مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “الأخبار”:
مرّ الخطاب المقتضب الذي ألقاه المبعوث الأميركي لشؤون الطاقة إلى المنطقة عاموس هوكشتين في العشاء السنوي لـ«مجموعة الدعم الأميركي من أجل لبنان» (American Task Force on Lebanon) من دون أن يلقى الاهتمام الرسمي المطلوب، رغم خطورته.مساء الثلاثاء الماضي، وأمام أعضاء الجالية اللبنانية في واشنطن وشخصيات من «ATFL»، قال هوكشتين كلاماً خطيراً حيال رؤيته لـ«الحل» في جنوب لبنان، حين طرح «تطبيق 1701 عبر تحويل الخط الأزرق إلى خط حدودي». ولم يقف هوكشتين عند هذا الحدّ، بل أضاف فكرةً تمسّ مباشرةً بالسيادة اللبنانية وتنسف مساراً تاريخياً من الوقائع المدوّنة والاتفاقيات الدولية، حين طرح أنه «يجب علينا أن نضع حدوداً (بين لبنان وفلسطين المحتلة) للمرّة الأولى، إذا كان بإمكاننا فعل ذلك في البحر فباستطاعتنا فعل ذلك في البرّ».
اللافت، أن البحث عن فيديو الكلمة الكاملة لهوكشتين لم يعد متوفّراً على الموقع الإلكتروني لـ«ATFL»، بل جزء بسيط وعام من كلمته من ضمن فيديو طويل عن وقائع العشاء.
عملياً، كشف هوكشتين، حامل الجنسية الإسرائيلية إلى جانب جنسيته الأميركية والذي سبق أن خدم في جيش الاحتلال، إمّا عن جهله بالوقائع في جنوب لبنان وتفاصيل الحدود الجنوبية، أو عن تعمّده تفجير ملف دبلوماسي وسياسي وعسكري يضيف إلى الحرب المندلعة في الجنوب أسباباً أخرى، غير ارتباطها بالمعركة في غزّة.
وإذا كان هوكشتين، عضو الحزب الديموقراطي وحامل سرّ الرئيس الأميركي جو بايدن، يبحث عن تحقيق إنجازات وهميّة تُسَجَّل لرئيسه قبيل الانتخابات بعد إخفاقات غزّة وانتفاضة الجامعات الأميركية، فإنه بذلك التوصيف غير الدقيق قد أبعد الحلول لا قرّبها. عملياً، نسف المبعوث الأميركي لشؤون الطاقة أساس السجال حول الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلّة حالياً، حين اقترح تحويل الخط الأزرق إلى خط حدودي، إذ إن الخط الأزرق هو مجرد خط انسحاب سجّلته الأمم المتحدة وتشوبه شوائب كثيرة كخط انسحاب أصلاً، حيث لا تزال إسرائيل تحتل عليه 13 نقطة، بالإضافة إلى احتلالها لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر.
أما المسألة الثانية، فهي اعتبار الترسيم البحري منتهياً بين لبنان وفلسطين المحتلّة، رغم أن الملفّ ناقص، انطلاقاً من مطالبة لبنان بانسحاب الجيش الإسرائيلي من نقطة «ب 1» والتي تحدّد الحدود البحرية. وما تجاوز البحث في خط الطفافات، إلّا دليل غير معلن على أن «الاتفاق» الحدودي البحري بحد ذاته غير مُنجز، خصوصاً أن ملف التنقيب عن الغاز في الجانب اللبناني لا يزال عالقاً، والعودة إلى التوتر في المنطقة البحرية واردة في أي لحظة.
والمسألة الأهم، «تكبير الحجر» باعتبار هوكشتين نفسه أنه يجد حدوداً بين لبنان وفلسطين المحتلّة. فالحدود موجودة أصلاً بين لبنان وفلسطين، ومحدّدة منذ اتفاقية بوليه ـ نيوكومب الموقّعة عام 1923، ثم مرّةً ثانية في اتفاقية «الهدنة» بين لبنان وإسرائيل، الموقّعة في 23 آذار من عام 1949. وفات هوكشتين أن حقل «كاريش» نفسه يقع في مقابل المياه الدولية التابعة لـ«دولة فلسطين» المعلنة في قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة في تشرين الثاني 1947، والتي حدّدت حدودها الشمالية بناءً على الحدود الدولية المعترف بها بين لبنان وفلسطين. وهي غير «دولة فلسطين» التي يعد بها بايدن الفلسطينيين زوراً على أنقاض غزّة والضّفة الغربية.
