مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “الجمهورية”:
أطلقت زيارة الموفد الرئاسي الاميركي اموس هوكشتاين للبنان دينماية سياسية جديدة على مستويي الاستحقاق الرئاسي والقرار الدولي 1701، وهما يندرجان في صلب اهتمامات المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية التي تتماهى معه ويتماهى معها، على ان يبدأ طبخ الحلول فور اعلان الهدنة في غزة، وقد وعد هوكشتاين بأنه سيعود الى لبنان إثر هذا الاعلان.
غادر هوكشتاين بيروت وترك وراءه مشهدا معقدا توزّع بين صفقة عسكرية أمنية على الجبهة الجنوبية وحل سياسي داخلي بَدا في أفقه مرتبطاً بسلة حل متكاملة مارس فيها سياسة العصا والجزرة.
وقال مصدر سياسي بارز تابعَ أجواء لقاءات هوكشتاين لـ«الجمهورية» ان المبعوث الاميركي وفي اكثر من محطة اثناء محادثاته عكس في وضوح انّ هناك اصرارا أميركيا على بذل جهد لعدم اعطاء اسرائيل ذريعة للتصعيد وتوسعة الحرب في لبنان والابقاء على سياسة ضبط النفس، الى حين التوصّل الى هدنة الستة اسابيع في غزة التي تسعى اليها واشنطن. وفي رسالة واضحة ومباشرة الى «حزب الله» طلبَ هوكشتاين تحويل الهدنة فرصة لإطلاق عملية تفاوض واسعة وجدية تشمل تفاهماً على الحدود الجنوبية لتحقيق أمن واستقرار دائمين، وتصل الى القصر الجمهوري بانتخاب رئيس يواكب التطورات ويوقّع التفاهمات التي ستشمل النهوض المؤسساتي العسكري والامني والسياسي.
واعتبر هوكشتاين، بحسب المصدر نفسه، انّ لبنان امام فرصة للدخول الى حل مُستدام وتطبيق القرار الدولي ١٧٠١، والانخراط في حلول سلمية ومسار سياسي يبدأ التفاوض حوله بعد اعلان الهدنة في غزة مباشرة». وكشف المصدر انه قال: «لا عودة للوضع في الجنوب الى ما قبل ٧ تشرين الأول بل الى ٢٠٠٦، اي البدء بترتيبات تتيح تطبيق القرار ١٧٠١ لجهة وقف العمليات الحربية في شكل دائم وتطبيق ما كان يجب ان يطبّق آنذاك».
كذلك كشف المصدر «ان هوكشتاين حمل معه الى اللقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري حصراً مسودة اطار اتفاق غير نهائي على تثبيت الحدود البرية، بعد التفاهم على وقف العمليات العدائية وعودة النازحين من الجهتين وفق ترتيبات متطورة للوضع العسكري والامني ستضمن الولايات المتحدة الاميركية تنفيذها من الجانب الاسرائيلي، وأودعها الرئيس بري واعداً بالعودة بعد اعلان الهدنة».
ميقاتي
وفي هذه الاجواء أطلّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عبر قناة «الجديد» مساء امس، قائلاً انّ «الجميع يعمل لتهدئة جبهة جنوب لبنان والمضي نحو استقرار طويل الأمد وطروحات الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين قيد النقاش»، معتبراً أن «انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضروري للبنان ويجب على الجميع العمل للحفاظ على الوطن وإبقاء الدولة». وقال: «تفاهم رمضان» سيكون في غزة والمعلومات تقول إن وقف إطلاق النار هناك سيحصل قبل رمضان»، مضيفاً: «المفاوضات المرتبطة بجبهة لبنان ستكون خلال شهر رمضان». وشدد على أن «لبنان لا يعتدي ويجب على إسرائيل وَقف انتهاكاتها، وفي حال توقفت حرب غزة فإنّ جبهة الجنوب ستهدأ إلا إذا استمرت إسرائيل في عدوانها».
وقال ميقاتي: «هوكشتاين وضعَ طرحاً على الطاولة ورئيس مجلس النواب نبيه بري يدرسه، وسيكون هناك رد عليه ونحن لدينا اسئلة ننتظر من الموفد الاميركي أجوبة عنها». وأضاف: «طرح هوكشتاين هو آلية تطبيق القرار 1701 وسنرد عليه بعد الإنتهاء من درسه»، لافتاً الى أن «هوكشتاين قدّم أفكاراً شفهيّة ولا توجد ورقة مكتوبة في شأن جبهة لبنان».
