى سيناء.

غادر غلين إسرائيل بعد فترة قصيرة. وبرّر استعجاله بالقول: «قرار إدارة المعركة في غزة يعود إلى الإسرائيليين أنفسهم. نحن اكتفينا بالنصيحة لا أكثر». وقال نتنياهو حينذاك إنّ معركة غزة ستُحسم خلال أسابيع قليلة. ولتحقيق هذا الهدف، يتوجّب الحصول من واشنطن وحلفائها الغربيين على كميات هائلة من السلاح والذخائر والمال، فكان له ذلك.

 

ولكن، بدءاً من منتصف تشرين الثاني، أدرك الأميركيون أن تحذيراتهم من سيناريو الفلوجة كانت في محلها تماماً، وأن نتنياهو يغرق في مستنقع غزة، ومعه هم يغرقون أيضاً سياسياً وعسكرياً على رقعة الشرق الأوسط بكاملها، وفي لحظة حساسة جداً من المواجهة في أوكرانيا.

 

منح الأميركيون نتنياهو مهلة إضافية لتحقيق الهدف أقصاها نهاية العام 2023. وهم لذلك استخدموا «الفيتو» في مجلس الأمن لمنع صدور قرار بوقف النار. ولكن، بَدا أنّ نتنياهو يطمح إلى مهلة مفتوحة. فهو أراد من الأطلسيين أن يقفوا معه بلا حساب ولا مواعيد تماماً كما يقفون مع زيلنسكي في أوكرانيا منذ مطلع العام 2022.

 

طبعاً، حيثيات الحرب في غزة، بالنسبة إلى الأميركيين، ليست هي نفسها حيثيات حرب روسيا على أوكرانيا. كما أن فتح جبهة في غزة، لا طائل منها، وقد تتّسع لتشمل الشرق الأوسط بكامله، يشكل إضعافاً شديداً لمناعة الغربيين في أوكرانيا وشرق أوروبا. ولذلك، يريد بايدن وقف الحرب هنا، والانتقال إلى مرحلة العمل الديبلوماسي من أجل إنتاج تسوية سياسية تؤدي واقعياً إلى تعويم موقع السلطة الفلسطينية بدعمها مالياً وسياسياً، فتصبح مؤهلة لإدارة غزة، كبديل من «حماس».

هنا بدأت الأجندة تختلف جذرياً بين بايدن ونتنياهو الرافض تماماً وضع ضوابط للحرب. وفي المكالمة الهاتفية الأخيرة بين الرجلين، قبل 3 أسابيع، وتحدث عنها موقع «أكسيوس» الأميركي، انفجر الخلاف بينهما، واضطر فيها الرئيس الأميركي إلى إقفال الخط في وجه مُحاورِه الإسرائيلي.

 

ومنذ بداية السنة الجديدة، يحاول الإسرائيليون الإيحاء أنهم قلّصوا من حجم الدمار في غزة، وأنهم يجمعون ما بين الكثافة النارية والعمليات الخاطفة والاغتيالات في غزة وخارجها. ولكن في حساب الأميركيين أنّ الحرب مستمرة وأن احتمال انفجار الجبهات الأخرى بات وارداً، من الجنوب اللبناني إلى العراق فاليمن حيث ترتفع درجات السخونة تصاعدياً.

 

وفي تقدير واشنطن أن استمرار الحرب سيؤدي إلى خسارتها الحلفاء العرب والمسلمين تدريجاً وابتعادهم عن خيار التطبيع مع إسرائيل، وإلى تقوية إيران وروسيا والصين في المنطقة، وتعاطف الرأي العام العربي والإسلامي مع «حماس» و»حزب الله» وسائر حلفاء إيران. وهذا الأمر سيضع الولايات المتحدة سنوات في موقعٍ صعب داخل المعادلة الشرق أوسطية وسيحتاج إلى سنوات من العمل لإصلاحه.

لذلك، ترى واشنطن أنّ المطلوب هو وقف إسرائيل عملياتها الحربية تماماً والقبول بالانتقال إلى العمل الديبلوماسي بحثاً عن تسوية. وهذا ما يرفضه نتنياهو وفريقه في داخل الحكومة. وما يزيد التوتر على الخط الأميركي – الإسرائيلي هو اقتناع بايدن بأنّ هناك دوافع سياسية وشخصية تقف وراء هذا الإصرار على الحرب. وهذا ما يعترف به بعض القريبين من بايدن، وفق ما أوردت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية.

 

فقد أجريت أخيراً استطلاعات عدة في إسرائيل، أظهرت أنّ غالبية الرأي العام تحبّذ إجراء انتخابات عامة مبكرة بعد الانتهاء من حرب غزة مباشرة، وأن الإسرائيليين في غالبيتهم يحبّذون رحيل نتنياهو عن موقع رئاسة الحكومة. ولذلك، في المطلق، ليس من مصلحة الرجل إنهاء الحرب في غزة، وتهيئة الظروف لسقوطه عن السلطة ومحاكمته في ملفات قديمة، كما في المسؤولية عن مأزق إسرائيل في 7 تشرين الأول.

 

ويتوقع المطلعون أن يؤدي موقف نتنياهو إلى تعميق التنافر مع إدارة بايدن أكثر فأكثر. كما أنه سيُربك الموفدين الأميركيين في المهمات المكلفين بها في المنطقة، ولا سيما منهم وزير الخارجية أنطوني بلينكن والوسيط عاموس هوكشتاين الذي يتحرك لبنانياً، ويعدّ تسوية يدرك استحالة أن ترى النور قبل وقف الحرب في غزة.

 

إذاً، في موازاة حرب غزة، تندلع حرب باطنية شرسة بين بايدن ونتنياهو الذي سيحاول إبقاء غزة على نار متوسطة ومتقطعة عاماً كاملاً، لعل حليفه دونالد ترامب يعود إلى الموقع ويَمد إليه يد النجدة. ولكن، هل سيتمكن نتنياهو من المماطلة طوال هذه المدة؟ وهل يتحمّل الشرق الأوسط هذه الفترة الطويلة من اللعب بالنار من دون أن يقع الانفجار الشامل؟

 

 


ما يخشاه بايدن هو أن تتورّط واشنطن في المستنقع الذي عمل جاهداً لإخراجها منه. وخوفه من سلوك نتنياهو ربما يفوق خوفه من سلوك «حماس» و»حزب الله» والحوثيين.

 

 

 

الجمهورية