البحث عن «نصر حدودي» في جنوب لبنان بهذه الأفكار، يعيد البحث إلى أصل فكرة «الحل الشامل» التي يبحث الأميركيون دائماً عنها. فهل تستطيع الولايات المتحدة، أو هل ترغب، في إجبار إسرائيل على وضع حدود دولية في دستورها؟ أم أنه يحقّ لـ«الدولة اليهودية الوحيدة» كما أسماها بايدن أن تتوسّع وأن يرضخ الآخرون لقوتها كما يتوهّم هوكشتين بطرحه الأخير؟ وكيف يمكن الوصول إلى «الحلّ الشامل» (بحسب المفهوم الأميركي)، إذا كان الرئيس دونالد ترامب قد أيّد «السيادة» الإسرائيلية المزعومة على الجولان السوري المحتلّ ولم يتخذ بايدن أي خطوة معاكسة على عكس كل القرارات الدولية، فيما يحيّد هوكشتين البحث في الانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا؟
الأجدر، الآن، قبل البحث عن أي اتفاق حدودي في الصراع الوجودي، إيقاف المذبحة بحق الفلسطينيين، على الأقل لتحقيق ما وعد به هوكشتين في كلمته بـ«استعادة الاستقرار على الخط الأزرق».
بيان الخماسية «مُخيِّب»
«مخيّب للتوقّعات»، هكذا وصفت مصادر بارزة بيان اللجنة الخماسية الذي أصدرته الخميس الماضي، ودعا الكتل السياسية إلى «مشاورات محدودة النطاق والمدة لتحديد مرشح أو قائمة قصيرة من مرشحي الرئاسة ثم الذهاب فوراً إلى جلسة انتخابية بجولات متعددة لانتخاب الرئيس الجديد»، محدّداً مهلة لإنجاز هذه المشاورات في نهاية أيار الجاري. ولفتت المصادر إلى أن البيان «عبارة عن تجميعة من الآراء التي سمعها السفراء خلال اجتماعاتهم بالكتل السياسية مع توصية بالالتزام ببيان الدوحة»، مشيرة إلى أن «الملف الرئاسي أصبح أكثر تعقيداً، بسبب تمسك الأطراف بمواقفها بشأن الحوار بين رافض ومؤيّد، والخلاف حول الجهة التي ستدعو إلى الحوار فضلاً عن شكل الجلسات، مفتوحة أم متتالية». وفيما كثرت التحليلات حول مدى تأثير الحدث الإيراني الأخير على مجريات الأحداث في المنطقة ومن بينها لبنان، أكّدت المصادر أن «الملفات في لبنان ستبقى مجمّدة وربما ستتعثّر أكثر بانتظار ما ستؤول إليه التطورات»، نافية ما أشيع عن تحرك ستشهده الأيام المقبلة لسفراء الخماسية، إذ إن «السفيرة الأميركية ليزا جونسون غادرت لبنان في إجازة»، ولا شيء يؤكد ما تردّد عن زيارة سيقوم بها الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان بين نهاية أيار وأول حزيران، مع ترسّخ القناعة الخارجية بعدم جدوى أي تحرك قبل انتهاء الحرب في غزة. وهي الخلاصة التي وصلَ إليها الموفد الأميركي عاموس هوكشتين قبل فترة عندما أبلغ متصلين به بأن لا زيارة قريبة له إلى لبنان «فلا شيء قابلٌ للبحث حالياً». أما عن مبادرات العواصم الأخرى، خصوصاً ما يقوم به القطريون على صعيد دعوة مسؤولين لبنانيين للتباحث معهم في ملف الأزمة اللبنانية وتحديداً الرئاسية، فقالت مصادر مطّلعة إن لا تعويل على الحراك القطري ولا الزيارات التي تحصل إلى الدوحة، والجميع سلّم بأن المفاوض الأساسي هو الأميركي. وكشفت أن عدداً من الشخصيات التي تمّت دعوتها لزيارة قطر غير متحمّسة للذهاب من بينها رئيس القوات سمير جعجع.