واضاف: «أعمل مع الرئيس بري للوصول إلى الإستقرار، وأعتقد أنّ رئيس مجلس النواب يَتشاور مع «حزب الله». وعندما تصبح لدينا ورقة خطية بشأن طرح هوكشتاين سأتشاور مع الحزب»، لافتاً الى أن «مبادرة هوكشتاين ستحظى مع الوقت بتغطية دولية». وكشف انه «سيكون هناك تواصل معه خلال 48 ساعة من جانب الرئيس بري أو منّي للوقوف على آخر مستجدات الطرح المرتبط بجبهة الجنوب».
وعن الملفّ الرئاسي، اعتبر ميقاتي أنّ «ما تقوم به كتلة الاعتدال الوطني يحرّك الركود السياسي، والكل يريد مخرجاً لرئاسة الجمهورية»، لافتاً الى انّ «في مجلس النواب هناك بين 20 و 25 نائباً لا يمكن أن يقترعوا لمرشح تحدّ». وقال: «لبنان لا يحمل رئيس جمهورية تحدٍ لأي طرف، وبحسب ما هو ظاهر الآن رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ليس لديه الوفاق الكامل».
وعند سؤاله عن الموقف السعودي من لبنان، أجاب: «موقف السعودية السياسي تجاه لبنان لم يتغير حتى الآن في ظل الوضع الحالي».
مبادرة «الاعتدال»
وعلى صعيد مبادرة تكتل «الاعتدال الوطني» الرئاسية، اكد عضو التكتل النائب سجيع عطية لـ«الجمهورية» انّ جولة الكتلة على القوى السياسية «كانت في الاجمال إيجابية ومُوفّقة». وقال: «اللقاء مع النائب محمد رعد، الذي حضره من التكتل النواب احمد الخير ووليد البعريني وعبد العزيز الصمد ومحمد سليمان، كان صريحاً وتخلله نقاش عميق يُبنى عليه، ويمكن وصف اللقاء بأنه تاريخي. وقدّر النائب رعد حراك التكتل، لكنه طرح عددا من الاسئلة والهواجس خصوصا لجهة رغبة «حزب الله» الاساسية في انتخاب رئيس للجمهورية يحمي ظهر المقاومة ولا يطعنها. اما كتلة حزب الطاشناق فكانت مؤيدة للمبادرة بكاملها».
واضاف: «ان التكتل سبق واعلن انّ الدعوة للجلسة التشاورية تكون من المجلس النيابي، اما بقية التفاصيل الشكلية فلا نعتبر انها تشكّل عائقاً طالما يمكن مناقشتها والاتفاق عليها». واوضح «ان نواب المعارضة وافقوا على مضمون المبادرة، فيما طرح حزب «الكتائب» وكتل اخرى ضرورة توفير ضمانات بعدم تراجع اي كتلة عن موقفها بعد الجلسة التشاورية، لكننا نعتقد انّ احداً لا يملك مثل هذه الضمانات، والامر في حاجة الى نقاش إضافي».
وكشف عطية انّ «التكتل سيقوم بجولة ثانية على الكتل النيابية ربما الاسبوع المقبل لشرح كل التفاصيل بعد تلقّي كل الاجوبة على ما طرحه، وبعد ان تكون الكتل الحليفة قد تشاورت بين بعضها للخروج بموقف واحد». وقال: «يمكن اختصار الجَو العام لحراك التكتل بأنه ممتاز بسبب تحريك المياه الراكدة والاطلاع على مواقف الكتل وهواجسها، على ان نناقش مع الجميع لاحقاً ما يمكن وصفه الضوابط والتفاهمات حول شكليات المبادرة».
امّا عضو التكتل احمد الخير فقال لـ«الجمهورية»: «انّ «حزب الله» لم يتوقف كثيراً عند التفاصيل الشكلية للمبادرة ولو انّ النائب رعد طرح بعض الاسئلة، لكنه كان صريحاً وشفافاً في طرح الهواجس والاسئلة خصوصاً حول ما يتعلق بشخص الرئيس العتيد، ونحن قدّمنا أجوبة صريحة وواضحة وشفافة، معتبرين انّ المبادرة هي نقطة التقاء بين مختلف القوى السياسية، ونحن في انتظار جواب كتلة «الوفاء للمقاومة» لنقوم بجولة ثانية نشرح فيها كل التفاصيل الاجرائية والشكلية للمبادرة».
وفُهِم من اوساط مطلعة على جو «حزب الله» انه «خاضَ تجربتين مع رئيسين للجمهورية: واحدة مشجّعة وإيجابية مع الرئيس العماد اميل لحود، وأخرى سلبية وغير مشجعة مع الرئيس ميشال سليمان. لذلك هو حريص على اختيار رئيس للجمهورية لا يطعن المقاومة في ظهرها».
مجلس المطارنة
الى ذلك تتجه الانظار اليوم الى مضمون البيان الذي سيصدر عن الاجتماع الشهري الدوري لمجلس المطارنة الموارنة الذي سيعقد التاسعة صباح اليوم برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، ويتناول الملفات الأساسية لا سيما منها المساعي والمبادرات المبذولة لتوفير الاجواء التي تدفع برئيس مجلس النواب نبيه بري لفتح ابواب المجلس والدعوة الى عقد جلسة بدورات متتالية حتى انتخاب الرئيس. وسيكون للمطارنة بيان يترجم حجم الملاحظات التي لدى البطريرك واكثرية المطارنة حول ملف انتخاب الرئيس والأوضاع المعيشية والتربية في زمن الصوم الكبير.
في القاهرة
في غضون ذلك، توجّه وزير الخارجية عبد الله بو حبيب الى القاهرة امس للمشاركة في الاجتماع الدوري لمجلس الجامعة العربية الذي سيُعقد على مستوى وزراء الخارجية للبحث في مختلف التطورات على الساحة العربية، ومنها المساعي المبذولة لوقف العدوان على غزة والوضع في لبنان في ضوء مساعي اللجنة الخماسية العربية والدولية.
وقالت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» انّ الاجتماع، وعلى رغم من انه عادي وروتيني، فقد اكتسب اهمية بالغة نظرا الى توقيته وما تشهده القاهرة من مفاوضات على مستوى ممثلي ثلاثة أطراف من أربعة الذين أعدّوا «وثيقة باريس» في غياب مدير المخابرات الاسرائيلية، في إطار سعيهم الى ترتيب وقفٍ مؤقت للنار في غزة يسمح بتبادل الرهائن والاسرى والمعتقلين بين حركة «حماس» واسرائيل تمهيداً للبحث في هدنة اطول تكرّس وَقفاً للنار.
كذلك يكتسب الاجتماع اهمية بالغة لأنه يأتي بعد ثلاثة أيام على الاجتماع الموسّع لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض الأسبوع الماضي، في حضور نظرائهم المصري والمغربي والأردني، حيث من المقرر ان يتبادل المجتمعون ما انتهت إليه هذه اللقاءات وما يمكن ان تُسفر عنه المساعي الحميدة من نتائج متواضعة اذا بقيَ الموقف الاسرائيلي على حاله من التشدد.
هوكشتاين في اسرائيل
وبينما ينتظر لبنان نتائج الحركة الجديدة لهوكشتاين، افادت المعلومات انه توجّه الى تل ابيب مباشرة بعد زيارته لبنان، والتقى وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، وعضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس.
وبحسب المعلومات، أكد غالانت لهوكشتاين «التزام تل أبيب بالجهود السياسية للتوصّل إلى اتفاق لِتجنّب التصعيد على الحدود مع لبنان». لكن المعلومات نقلت عن غانتس قوله: «انّ عدوان «حزب الله» يُقرّبنا من نقطة الحسم في شأن عملنا العسكري».
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية انّ غانتس، الذي زار واشنطن أخيراً، أبلغَ الى مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان «أن إسرائيل لا تسعى للحرب مع لبنان».
واشار غالانت في اللقاء مع هوكشتاين الذي انعقد في مقر وزارة الدفاع الى انّ إسرائيل «ملتزمة بالجهود السياسية للتوصل إلى اتفاق» يُنهي المواجهات الحدودية المتصاعدة مع «حزب الله»، فيما اعتبر أنّ «عدوانية الحزب تقرّبنا من نقطة الحسم بأنشطتنا العسكرية في لبنان».
وبحسب بيان لمكتبه، بحث غالانت مع هوكشتاين «العدوان المستمر من جانب «حزب الله»، والجهود السياسية المبذولة للتوصل إلى اتفاق يُنهي النزاع ويؤدي إلى عودة سكان الشمال إلى منازلهم، بعد تغيير الوضع الأمني في المنطقة الحدودية وانسحاب قوات حزب الله».
وذكر البيان أن غالانت شدّد للمبعوث الأميركي على أن «إسرائيل ملتزمة بالجهود السياسية، لكنّ عدوانية «حزب الله» تُقرّب إسرائيل من نقطة الحسم العسكري في لبنان، وقد تجر المنطقة إلى تصعيد خطير»، وأثنى على جهود هوكشتاين «المستمرة لتعزيز الاستقرار الإقليمي، وللجهود التي تبذلها الإدارة الأميركية للتعامل مع التحديات الأمنية على الجبهة الشمالية».
تصعيد جنوباً
في غضون ذلك استمر العدوان الاسرائيلي بعد ظهر امس على قرى الجنوب الحدودية، حيث أغار الطيران الاسرائيلي عند الخامسة عصراً على منزل في بلدة حولا. وافادت معلومات أولية عن استشهاد ثلاثة اشخاص من عائلة واحدة هم: حسن علي قاسم حسي وزوجته رويدة مصطفى وابنهما علي (25 عاماً)، وقد انتشلت فرق الدفاع المدني جثامينهم من تحت ركام منزلهم.
واغار الطيران الاسرائيلي ايضا على بلدة عيتا الشعب واطراف بلدة زبقين وحي البركة في بلدة مجدل زون وبلدات كفرا وياطر والضهيرة، فيما قصفت المدفعية الاسرائيلية أطراف بلدة راشيا الفخار في العرقوب. وسُجّل سقوط أكثر من 15 قذيفة على منطقة الوزاني فأصيب شخص سوري يدعى (ع. ع.) بجروح ونقل إلى مستشفى مرجعيون الحكومي.
في المقابل، اعلنت المقاومة الاسلامية انّ مقاتليها إستهدفوا دبابة ميركافا على تلة الطيحات ودمّروها. كذلك استهدفوا دبابة ميركافا في مستعمرة نطوعا وأوقعوا طاقمها بين قتيل وجريح.
ورداً على اعتداءات اسرائيل على القرى الجنوبية والمنازل المدنية وخصوصاً على مدينة بنت جبيل، استهدفت المقاومة بعد ظهر امس مستعمرة كريات شمونة بالأسلحة المناسبة. واكدت وسائل إعلام إسرائيلية سقوط صاروخين او طائرة مسيرة انتحارية في هذه المستعمرة. ثم استهدفت «تجمعاً لجنود العدو الصهيوني على تلة الطيحات بالأسلحة الصاروخية وأصابته إصابة مباشرة». وكذلك استهدفت موقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة بالأسلحة الصاروخية.
وكانت القوات الاسرائيلية قد اطلقت فجر امس من مواقعها المحاذية لبلدة الناقورة وجبل اللبونة وجبل العلام، رشقات نارية من الأسلحة الثقيلة في اتجاه أطراف البلدة وعلى الأحراج في جبل اللبونة. وقصفت بالمدفعية تلة العويضة، ومحيط الطريق بين برج الملوك والخيام في سهل مرجعيون.
واعلنت المقاومة ايضا انّ مقاتليها «استهدفوا قوة عسكرية مؤللة للعدو الإسرائيلي في موقع «بركة ريشا» بضربة صاروخية، ما أدى الى إصابتها إصابة مباشرة وتدمير تجهيزاتها واندلاع النيران فيها».
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية: بعد تقييم الجيش الإسرائيلي للوضع تَمّ قطع حركة المرور إلى مستعمرات «المنارة ومسكاف عام ومرغليوت»، وإطلاق صفارات الإنذار في كريات شمونه والمستوطنات المحيطة.
وذكرت صحيفة «معاريف» انّ عدداً كبيراً من المستوطنين في كريات شمونة «باعوا منازلهم ولن يعودوا إلى المدينة حيث استقروا في مدن أخرى».
وقالت القناة 12 العبرية: «خرج أهالي المراقبات العاملات على الحدود الشمالية مع لبنان في مسيرة احتجاجية، لأن المراقبات مستهدفات بانتظام بالطائرات من دون طيار وبالقصف، وأضفنَ أنهنّ خائفات جداً ويؤثر الخوف على أدائهنّ، ويجب نقلهنّ من هناك». واضافت: «انّ احد الضباط قال للمراقبين عند الحدود مع لبنان انه عندما يتسلّل «حزب الله» إلى القاعدة تعالوا إليّ بسرعة لأعطيكم مفاتيح الغرف كي تحبسوا أنفسكم».
وبعد ظهر امس عاوَد رجال المقاومة استهداف مقر قيادة اللواء الشرقي 769 في ثكنة كريات شمونه وموقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا وانتشاراً للجنود خلف موقع البغدادي. وقالت وسائل اعلام اسرائيلية مساء ان كريات شمونة تعرضت للقصف بنحو 70 صاروخاً. وقد اعلنت المقاومة انها استهدفت مستعمرتي كريات شمونة وكفربلوم بعشرات الصواريخ رداً على قصف بلدة حولا الذي استشهدت فيه عائلة من ثلاثة اشخاص.